ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
الكاتب بستاني النداف
وكأنني قنينة زيت ألقت بها سيدتها في بطن الشارع بعد أن استنزفت آخر نقطة فيها .كورتني وضغطت بأصابعها الخرساء على وسطي الذي أصدر أنينا شديدا ، ثم نظرت إليَّ بعين بلهاء فقدت بصيرتها ، بصقت عليَّ .
- الله يلعنك ويلعن أبو الظروف التي أتت بك إلى هنا .
وككل من تلقي بهم البيوت الصماء في الشوارع أشعر بالدوار .
الشارع الكبير صار طاحونة هواء تدور بي ، أبحث عن رف فيه أو دولاب خشبي أعبر إليه ، تصير الدنيا بي من تحت الغطاء الذي أحكمته سيدتي كسم الخياط. يبدأ الأطفال الذين سبقوني إليه في ركلي بينهم ، تتقاذفني الأقدام والأيادي، أصطدم بكل من صار أقدم مني في المكان .. ما بين الضرب والركل أعامل معاملة المحدثة بين الأقدمين في الرتب العسكرية ...
يقابلني رجل عجوز ممسكا بعصا غليظة ،يجري الأولاد خوفا منه، يرفع عصاه كلاعب ماهر يلقي بكرة الجولف أمامه ،يضربني بقوة...، أشاهد كومة نار أثناء طيراني ، ،يزداد فزعي وأنا أعبرها ، أشم رائحة شواء قريناتي اللائي وقعن فيها ، أعبر بصعوبة من فوق لهيبها ، أختفي في يحمومها ،لا شيء ينقذني سوي الضربة القوية التي جعلتني أصرخ هلعة ، أتدحرج من العمى إلى النور حين أسقط على الأرض ،يدهسني حافر حمار يجري بسرعة فيبعدني لعدة أمتار على الأرض0
التقط أنفاسي ، أسمع شيخ المسجد يعلو صوته عبر المكبر الذي يعلوني.
- رفقا بالقوارير!
أصرخ :-
- أنا لست قارورة بل قنينة !!
أحدهم يمسك بي ويلقيني جانب الترعة المجاورة للمسجد .
يقول متأففا :
- حتى المسجد لا يرحمونه من قاذوراتهم .
أود أن ألقي بنفسي في تلك المياه الجارية، أريد أن أنهي تلك المعاناة، يتعارك فأران حولي ؛أنزلق بينهما ،أسقط في الماء ،يجرى بي التيار ، رائحة نتنة تحيط بجانبي الترعة ،تزداد سرعة التيار بي ، أجد أخريات كثيرات مثلي ، أتعجب من غنائهن وسعادتهن بحالهن .
- يا حلوه يا بلحه يا ( مقمعة ) ،شرفتى اخواتك الأربعة!!!
عند آخر حاجز يمنع النفايات من العبور يتلقاني أحدهم بملقافه، يملأ نصفى زيتاً بينما يبول في جوفي ليكمل بقيتي ...، ينظفني من الخارج يضعني في صندوق ،أباع وأشترى ، ..... يُدقُ الباب ،تفتح سيدتي الباب مرة أخرى ،تشتريني بثمن بخس ،وأنا بين يديها ،أنظر إليها في غضب ، أبصق في وجهها .
- الله يلعنك ويلعن من أتى بي عندك مرة أخرى .
أسقط من بين أصابعها السافلة ،أنسكب على الأرض ،تصاب السيدة بالهلع ،تفتح فمها في بلاهة ،تسقط بقايا أسنانها المتآكلة من هول المفاجأة ،يأتي زوجها صاحب البنيان القوى مفتول العضلات ثم يصب جام غضبه عليها ،يلقى بها في الشارع ،أنظر إليها ،أشعر أنها تتكور أمامي ،أنظر إليه ،يضحك بقوة وأضحك معه منتصرة ،يدخلني بين أحضانه .
- تعالى يا حبيبتي ،أشتاق إليك .
أمرق للداخل ،أستحم ،أتطيب ،أسرح شعري المموج ،أقف أمام المرآة في ألق ،يقبلني ،أستلق له على السرير بينما يقبع في ذهني الشارع الذي لا أريده أن يعاودني مرة أخرى.