عاطف محمد عبد المجيد يكتب: ما هي علاقةُ الفَقْر بالفشلِ السياسي؟

  • جداريات Ahmed
  • السبت 05 سبتمبر 2020, 5:50 مساءً
  • 972
عاطف محمد عبد المجيد

عاطف محمد عبد المجيد


إن النظرة الاستقصائية النقدية لعالمنا المعاصر الذي يحظى برخاء غير مسبوق تكشف عن استمرار سيادة الكثير من المظاهر الدالة على العوز والضنك ورتابة الحياة اليومية.بل يصل الوضع في شتى مناطق الجنوب إلى درجة الفاقة والانحطاط، تبدو معها الشرائح المقهورة وكأنها تحولت إلى مجرد نفاية بشرية في عالم أصبح مختلاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.     هذا ما خطه يراع د.محمد العودي في مفتتحه لكتابه المهم " فقراء زمن العولمة " والذي صدر منذ سنوات عن دار " رؤية " للنشر والتوزيع.

سمات مشينة

يرى د.العودي أن الفقر الذي يشكل إحدى السمات المشينة لهذا العالم الشغوف بثقافة الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، أضحى بمثابة الظاهرة الأكثر إثارة للجدل.                خاصة وقد تكثف التعتيم على أبسط المفاهيم، حتى بات من البديهي التحدث عن الحرمان الاجتماعي المنظم للتعبير في ظروف حربائية عن واقع الاستغلال الطبقي الصريح.           ثم يتساءل د.العودي: كيف يمكن القيام بتحليل نقدي لواقع الفقر في ظل الإيقاع الجارف للعولمة، مع كل ما يفترضه ذلك من دقة علمية؟..ويجيب بأنه في خضم النظام العالمي الجديد وما ترتب عليه من شيوع الفاقة وتدويل الإفقار، لم تعد المشكلة العاجلة في الجنوب الذي يعاني من صعوبات اجتماعية واقتصادية خانقة، ووطأة الديون المرهقة، هو العمل على الرفع من وتيرة النمو.وإنما تركز كل الاهتمام على تجنب الأسوأ والبحث باستعجال عن وسائل مُسكِّنة، احترازاً من تفاقم الوضع وانفجاره.والواقع، كما يرى د. العودي، أن آفة الفقر بالعالم الثالث تنم عن قلق معنوي وعجز بشري امتدت آثاره لتنفذ إلى أعماق الوعي الإنساني.

النظام العالمي

ثم يعود د.العودي ليتساءل مرة أخرى فيقول: كيف يمكن تجاهل ضراوة النظام العالمي الجديد، وأبعاده الثقافية التي تسعى إلى تدمير الإطار العقلاني الذي يُطرح داخله العديد من القضايا الجوهرية كالظلم الاجتماعي والتخلف والتبعية والعوز المادي والفقر الثقافي؟..            

    ويُقر بأن ثمة تعتيم على المشكلات الاجتماعية الجديدة بالدول الصناعية والتغطية في نفس الوقت على الأوضاع الطبقية وواقع البؤس والبطالة في بقية العالم.                 

            هنا في هذا الكتاب يسعى د.العودي إلى إيجاد الحلول الممكنة للحد من التفقير الاقتصادي المقترن بالتخلف الاجتماعي والسياسي والفكري، وذلك بتفاعل خلاق مع تطلعات المجتمع وعلوم ومعرفة حضارة العصر.بعد ذلك يرى د.العودي أن استمرار حالة الفقر والجوع في العالم جعلت الفكر النقدي الموسوم بعقيدة الرفض المبدئي للظلم الاجتماعي ومختلف أشكال القهر، يعبر من خلال رواده عن امتعاضه من المخلفات المنحرفة التي أصبحت تبلورها مجالياً العولمة على مستوى العلاقات الدولية.                                             

