أندلس رشدي حسن تكتب: رؤية نقدية خاصة بالمجموعة القصصية "ريال فِضَّة" للكاتبة الواعدة إنجي الحسيني

  • أحمد عبد الله
  • الثلاثاء 01 سبتمبر 2020, 7:02 مساءً
  • 1493

العنوان
إنَّه لمن مقتضيات الوصول إلى معاني الوضوح والجلاء، أن نظل نبحث عن إجابات لتلك الأسئلة التي تتوارد على خواطرنا، بمجرد أن نطالع عنوان أي نص من النصوص ،وذلك  من أجل تحقيق غاية عظمى من شأنها، أن تتيح لنا فرصة استبيان كل ماهو خافٍ علينا من دلالات ورؤى يتضمنها ذلك العنوان،فهي إذن تلك الأشياء التي ما إن  نتوصل إلى لُبابها، حتى نستطيع أن نتحرك داخل دهاليز النص بانسيابية شديدة ، وأن نتوصل إلى مكنوناته وخبيئته.
ولاشك أنَّ عنوان(ريال فِضَّة)،  يتهادى بنا نحو دروب كثيرة ومتشعبة، فما نلبث أن نسير فيها بتؤدة، حتى نتمكن من استيعاب المعنى الصحيح الذي قصدته الكاتبة من اختيارها لذلك العنوان  ،فربما كانت  تقصد التأريخ للزمن الذي تتابعت فيه الأحداث  ،ولا سيما أننا نعلم أنه من الممكن الاستدلال على تاريخ أية حقبة زمنية معينة، عن طريق معرفة نوع  العملة التي تدوولت فيها ،أو ربما  كانت تعتقد أنَّ الريال الفضة هو مجرد  حرزٍ يُجتبى ،أو تعويذةٍ يحملها صاحبها،لكي تحميه من الأخطار التي من الممكن أن تداهمه في أية لحظة.
 ولا شك في أنَّ تلك الاحتمالات توصلنا في النهاية إلى كون الكاتبة قد اعتبرت أن ذلك الريال الفضة هو أداة طيعة بين يديها ،تمكنها من ابتداع  الأحداث حسبما يتراءى لها ،فهو أحيانا يُعد وسيلة للنجاة ،وأحيانا أخرى يعد وسيلة للتهديد دافعة للهلاك. 
 وفي كل الأحوال ،فإن البحث وراء المغزى الحقيقي للعنوان لم يذهب سدًى، فلقد أتاح لي بالطبع الانتقال بسلاسة وسهولة  ، إلى متن الحكاية ، وإلى حيث تتواجد شخصية كارمن ، تلك التي تشكل عالما موازيا بالنسبة للكاتبة ، فهي  تسير معها جنبا إلى  جنب ،ولكنهما لاتلتقيان في النهاية .
نجد أنَّ شخصية كارمن تفرض نفسها بقوة على الأحداث ، فهي تلك الفتاة التي تجيد ارتداء قناع البهجة على الرغم مما يعتمل في نفسها من أحزان ،ولكنها تستطيع أن تمحوها بمهارة شديدة ،وذلك عن طريق مجالسة أصدقائها ،والتقاط  كل ما يسردونه أمامها ، من  قصص وحكايات شتَّى ،فما تلبث أن تصوغها بقلمها صياغة جديدة، وأن تضفي عليها من روحها الشيء الكثير ، ثم في النهاية تقوم بتجميعها في كتاب واحد، يجمع بين دفتيه كل ما تم استعراضه  في مجالس أصدقائها، من مغامرات وأحداث مثيرة  ومتنوعة  ،فتبدو وكأنها  تنظم خرزات عقد،تتجاور بعضهن بجوار بعض ،ثم تؤلف بينهن في نسق جميل ،وفي النهاية  تجعل واسطة العقد ريالها المصنوع من الفِضَّة.
وإذا ما تعمقنا في  شخصية كارمن،نجد  أنها ليست شخصية عادية على الإطلاق،فهي لا تأخذ الأمور على علاَّتها، ولكنها تهتم بوصف الملامح الخارجية لأصدقائها، وربما كان ذلك راجعا إلى اقتناعها التام بأن الملامح الخارجية للإنسان، إنما تنبئ عن جوهره ، وأن المظهر والجوهر هما وجهان لعملة واحدة ، بل إنَّ بينهما علاقة تأثر وتأثير، وبينهما أخذ وعطاء ،ولذلك فهي  تُعد شخصية على قدر كبير من الذكاء ،لأنها تعطي لنفسها مساحة كافية، لكي تلتمس الأعذار لأصدقائها، إذا ما خاب ظنها في أحدهم، فإذا ما حدث اختلاف أمامها بين المظهر والجوهر ،أو بين المضمون والشكل ،فهي  في هذه الحالة تتفق مع كل البشر على أن اللُّباب هو الأصل ،وأنه ينبغي أن يُعطى من الاهتمام والرعاية القسط الوفير.
