د. شيماء عمارة تكتب: رؤية نقدية حول "حكاية ريال فضة" لإنجي الحسيني

  • أحمد عبد الله
  • الأحد 30 أغسطس 2020, 04:54 صباحا
  • 1385
د. شيماء عمارة - وجانب من الندوة

د. شيماء عمارة - وجانب من الندوة

أحب أن أتوجه بالشكر والتقدير لملتقى السرد العربي، بقيادة الدكتور حسام عقل، الرجل الذي فتح قلبه وعقله لكل إبداع قبل أن يفتح أبواب ملتقى السرد.

كما أتوجه بالشكر أيضا لصديقتي الجميلة غادة صلاح الدين وصالونها الثقافي، الذي يثمر دوما بالفن والإبداع،  وكل تحياتي للراقية الكاتبة انچي الحسيني صديقتي التي أُهديت بها من خلال ملتقى السرد وصالون غادة صلاح، وكل الشكر للمبدعين الحضور الذين أشرف بالتواجد بينهم.

أبدأ في رؤيتي البسيطة عن "ريال فضة" بدايةً من الغلاف الخارجي، نرى أن الأستاذة إنچي قد اختارت غلافا مناسبا للمجموعة القصصية أو الديوان القصصي كما تفضل الدكتور حسام عقل بتوجيهنا لهذا التصنيف الأدبي، ومن وجهة نظري أن هذا الابهام الذي يعلوه تلك البصمة الحمراء قد تكون آثارا للدماء أو آثارًا من الحريق، وهذا كان مصير زوجة رجل الرواية الأولى، الرجل المخدوع والذي خانته زوجته مع ابن أخيه، وكان مصيرها الانتحار بأنها قد أحرقت نفسها، وذلك بسبب ريال الفضة الذي ظل يتأرجح بين أصابع هذا العجوز زوجها بعد ضبطها بالخيانة.


وبدخولنا إلى المجموعة القصصية نجد أن انچي قد أخذتنا من قصة إلى التي تليها بأسلوبها العذب السلس، ولغتها البسيطة، وقد بدأت القصص بتلك الجلسة في مكتب المهندس يوسف، ثم خرجت بنا إلى العالم الفسيح، حيث بدأت بمشهد داخلي في مكتب بشركة ثم سافرت بنا حينا إلى سيناء، وحينا إلى سطح مبنى سكني، وحينا آخر الى ملهى ليلي، والعديد من المشاهد الخارجية التي أخذتنا إليها الكاتبة لنخرج من جدران هذا المكتب في المشهد الأساسي إلى العالم الخارجي بكل مشاكله وصوره ومشاعره، 
وبعيدًا عن مشاكل اللغة العربية والتي تفضل بمناقشتها الزملاء من النقاد، فدعوني أتحدث عن النقاط الفلسفية التي أثارتها الكاتبة في نفس القاريء وهو ما ظهر لنا في الشخصية المركبة، كثيرة التعقيدات في الرجل المخدوع بقصة ريال فضة.

كانت الشخصية مركبة للغاية حيث نرى منه جزءًا فيه الشخصية الانتقامية التي رأيناها في تعذيبه لزوجته من خلال ريال الفضة، حتى أحرقت نفسها ولم يحرك هو ساكناً أو يحاول إنقاذها بل كان مستمتعا جداً بما هي فيه حتى ماتت،

والجانب الآخر العطوف الحنون الذي ظهر مع ابن أخيه الشق الثاني من مشهد الخيانة فبرغم ما فعله ابن أخيه إلا أن الرجل ذهب إليه ليكون لقاء الوداع ويُظهر فيه الرجل منتهى الحب والحنان لابن أخيه الخائن فقد نسي الرجل الخيانة أمام حبه لابن أخيه والذي قال له جملة شديدة الحنان "كنت أتمنى أن تقول لي يوماً أبي وليس عمي"

وأيضاً من الرؤى الفلسفية قصة إشارة مرور وفتاة الكباريه حيث أرادت الكاتبة أن توثق فينا فكرة أن المظاهر لا تعطي الانطباع الحقيقي وأن تلك المظاهر قد تخفي وراءها حقائق أخرى مختلفة وأنه لا يجب الحكم بالمظاهر وهذا يتضح في شخصية السائس الذي تحول في الليل فاروق بك وفي شخصية فتاة الملهى الليلي التي تعمل فقط كي تعول نفسها لكن دون أن تترك نفسها للخطيئة أو ترضى بها فكانت الفتاة رغم الادعاءات ورغم عملها بالملهى الليلي إلا أنها كانت مظلومة ولا ترضى لنفسها بالرضوخ للاغراءات والوقوع في الخطأ قصة أم هيام قصة قصيرة جداً ولكن أرادت الكاتبة أن تريني وجه جحود الأبناء عندما يفرطوا في أمهم بعد شقائها وتضحياتها.