               هذا ويضيف أن الفقر قد أضحى في حقل البحث الغربي الحديث كممارسة اجتماعية، بحيث إن الفقراء لم يعودوا يحشرون ضمن طبقة اجتماعية واعية تنطيمياً بضرورة انتزاع حقوقها والدفاع عن مصالحها.وإنما يتم إرجاع تبعاته للمجتمع الذي أصبح مسئولاً عن فقرائه وهو الذي من واجبه التكفل بوضعهم.وعن العلاقة بين الفقر والتخلف يقول د.العودي إذا كان الفقر ظاهرة قديمة قِدَم الاستعباد والاستغلال الطبقي الذي عرفته مختلف المجتمعات الإنسانية، يشكل ظاهرة حديثة العهد.خاصة وأن مفهوم التخلف يعكس واقعاً مادياً وفكرياً وسياسياً أكثر تعقيداً ومقيداً زمنياً بحكم الظروف التاريخية التي أنتجته.

القضاء على الفقر

هذا ومما يراه أيضاً د.العودي أن القضاء على الفقر يقتضي من منظور النزعة التطورية بناء المجتمع العصري الذي تتحدد طبيعته بشكل حصري في المنظومة الرأسمالية في بعض البلدان التي تعاني من الفقر.هذا ومما هو معروف أن الفقر الذي تعاني منه شرائح واسعة من المجتمع هو أيضاً نتيجة موضوعية للمنهج الاستبدادي الذي تم اتباعه كمرجعية مركزية في الحياة السياسية.كذلك يشير إلى أن مظاهر الأزمة تتجلى اليوم في الاستقلال اللاعقلاني والجنوني لثروات الأرض فحسب، وإنما أيضاً في سوء توزيع هذه الثروات.بحيث إن جزءاً مهماً من ساكنة الأرض يعيش في ظروف صعبة أو يعاني صراحة من الفقر والبؤس.بل إن مناطق واسعة من إفريقيا أصبحت مهددة بشكل مضطرد بالمجاعة نتيجة الصراعات المفتعلة والحروب الأهلية والتطاحن السياسي والفساد الإداري.هذا إضافة إلى قساوة الظروف الطبيعية، خاصة كارثة الجفاف التي تطرح معها مشكل الماء.كما يذكر أن التقارير الأممية تشير إلى وفاة ما لا يقل عن عشرة ملايين طفل سنوياً بسبب أمراض من الممكن تفاديها لولا الفقر بحيث إنه يتسبب في موت 1200 طفل كل ساعة.

حل نهائي

أيضاً تبين المعطيات الإحصائية الدولية أن ما يزيد عن مليار ونصف نسمة من سكان العالم لا تصلها شبكة الماء الصالح للشرب يقطن معظمهم الأرياف.وفي نهاية كتابه يوضح د.محمد العودي أنه لا وجود في الواقع حالياً لمنظومة متكاملة تستطيع ادعاء حل مشكلة الفقر حلاً نهائياً.غير أن هناك أفكار ونظريات تسهم من خلال تفكيرها لواقع العصر في الجدل الدائر حول معضلة الفقر في العالم.كذلك ثمة طروحات تسعى إلى تقديم وسائل إنمائية كفيلة على الأقل بالحد من انتشار الآفة.ويورد رأي بيتير أولريش أستاذ الأخلاق الاقتصادية بجامعة سانت جالين بسويسرا والذي مفاده أنه إذا كان لابد من النظام الرأسمالي فليكن على الأقل هذا النظام للجميع.ويتجلى هذا النظام في أن يُمنح كل مواطن دخلاً أساسياً على شكل راتب دائم سواء كان عاملاً أم كان عاطلاً.                                                                  

  ثم يتساءل د.العودي نهايةً: هل نحن اليوم أمام نزاع انتقالي،أم مخاض عسير يؤثر على بداية تحول عميق في الوعي الإنساني بحتمية التخلص من شبح الفقر الذي يمزق العالم؟

..................................................

شاعر ومترجم 

تعليقات