هيثم طلعت: إبهار النظام المعلوماتي الذي يُشفر للكائنات سيظل حَجَر عثرة في وجه الإلحاد
- الأربعاء 25 ديسمبر 2024
الكاتبة عزة عز الدين
في أجواءٍ كورونية باهتة، خيمَ عليها السكون والشجن، قطع الصمت أحد العابرين، استقر تحت نافذة غرفتي واستند على جذعِ شجرة حاملاً مزماراً، ولما بدأ العزف أزحْتُ الستار والزجاج، فوجدت فتىً غارقاً في عزفِ ما راق له من ألحان.
في البداية لم يجد من المشجعين سوى تلك الطيور التي اتخذت من غصونِ ذات الشجرة موطناً لها.
بدت لي زقزقتها تصفيقاً له، وإن لم يكن بحاجة لذلك، فقد تجمعت في نفحاتِ مزماره كل الشجون.
بعد قليل أطل بعض الجيران من نوافذهم البعيدة، ربما جذبهم العزفُ مثلي، أو ربما اشتاقوا لشعاع الشمس فكان مع العزف النداء،
أو ربما ضاقت بهم السبل سوى من هذا الارتكان على سورِ نافذة أصبحت لنا جميعاً إطلالة غالية فريدة على الحياة.
حولت نظري بعيداً عن البستان الصغير أسفل النافذة لأطل على الطريق الواسع، حزنت حين وجدته خاوياً سوى من القليل، ثم عدت بناظري إلى العازف وقد زاد عدد المطلين، ولأن النوافذ بعيدة لم ألمح نظاراتهم أو حتى ملامحهم، ولكني قطعاً شعرت بهم، فنحن جميعاً في بوتقة واحدة انصهرت فيها بعض المعاني المرهِقة، الدهشة، القلق، الحيرة، وكثير من الخوف.
انتهى الفتى من وصلتِه وابتعدَ قليلاً ليستند على جذعِ شجرة أخرى، ثم استأنف العزف.
ضعف الصوت ولكن ظل بنفس التأثير، وعلى أجنحة العصافير أرسلتُ له عبق التحايا، فقد أشعرني بدبيبِ الحياة.
نصف ساعة أخرى ثم انصرف.