أيضاً قامت انچي بتصرف رائع جدا ومختلف، فمعظم الكتّاب والشعراء يضعون القصة أو القصيدة التي تحمل اسم الغلاف في منتصف الديوان القصصي أو الديوان الشعري إلا أن انچي أخذت منحى مختلف ووضعت القصة صاحبة اسم الغلاف كأول قصة بالمجموعة، وتركت فكرة التشويق لدى القاريء كي يكمل القراءة في باقي المجموعة على لسان أبطال القصة الأصليين...مجموعة المكتب كي يتباروا جميعاً فيما بينهم ليثبت كل واحد منهم أن قصته هي الأجدر باسم الغلاف وأنها الأكثر تشويقا...فكانت انچي من الذكاء أن تترك التشويق لأبطال القصص وليس للحكائة "كارمن" مما يثير شغف القاريء باستكمال باقي الحكايات كي يتثبت من الاختيار الأمثل لاسم المجموعة


أما بالنسبة للسلبيات البسيطة فكانت من وجهة نظري في عدم التوفيق في اختيار بعض أسماء القصص، رغم أنها اختارت لأخرى أسماءا معبرة تماماً ويغلب عليها الرمزية الجميلة كريال فضة وبرواز صورة لكن خالفها التوفيق في اختيار اسم ساكنة السطح وكان يمكنها أن تضع اسم "وردة" كاسم لهذه القصة وكان كافيا تماماً ومعبرا وهكذا قصة فتاة الكباريه لم تكن انچي موفقة في اختيار الاسم حيث أن كلمة كباريه كلمة فجة لا تتسق مع محور القصة وما فيها من ظلم ومشاعر ناعمة كما أن كلمة كباريه ليست من اللغة العربية في شيء وكان يكفي أن تختار الكاتبة اسما رمزيا لقصتها بدلاً من تلك الأسماء السطحية التي لا تعبر عن مضمون القصة خاصة أن اسم فتاة الكباريه يورث في نفس القاريء فكرة الفتاة اللعوب وهذا مغايراً تماماً لحقيقة بطلة القصة المظلومة والتي وقع عليها افتراءات كثيرة فلم تكن فتاة كباريه بالمعنى الذي يتبادر لذهن القاريء وبذلك تكون الكاتبة قد ظلمت القصة وبطلتها بهذا الاسم


قصة الختام كانت فيها من العبرة والعظة ما يجعلنا ننظر نظرة عميقة لفكرة الصداقة وننفعل مع قول بطل القصة حينما قال أن الصداقة ليست بطول السنين وإنما بالمواقف، فحقا السنين لا تصنع صداقات لكن المواقف الحقيقية تصنعها. وأخيرا عندي سؤالين من باب المداعبة لصديقتي الكاتبة أين "جمال" في مجموعة القصص التي قام بروايتها الأبطال الأصليون للقصة حيث تغافلت الكاتبة عنه رغم أنها في البداية قالت أنه قد يكون منافسا كبيراً لـ "كارمن" الحكائة في المجموعة القصصية وعلى العكس نجد أن"عمر" روى قصتين ... فما هذا التحيز الذي قامت به كارمن تجاه عمر؟!! وأخيراً... أقول أن كارمن خدعتنا جميعاً... فهي عندما سمعت القصص من أصدقائها كانوا هم عناصر أساسية وأبطال لقصصهم.. أما كارمن فلم تورط نفسها في القصص التي روتها لهم واحتفظت بأسرارها لنفسها وروت حكايات أخرى لآخرين مروا بها دون أن يكون لها دخل بقصتهم... فلم تسير كارمن على نفس المنوال الذي سار عليه باقي الأبطال الذين سردوا قصصهم على مسامع كارمن.


وختاماً.. أهنيء الكاتبة اللامعة انچي الحسيني بنشر مجموعتها الجديدة أو ديوانها القصصي الجديد، فقد كانت مجموعة من القصص المشوقة والتي تأخذ القاريء سريعاً وتورطه في القراءة، حتى آخر حرف، تحياتي للرائعة انچي الحسيني، ملتقى السرد العربي وصالون غادة صلاح، وتحياتي للجميع...

وشكراً للحضور الكريم


كتب:

د.شيماء عمارة - شاعرة وكاتبة


تعليقات