حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
الكاتب حاتم إبراهيم سلامة
ظهرت اليوم حفنة ممن يزعمون أنهم أدباء ومثقفون، راحوا يكتبون في مناحي العُري والجنس وشهوات الجسد، والانحدار الأخلاقي، والدعارة والعربدة، وأخذوا ينشرون وينسبون ويلصقون كتاباتهم بالأدب وفنونه.
والمصيبة أنهم يتخيلون أنفسهم عباقرة مبهرون، وكلما كان الكاتب منهم أو الكاتبة، منحطًا في ألفاظه، سافلا في وصفه وتصويراته، مثيرًا في عباراته وتحليلاته، كان فلتة زمانه، وعبقري عصره وأوانه، وأكثر تشويقًا وإثارة وإبهارًا.
وبعضهم يفعل هذا، لا لأن هذا باب من أبواب الأدب مغمورًا، يعمل على طرقه وإحيائه كما يدعي، وإنما يكتبون هذه الكتابات الهابطة السافلة، كنوع من التسويق لأقلامهم الداعرة الفاجرة، لأنهم كتبوا في الممنوع من الشهوات التي تجري وراءها كثير من العقول التي ينبت تفكيرها من الفروج.
انظر اليوم لهذه الفاجعة في جماهير الأدباء والمثقفين من الأجيال الصاعدة، والكتاب المبتدئين في عالم الأدب، انظر إليهم وهم يلهثون وراء كاتب يكتب قصصًا وروايات سافلة منحطة، ويُجسد فيها ملاحم جنسية مُسفة، وبدلا من أن يسبه الأدباء ويمقته الناشئون، ويتبرأون من كتاباته، تراهم يعظمونه ويسيرون خلفه ويتخذونه قدوة، ويكبرون قامته، وما هو إلا ساقط مريض.
وهذا التصور لا شك يرجع في أساسه إلى الهبوط الأخلاقي والانحدار القيمي، والخلل السحيق في الذائقة الأدبية.
وأفجع من هذا أن تجد امرأة، بارعة في الكتابة الجنسية، والتصويرات الحميمية بين الرجل والمرأة، وتتباهى بنشر هذا العُري الداعر والأدب المنحل على أعين القراء بلا خجل أو وازع من دين أو ضمير أو قيم.
لقد رأيت لإحداهن كلاما ساقطا، تتباهي به وهي تكتب عن الفروج والعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، ثم رأيتها تصب جام غضبها على كل من ينتقد ويرد على كتاباتها الشهوانية، بدعوى حراسة الفضيلة وحفظ القيم، متهمة إياه بأنه في حقيقته ذئب نجس، يود لو زنى بكل نساء الأرض، وحاولت أن تصور للقراء، أنه يخفي وراءه سعارًا جنسيًا ساحقًا، لو أتيح له التعبير عن حاله لرأينا أبشع ما نري من أصحاب الشهوات.
وأنا أتعجب وأتساءل: من منا لا توارده خواطر الجنس، وأطروحات الشهوة؟ فهل مع هذا نبيح لأنفسنا أن نمارس الفاحشة علنًا، ونتحرش بالنساء في الشوارع، بدعوى حرية الابداع والتعبير عن متطلبات الجسد؟
هذه الحرية التي يرونها تظلم في كل جانب، ولا يبادرون بنصرتها إلا في هذا الجانب، الذي ما يجب أبدا أن تنصر فيه، وإنما تحكم بسياج الأدب والعرف والأصول.
الحق أن مسألة الحرية وضرورة التعبير عن متطلبات الجسد التي يدعونها، ماهي إلا غطاء يوارون به أمراضهم النفسية، وولعهم الجنسي، حتى من يقرؤون هذه النوعية من الكتابات، ولا يستهوون غيرها يعانون نفس المعاناة، وقد رأيت تجارب كثيرة في الحياة، من هذه النوعية التي تبهر ويتفتق وجدانها بمثل هذه الكتابات الجنسية، التي يخفون رواياتها عن الأعين ويقرؤونها بين الحين والحين، ويشعرون أنها تمدهم، بشحنات روحية تبهج نفوسهم، وتمنحها النشوة والسرور.
إن الخلاء وقضاء الحاجة في الحمامات، من متطلبات الجسد، فهل يمكن لنا كأدباء أن نذهب فنصف حالة الإخراج وطبيعة القذى الذي يودع مؤخراتنا؟
ليس كل ما يحدث يكتب، وإذا كان وصف الخلاء ينافي الذوق وتعافه نفس الإنسان، فإن الجنس ووصف علاقاته بهذه الصورة الفجة، أمر تجافيه الأخلاق وتنفر منه طبائع الأسوياء.
إن هؤلاء الذين يكتبون في الأدب السافل والتعبير الداعر، لا يحترمون أقلامهم، ولا يعرفون أن للقلم رسالة، يجب أن ينهض بها ويقيم معالمها بين الناس.
هؤلاء الكتاب نبتة خبيثة في عالم الأدب، يجب اجتثاث تيارهم والتصدي له، حتى لا ينمو ويكون له أنصار يشيعون الفاحشة بين الناس، ويحولون مسار الأدب الحقيقي بأصالته ويفاعته وإشراقه، إلى السقوط والهاوية.
بل إنني أرجع شهرة أدباء الجنس في مجتمعاتنا، إلى السطحية الموغلة في الوعي والتفكير والتذوق.
يا قومنا إنها أزمة أخلاق في المقام الأول، وليست أبدا أزمة وعي أو تفكير، وقد صدق العقاد حينما وصف هؤلاء بأنهم يفتقدون العقيدة الروحية، التي لو كانت موجودة وقوية، لأنفت من ذكر هذه الشهوات السافلة وإشارات الجنس الساقطة.
إن للقلم رسالة، والكاتب النبيل الشهم لا يلطخ قلمه، بهذا العار، وذاك الهوان.
إن تصوير الفاحشة وتجسيد العري والإباحية والعلاقات الجنسية على الملأ في زي الأدب، خيانة للأدب قبل أن تكون خيانة للشرف والفضيلة.
جاءني أحدهم يوما يقول لي: إن أديبا كتب في روايته: إن سحر الدنيا كله في نهود النساء، فقلت له: إن الرجل يُعبر عن شهوة محمومة تؤرق جسده، وطاقة مكبوتة يُريد إطلاقها، وليس هناك جمال في تصوير الشهوة على هذا النحو إلا جمال يستهوي الفجرة والفساق.