غيبوبة.. قصة قصيرة للكاتب بستاني النداف

  • جداريات 2
  • الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 09:17 صباحا
  • 1208
بستاني النداف

بستاني النداف

عينان زائغتان تنظران للسماء ،الشمس الزاعقة  تلقي عليه بأشعة غاضبة ، تحتبس أنفاسه في صدره  المختنق ،أنفاسه طائر بلا جناحين يتخبط ،ضيق يحيط بالأفق ،البراح يتكور أمامه ،يحاول أن يفتح نافذة في سم الخياط ، تمد  يديها وتعبد له جسرا يمر عليه من بين المتاهات. تنخفض أوتار القدر الذي يغلي في رأسه ، أوصاله المرتعدة يعود إليها بعض دفئها،حمامات الماء البارد المتدفقة من جسده تعطي إشارة بأن المفعول سرى بين شرايينه وأن قلبه ما زال قادرا على أن يواصل مسيرته. 

عيناه الزائغتان تفتحان نوافذهما ،تنظران ،تقطع إرسالهما عينان أخريان يحملان معهما الدفء وشلالات لا تنتهي على وجهه منهما.

لحظة دفء حين تلامس راحتاها راحتيه ، تعود الحياة إلى أوصاله ، قلبه المنهك يعاود الصلاة ، المحراب يؤدي تراتيل الحب ،فجأة تسيطر برودة على أوصاله من جديد ، جسده يركض ناحية التجمد ، صقيع يسيطر على الأجهزة المقاتلة ، صفعات متتالية تنهال عليه:

- لابد من الصعود أيها الأبله ، لما العودة؟!

أجساد سوداء ترقص حوله ،أجنحة غربان دون رءوس تتطاير في المكان ،تضرب في الأجهزة،جهاز التنفس تصيبه سعلة ،تقطيبة جبين حزينة تعلو جبهة صاحب رداء أبيض.

في خارج الغرفة الصماء تجلس الألسن والقلوب. قلب يأمر اللسان بالدعاء:

- يا رب اشفيه.

قلب آخر يأمر لسانه بالكذب:

- آمين يا رب .

عيون تسقط دموعا وعيون أخرى تخرج ماء.

أصابع متوترة وقضمات أظافر تنظر للساعة وأياد تدعو وتبتهل، القمصان البيضاء تهرع للداخل ، المحاليل ،الحقن ،أجهزة التنفس......معركة.... الغربان تنظر للقمصان البيضاء بحنق ، يسعدها رنة تليفون

-   آلو ، انت فين .

- أنا عندي ........خطر

- انت كل شويه.....خطر ...خطر

- والمطلوب أيه

- يا أنا يا هو 

- روحي وانت طا .....

يغلق تليفونه ، يتنفس الصعداء بينما الأنفاس تتذكر طريقي الذهاب والعودة لجسد صاحب العينين  الزائغتين. تعود الحياة إليهما، ابتسامة تسرق طريقها  لصاحب القميص الأبيض ، يشعر بأن الحياة عادت إليه مرتين.

الأفراح والابتسامات الحقيقية بالخارج تهزم العيون القلقة التي تعطي نصف ابتسامة وقلب كاذب يأمر لسانه بإعطاء كلام معسول .

في الداخل لسانه يرسل شكرا لصاحب القميص الأبيض:

- لقد أعدت إليَّ  الحياة.

القميص الأبيض:

- بل أنت الذي أعدت إليَّ  الحياة مرتين.

 


تعليقات