الأزهر للفتوى: المراهنات على نتائج المباريات الرياضية «قمار محرم»
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
إنشراح
المشهد الأول
تهيأ واستعد الجميع في مصر لاستقبال خبر إعدام الجاسوس "إبراهيم شاهين" وزوجته الجاسوسة "إنشراح علي مرسي" بعدما ثبتت عليهما تهمة الخيانة العظمى، ولكن حدثت مفاجأة صدمت الجميع وأصابت الكثيرين بالحيرة، حيث انتشر خبر في ربوع مصر كلها بأن الجاسوسة إنشراح علي مرسي قد قدمت التماسا للسيد رئيس الجمهورية تطلب فيه العفو عنها.
وبالفعل نشر هذا الخبر في الجرائد الرسمية المصرية وقتها، كما ظهرت إنشراح نفسها على شاشة التليفزيون المصري من خلال برنامج "النادي الدولي"، الذي كان يقدمه في ذلك الوقت الفنان المعروف سمير صبري.
وفي هذا البرنامج أبدت إنشراح ندمها الشديد على ما اقترفته في حق مصر، كما قامت بتقديم الشكر للسيد رئيس الجمهورية الذي قبل الالتماس الذي قدمته لكي تربي أولادها، ولتفضله بإصدار قرار بحفظ القضية والعفو عنها، والسماح لها بالخروج من السجن بعد أن قضت فيه ما يقرب من 17 شهرا، وطلبت إنشراح أن يتم السماح لها بتقبيل يد السيد الرئيس عرفانا بجميله.
والعجيب أنه في هذه المقابلة التليفزيونية أطلت الجاسوسة إنشراح علي مرسي على المشاهدين وهي تبكي طوال مدة البرنامج، وكانت تنظر إلى الأرض دوما، ومما أثار الدهشة والعجب قولها في البرنامج إنها طوال فترة السجن كانت قد اتجهت إلى الله وأن إيمانها بالله قد زاد، كما قالت إنها ولأول مرة في حياتها قد بدأت تصلي وتقرأ القرآن وتتقرب إلى الله وهي في السجن، كما قالت إنها كانت تشعر بأن الله يقف معها.
وهكذا خرجت إنشراح علي مرسي من السجن بعفو من رئيس الجمهورية، وكان السبب المعلن وقتها أنها خرجت لكي تربي أبناءها وتحميهم من التشرد، وترددت أنباء وقتها أن العفو عنها قد تم في إطار صفقة غير معلنة، تم من خلالها الإفراج عن بعض أسرى الحرب المصريين الموجودين لدى إسرائيل.
وفي يوم 16 يناير سنة 1977 تم تنفيذ حكم الإعدام في الجاسوس إبراهيم شاهين زوج إنشراح داخل سجن الاستئناف بالقاهرة، وبعدها وبعد مرور 3 سنوات على قرار العفو عن إنشراح تم الإفراج عن ابنها الأكبر نبيل، وهكذا ولأول مرة منذ سنوات اكتمل شمل الأم وأولادها الثلاثة واجتمعوا في الشقة الجديدة التي سكنوها بمنطقة الأهرام.
ولأن إنشراح كانت قد ظهرت على شاشة التليفزيون المصري ونشرت صورتها في الجرائد المصرية، فقد أصبح شكلها معروفا لدى الكثير من المصريين، وكلما ظهرت في مكان هي وأولادها كانوا يلقون صنوفا من الإهانات والتوبيخ ممن يقابلونهم.
وإن كانت الدولة على المستوى الرسمي قد منحت الجاسوسة إنشراح علي مرسي عفوا وسماحا، إلا أن من يلقاها من الشعب المصري لم ينس لها يوما أنها كانت تعمل بالجاسوسية، وأنها كانت في صف أعداء وطنها وتسببت في مقتل الكثيرين من أبنائه.
وهكذا عاشت إنشراح وأولادها أياما مرت عليهم كالسنين، وبدأت تشعر أن الزنزانة التي كانت فيها والسجن الذي سجنت فيه من قبل أهون وأرحم مما أصبحت تلاقيه من جيرانها، ومن كل مصري تلقاه في الشوارع والأسواق، بل وفي كل مكان كانت تذهب إليه، وبدأت إنشراح تشعر بالوحشة والغربة وهي داخل مصر، وكذلك أولادها.
وبعد مرور عدة سنوات اختفت إنشراح وأولادها عن العيون، ثم انقطعت أخبارهم جميعا، ولم يعد أحد في مصر يعرف عنهم شيئا، وكثرت تكهنات من ظلوا يذكرونهم عن مصيرهم، فهناك من ظنوا أن إنشراح تم إعدامها، وهناك من قالوا إنها ربما خرجت من مصر، ثم انشغل الناس بأعمالهم وبحياتهم اليومية عن إنشراح وأولادها ومصيرهم.
المشهد الثاني
وجاءت سنة 1988 وعرض مسلسل "رأفت الهجان" الذي كشف عن عميل المخابرات المصرية رفعت الجمال الشهير باسم رأفت الهجان، ووقتها قام جهاز الموساد الإسرائيلي بالرد على إعلان المخابرات المصرية وكشفها عن عميلها الشهير "رأفت الهجان" بعدما توفي بما يقرب من 5 سنوات، حيث قام جهاز الموساد بالكشف عن مفاجأة لم تخطر على بال أحد في ذلك الوقت، وهي وجود عميلته إنشراح علي مرسي بصحبة أولادها الثلاثة نبيل ومحمد وعادل في دولة إسرائيل.