 قصة* ريال فِضَّة*
 تتمثل الخيانة في تلك القصة ، في ذلك الفعل المشين الذي ارتكبه ذلك الخائن ،والذي دفع ثمن خيانته ريالا من الفضة، ذلك الذي كان  بحوزته  وقت اكتشاف الزوج المخدوع  لواقعة الخيانة ،فكان ذلك الريال نفسه هو الأداة التي استخدمها ذلك الزوج في تدمير زوجته الخائنة،عن طريق تهديده إياها بواسطتة ، مما دفعها لإنهاء حياتها بنفسها، ودون تدخل منه على الإطلاق ،وياله من ريال فضة  متعدد الأوجه ،ذلك  الذي جعلته الكاتبة يتحكم في سير الأحداث بشكل كبير .
   قصة حميدة البدوية
عندما طالعتُ تلك القصة،قمت باسترجاع تلك العبارة التي دونتها الكاتبة في فاتحة الكتاب، والتي نوهتْ فيها بالحرف الواحد إلى أنَّ" القصص اجتماعية  واقعية" ،وهنا تكمن المعضلة الحقيقية ،التي جعلتني أعيش على حافة الأحداث  في تلك القصة،دون أن  أتمكن بأي حال من الأحوال من معايشتها بصورة صحيحة،وذلك  لكونها   تتناول تفاصيل تلك المهمة التي قام بها أحد رجالات الأمن ،لكي يتتبع أحد الخارجين عن القانون ،وما كانت وسيلته لتنفيذ مهمته، سوى الإيقاع بحميدة البدوية، زوجة ذلك المهرب الخطير في حبائله، لكي يتمكن من القبض على زوجها.
وهنا نواجه سؤالا هاما ،فأنَّى لأي رجل أمن مهما بلغت  درجة كفاءته، أن يكشف عن تفاصيل خططة الأمنية للآخرين  هكذا بكل سهولة ،وبدون  أية تحفظات، وكلنا يعلم  أن تحركات رجال الأمن يجب أن تتميز بالسرية التامة ،وأنه لا يتم الكشف عن أسرارها وتفاصيلها  حتى بعد إتمامها، فإن الإفصاح عنها يعد من قبيل كشف الأوراق، وتعرية النوايا ، وهذا مخالف تماما لما تجري به القواعد والوصول والأعراف في هذا الشأن.
قصة * ساكنة السطح*
تتناول تلك القصة جانبا سلبيا من جوانب الشخصية الإنسانية ، والذي يكمن بصورة واضحة في استسلام المرء لأقداره استسلاما غير مبرر على الإطلاق ، فهي تحكي لنا  عن وردة، تلك الفتاة شديدة الجمال، والتي كان جمالها نقمة عليها ،والتي تعرضت للخديعة من قبل عدة نماذج من الرجال غير الأسوياء، الذين تلاعبوا في مصيرها  بشكل مهين ،الأمر الذي أدى بها إلى الجنون.
وهنا أيضا تتولد لدينا حالة من الشجن ،فلماذا يستسلم الإنسان لهؤلاء العابثين بأقداره وهو يمتلك  الإرادة   ، ولماذا يتقاعس عن  البحث عن حقوقه، وهو يمتلك  ذلك التصميم الواعي الذي يمكنه  من تحقيق أهدافه، فياليتنا نعرف المعنى الحقيقي للإرادة، فحينئذ سوف نستطيع العيش في عزة وكرامة ، وسوف نستطيع أن نواجه الخطوب بقوة وصلابة.
قصة * إشارة مرور*
هذه القصة تتضمن الإشارة إلى الفكر البراجماتي من وجهة نظر الكاتبة، وفي واقع الأمر أن  ذلك الفكر ينصرف نحو فكرة  مفادها أنَّ الحقيقة توجد في جملة التجربة الإنسانية ،وليس في الفكر النظري البعيد عن التطبيق .
بالنسبة للبعد المكاني في تلك القصة ،يشتمل على مسرحين للأحداث ،أولهما إشارة المرور، وثانيهما رصيف الشارع  ، حيث يعترف  ذلك الرجل الستينى الذي يقوم بمسح زجاج السيارات في إشارة المرور لشخص آخر يدعى محيي ،عن تفاصيل حياته التي يحياها ،فهو يكسب رزقه  عن طريق مسح زجاجات السيارات في إشارات المرور  ، ولكنه بعد انتهاء عمله يعود ليحيا حياة مرفهة في أحد الأحياء الراقية، حيث النعيم والثراء والفخامة. 
الفكرة يمكن قبولها بشكل أو بآخر، ولكن مع بعض التحفظات ،التي تجعلنا  نتساءل عن الدافع الحقيقي وراء كشف ذلك الرجل عن أسرار حياته ،التي تتميز بالازدواجية والتناقض ، أمام رجل آخردون أن يجبره أحد على ذلك .
