رغيفٌ أبديٌ أعمى.. قصة قصيرة للكاتب بستاني النداف

  • جداريات 2
  • الجمعة 28 أغسطس 2020, 5:01 مساءً
  • 874
الكاتب بستاني النداف

الكاتب بستاني النداف

العربات نجوم متناثرة في نهر الشارع ، تسير بسرعة ، ترتدي أقنعة ملك الموت ، قبل ذلك كنت أعرف أن ملك الموت واحد ذو قدرات متعددة.

بعينين خائفتين وقدمين تشجع إحداهما الأخرى، رحت أحاول المروق كلاعب كرة ماهر يراوغ خصومه في منطقة الثمانية عشر ويمرق من بينهم نحو المرمى .كان مرادي مسرح البالون القابع على الجهة الأخرى المواجهة لبصري . عند وصولي  للجزيرة في المنتصف كنت قد حققت أول انتصار لي على الأقنعة التي  تريد إلتهام العابرين وعليَ أن أمرق مرة أخرى من أقنعة أخرى متناثرة قادمة  عكس اتجاه الأولى. 

قدماي مراوغتان ، عيناى تعبثان بالنجوم ، تحددان نقطة انطلاقي بعد مرور أول سرب قادم ؛ عبرت الشارع قبل مرور أول نجمة راحت تصطك عجلاتها الفارهة بالأرض ؛ اعتلتني ابتسامة المنتصر ، انتفخ بطني مثل المسرح الذي أريد الولوج فيه .

عند ( اليافطة ) المعلقة على جداره الخارجي تذكرت أنى لم أنظر للسماء ، نظرت إليها ، بدت باهتة . شاشة تليفوني المرضوضة تعلمني باقتراب العرض .

الطريق مفتوح أمامي لأجلس كما أشاء ، المسرح صيفي ، أرى السماء من خلاله عبر سقف حديدية مثقوبة تفصل بيني وبينها. 

بدأ العرض ، الراوي يجلس على يمين فوهة المسرح والمستمعون يحيطون به ، يطلبون سماع قصة الظاهر ، والراوي يرفض أن يحكى لهم قصته لأنه لم يأت الوقت بعد ليكون الظاهر بطلا ، يهمس من أعلى الكرسي المجاور في ثقة .

-   مازال الظاهر في أحشاء الراوي جنينا وفى أعينهم بطلا مأمولا.

 على المسرح بساط الريح  يسرق أعيننا لبغداد وخلافة بني العباس وصراع بين الخليفة ووزيره .في ذات الوقت .

 ينطلق خارج المسرح صوت يزعجني لم اعتده إلا عبر الشاشات ، يباغتني سؤال تردده شفتي بصوت خفيض 

- أتراهم  قد أقبلوا في قاهرة المعز حيث الموت يقبل فوهات البنادق. 

انظر لمن حولي فلا أجد انزعاجا ، يطمئنني الذي  جواري حين يحرك سبابته ويمد بصره تجاه الأضواء اللامعة في السماء وينطقها في هدوء. 

- ألعاب نارية ، أفراح .........!!

تعود دقات قلبي لما كانت عليه ، يتملك المسرح  حواسي ، أرى المملوك جابر يرقص مع أحلامه ، يمنيها بنيل الجارية زمرده والفوز بالجاه من خلال سيده  وزير الخلافة.  يحيك الوزير خدعة تساعده على الاستقواء بالأعداء من خارج بغداد عبر رسالة تعبر من بين ثنايا جنود الخليفة .

رأس المملوك جابر صفحة بيضاء حين حلق الشعر ، وحين نبت كانت الرسالة  قد وصلت إلى بلاد الأعداء .... كثير من جوعى  بغداد يتضورون  وأرغفة خبز تشتهيها بطونهم ، أجسادهم المترنحة ترقص على أوتار العود ، تتعارك على خشبة المسرح .

يختفي المسرح من أمامي ، تتلاشى أشياء ، وتظهر أخرى ، وفى دوامات التلاشي والظهور ، تظهر الراقصات ، أراهن يرقصن على موسيقى تبدو لي أنها عراقية ، وراقصون آخرون يرقصون بحماس وفى أيديهم بنادقهم الطائفية. أرى قنابل تحصد بمناجلها رقابا جاثية لشعب من القمح قد نضج ، نيرانها تخرج من فوهة الفرن لتقدم عليقا ذا نكهة محترقة ، وابتسامات شامتة لعيون زرقاء تصفق لغناء أراجيز عمامات بيضاء وسوداء .

يباغتني المسرح من جديد بحركات سريعة وأضواء خافتة تتيه فيها دواماتي حين يسرق بصري لبلاد الأعداء. عند وصول رأس المملوك جابر المتصلة بجسده قبل الحلق الثاني للشعر ،يصرخ الراوي 

- الأعداء قادمون منذ الخلافة والوزير بالداخل يطلب العون منهم ورأس المملوك جابر قطعت .

أخذت في التدحرج أمامنا، الراوي يصرخ فينا ، يطلب منا ألا نكون جابر برأس مهزومة مقطوعة .

يعود الجالسون على يمين فوهة المسرح ، يسألون بلهفة .

- نحن ننتظر الظاهر والظاهر لم يجيء بعد ؟!!

بعين آتية من قلب التاريخ ينظر الراوي وسط ظلام المسرح ، ينزل في منتصف القاعة ، يتحدث وسط الجمهور ... 

أتلفت حولي ، يبدو  الظاهر لي أنه يخرج من المسرح معصوب العينين دون صهيل حقيقي ، ذهب بحصان حديدي ليحضر رغيفي خبز بعينين مثقوبتين قد فقئتا .  أخرج من المسرح أراه واقفا مشدوها ، حصانه لا يجيد العبور وسط النجوم المتناثرة ورسل الموت ينتظرونه بقبعاتهم المفخخة . 

 


تعليقات