وكأن جهاز الموساد يقول للمصريين إن كنتم تباهون بعميلكم رأفت الهجان، فإننا نباهى بعملائنا إنشراح وأولادها، وهكذا كان مسلسل "رأفت الهجان" سببا في كشف وإفصاح جهاز الموساد عن تواجد الساقطة إنشراح وأولادها الثلاثة داخل دولة إسرائيل، وذلك بعد انقطاع أخبارهم عدة سنوات.
ففي يوم 26 نوفمبر 1989 نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تحقيقا صحفيا مصورا وحوارا أجرته الصحيفة مع الساقطة إنشراح وولديها محمد وعادل، اللذين كانا عملاء للموساد، وقد كشفت الساقطة وأولادها في هذا الحوار عن ما قدموه من أعمال يرونها جليلة من أجل دولة إسرائيل، كما كشفوا عما خفي من حياتهم الخاصة قبل هروبهم من مصر لإسرائيل.
وقد قال هؤلاء الجواسيس للصحيفة الإسرائيلية إنهم بعدما اجتمع شملهم في شقة الأهرام قد عانوا نفسيا لمدة طويلة من معاملة المصريين لهم، وأنهم ألحوا على أمهم أن يرحلوا من مصر لأنهم يشعرون أنهم مكروهين ممن فيها، وبالفعل خرجوا فارين من مصر إلى لبنان، ومن هناك سافروا إلى الأردن التي دخلوا إسرائيل عن طريقها، ورغم أن المعلن وقتها من جانب إسرائيل كان أن أفراد عائلة الجواسيس قد حصلوا على عفو رئاسي من مصر، فإن المصادر المصرية تؤكد على أنهم خرجوا من مصر في إطار صفقة غير معلنة، تم فيها تحرير بعض أسرى الحرب المصريين الموجودين لدى إسرائيل، ومع الإقرار والاعتراف بأن تحرير الأسرى المصريين أمر يسعد جميع المصريين إلا أن التحاق إنشراح وأولادها بإسرائيل قد أثار حفيظة الكثيرين الذين تمنوا لو كانت قد أعدمت، خاصة وأن ما حدث يؤكد ادعاء رجال الموساد للعملاء بأنهم لن يمسهم أذى، وأن إسرائيل لن تتركهم أبدا.
وبمجرد وصول إنشراح وأولادها إلى إسرائيل تمت إجراءات تهويدهم واستيعابهم داخل الدولة العبرية، وهكذا تركوا دين الإسلام وأصبحوا يهودا، وأصبحت إنشراح تسمى "دينا بن ديفيد"، وابنها الأكبر نبيل أصبح يسمى "يوشي"، وابنها الأوسط محمد أصبح يسمى "حاييم"، أما ابنها الأصغر عادل فقد أصبح يسمى "رافاييل" أو "رافي".
وقد أقامت إنشراح وأولادها في منطقة "بات_يام" بوسط إسرائيل، وعملت طاهية في إحدى قاعات الأفراح بإسرائيل، بينما تقول بعض المصادر المصرية إنها عملت لفترة كعاملة في إحدى دورات المياه العامة في مدينة حيفا وهذا الكلام غير مؤكد.
المشهد الأخير
تزوج الابن الأكبر نبيل أو "يوشي" من فتاة إسرائيلية وأنجب منها ولدا، ثم هاجر بصحبتهما إلى كندا سنة 1988، حيث عمل هو وزوجته في محل لغسل الملابس وتنظيفها، وقيل إنه افتتح مطعما هناك، أما الابن الأوسط محمد أو "حاييم" فقد عمل حارسا ليليا في مصنع بوسط إسرائيل، وأما بالنسبة لعادل "رافي" الابن الأصغر فقد افتتح مطعما بإسرائيل، ثم تزوج وهاجر مع زوجته وأولاده إلى إحدى الدول الأوروبية.
والغريب أن الجاسوسة السابقة إنشراح علي مرسي أو دينا بن ديفيد، والتي ظهرت في سبعينيات القرن العشرين على شاشة التليفزيون المصري تبدي الندم على عملها بالجاسوسية، قد ظهرت على صفحات الجرائد الإسرائيلية وهي تقول إنها فخورة بما عملت وما قدمت من أجل دولة إسرائيل، كما قالت إنها تتمنى لو تتاح لها الفرصة لتقوم بنفس العمل مرة أخرى حتى تعبر عن مدى انتمائها لدولة إسرائيل، وهكذا فإن هذه الساقطة المقيمة في إسرائيل لم تندم يوما على ما فعلته في حياتها.
وها هو عادل شاهين أو رافي بن ديفيد ابن إنشراح الأصغر قد خرج علينا منذ سنوات قليلة وقد أنشأ قناة على اليوتيوب باسمه يقدم من خلالها مقاطع فيديو، وعرف نفسه من خلالها بأنه "ابن الجاسوسة المصرية" ويدعي أنه مصري إسرائيلي، وأنه يحب مصر والمصريين كما يحب إسرائيل، وأنه يريد أن يعيش الجميع في سلام، وأنه لم يكن إلا صبيا صغيرا لا يعرف شيئا وقت واقعة التجسس، فلنحذره ولنحذر أمثاله من أولاد الأفاعي، فإنهم يشبهون أمهاتهم.
المصادر:
كتاب "أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور" محمود عبد الله.
كتاب "كل شيء هادئ في تل أبيب" حسني أبو اليزيد.
برنامج النادي الدولي، حوار سمير صبري مع الجاسوسة.
كتاب "جواسيس الموساد العرب" فريد الفالوجي.
جريدة الأهرام الصادرة يوم 5 أكتوبر 1974.
فيديو للجاسوس "رافي بن ديفيد".