 ولكن لا بأس فهناك الكثيرون ممن هم على شاكلة ذلك الرجل ،والذين  يعيشون  بوجهين مختلفين ،ممن  يتوغلون في مجتمعاتنا كالأخطبوط ،ولكنهم في واقع الأمر لا يعترفون بتفاصيل حياتهم في إشارات المرور.
ولقد وفقت الكاتبة في تلك القصة  توفيقا كبيرا عندما كشفت النقاب عن مثل تلك النوعية من البشر الذين يجيدون ارتداء الأقنعة.
قصة * فتاة الكباريه*
تدور أحداثها في فلك الظلم الذي يتعرض له الإنسان في كل زمان ومكان ،من جانب أخيه الإنسان ، فما الظلم إلا ذلك الفعل القبيح الذي يشوه وجه الإنسانية كلها  ،وما أكثر هؤلاء الظالمين الذين يخالفون ضمائرهم ، ويرتكبون أبشع أنواع الجور ، ولكنهم للأسف ما يزالون يتمتعون بحرياتهم ،دون وازع من ضمير أو عدالة، وهنا يتراءى لنا ذلك السؤال الأزلي، فأيهما أسعد الإنسان العادل أم الإنسان الظالم. 
ولقد أوضحت لنا الكاتبة ببراعة شديدة ، قضية تلك الفتاة المسكينة التي تدعى سيلفيا ،والتي أوقعتها أقدارها تحت براثن مجموعة من البشر ،هم في حقيقة الأمر بعيدون كل البعد عن تلك  الصفات الإنسانية، التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، الذي كرمه الله بميزة العقل ، فما جنتْ تلك البائسة من وراء أفعالهم سوى التمزق والشتات. 
قصة سهام
وهي القصة التى حكت فيها كارمن لأصدقائها  حكاية سهام، تلك المرأة المسكينة ،التي كانت تتعرض للضرب المبرح على يد زوجها، والذي ما فتئ يضربها ويعذبها حتى انتهى به الحال إلى قتلها هي وجنينها.
تلك القصة تتناول قضية التصادم بين الخير والشر والمتعارف عليها منذ بدء الخليقة ،ولا شك في أن ذلك التصادم يتغلغل في كل مناحي حياتنا ،كما أنه يتحقق داخل الإنسان نفسه، حيث تعتمل في داخله صراعات لا تنتهي، فهناك صراع بين الرغبة والامتناع ،وبين الشك واليقين، ولكن لابد في النهاية أن تتولد لديه ردود أفعال تدفعه لنصرة الحق دائما.
قصة * التاكسي الأبيض*
تتناول تلك القصة ، قضية العقوق  في أبشع صورها، فيا لها من إمرأة مسكينة ،تلك التي ضحت بحياتها وصحتها في سبيل تنشئة ابنتها تنشئة صالحة ،ولكنها في النهاية ،لم  تجد أي مقابل لصنيعها سوى الزج بها  على قارعة الطريق.
قصةبرواز صورة
تتناول شخصية *صلاح *ذلك الرجل الوصولي الذي يقتنع تماما بالمقولة الشهيرة ،" إنَّ الغاية تبرر الوسيلة" ، فهو يبدو ميكافيللي النزعة،فضلا عن كونه مقتنعا تمام الاقتناع  بأنَّ تحقيق الهدف، هو أمر مشروع لكل إنسان ،حتى لو أطاح بغيره من هؤلاء البشر ،الذين  يقفون في طريقه ،ويعترضون سبيله، ولقد وفقت الكاتبة توفيقا كبيرا  حينما وضعت نهاية منطقية لتلك القصة ،تلك النهاية التي أوضحت فيها ،أن ذلك الرجل الأناني لم يجنِ من وراء أنانيته ،سوى الخسران المبين . 
الرؤية العامة لتك المجموعة القصصية تتلخص فيما يلي:
**الأفكار تدور كلها حول الأحداث الإنسانية التي تمر بالإنسان، والتي تحمل بين طياتها معانٍ مختلفة، للكراهية والمحبة ،للعدالة والظلم، للخيانة والإخلاص  ،ولا شك  في أن  تلك الأحداث هي الأقرب إلى عقل وقلب القارئ، لكونها تتغلغل في وجدانه وضميره  ، ولكن الاختلاف الحادث بين الناس بشأنها ،إنما  يكمن في رِدات  الأفعال الناتجة عن نمط التفكير الخاص بمنطق كل شخص على حِدَة.
*يتميزأسلوب الكاتبة بالسلاسة والمباشرة في السرد ،فليس هناك أحداث تتخفَّى وراء ستار، وإنما كل شيء واضح أمام القارئ وضوحا لا لبس فيه ولا غموض .
*المجموعة القصصية مقبولة ومستساغة إلى حد كبير ، وتنم  عن عقلية متفتحة تتميز بها الكاتبة، فحينما يَحسُن الابتداء، يَحسُن الانتهاء  ،وإنَّ الكلام السهل لهو أول ما يقرع السمع، وبه يُعرف الكاتب الذي يستطيع الوصول إلى قلوب الناس بسلاسة ويسر.

تعليقات