الإلحاد في زمن الكورونا ... وسقوط الملحدين

  • جداريات Ahmed
  • الجمعة 21 أغسطس 2020, 5:49 مساءً
  • 1672
الإلحاد في زمن الكورونا

الإلحاد في زمن الكورونا

 

  رغم فداحة ظهور وانتشار جائحة فيروس كورونا المستجد"كوفيد19" في العالم منذ ديسمبر الماضي في مدينة ووهان الصينية ، وتوابع الجائحة على الاقتصاد العالمي ، وزيادة حدة الفقر ، إلا أن هناك جوانب نستطيع نستلهم منها إيجابيات منها سقوط أسطورة الغرب الذي لا يقهر ، وأنه هناك علم يملكونه يعتبرونه سلاح لا يضاهيه سلاح ، ومن يومها والملحدين يتخذون العلم إلها لهم وحاشا لله ، وكلما تتحدث مع ملحد ، يقول لك بكل ثقة أن العلم هو أقوى شيء على الأرض ، حتى فيروس لا يرى بعين المجردة ، ليجعل العالم عاجزا جاهلا عاريا من كل أسلحة العلم أمام عدو حجمه أقل من نملة ، وأدرك الملحدين وقتها أن هناك أقوى من العلم وهو خالق العلم

في بحث للدكتور عبد القادر بِطار أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي في جامعة محمد الأول بوجدة ، تحت عنوان "ماذا جرى للملحدين في زمن كورونا " والذي بدأ بحثه قائلا إنه في زمن الأوبئة والجائحات، تظهر عادةً بعضُ الكائنات، وتنتعش أيما انتعاش، ربما لموافقة ذلك لطبيعة تفكيرها، ومنطق تحليلها، البعيدين كل البعد عن روح العلم والدين، واليقينيات والبراهين، وتابع " وإني لأشفق على هؤلاء المساكين، الذين اختاروا طريق الجحود والإنكار، مع عجزهم وافتقارهم إلى الواحد القهار ، وأضاف "بطار" : لقد غاب عنهم أن الإيمان مشروع أمل، وهو أساس سعادة الإنسان، إنه رحلة استكشاف عمق التجربة الدينية،" من بساطة المادية إلى رحابة الإنسانية والإيمان، تآكل النموذج المادي". كما انتهى السير بالمفكر والفيلسوف والأديب عبد الوهاب محمد المسيري (ت 2008م) (رحلتي الفكرية، في البذور والجذور والثمر، سيرة غير ذاتية، غير موضوعية، ص:183).وأن الإيمان هو أعز ما يُطلب، وأجل ما يُكتسب، وهو الأجدر بالإنسان، وغير ذلك خسارة وبهتان.

والحقيقة أن العلم خلق من مخلوقات لله ولم ينزل علم على الأرض إلا بأمر من الله ، وعن ذلك يقول الإمام شمس الدين الذهبي (ت748هـ):" لعن الله الذكاء بلا إيمان " كنا وما زلنا نعتقد أن الإلحاد قد ولى منذ زمان. لكونه لا يصمد أبداً أمام عقيدة التوحيد الكبرى، فقد أعلن العلامة عبد الرحمن بن خلدون عن انقراض الـمُلْحِدَةِ والمبتدعة في زمانه على الأقل. (المقدمة: 3/977 بتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي).

وأضاف "بطار" أنه كما وجدنا في تراثنا الإسلامي الغني بعض العلماء الذين انتصروا لعقيدة التوحيد الكبرى، التي لا تختلف ولا تتخلف، منذ آدم عليه السلام، إلى خاتم النبيين والمرسلين، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، منوها أن المعتزلة كانوا من أوائل العلماء الذين نهضوا بهذه الردود العلمية، في مواجهة الملحدين والزنادقة وأعداء الدين.

فقد ألف أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط المعتزلي (ت300هـ) كتابا سماه " الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد" بَيَّنَ فيه تهافت هذا الماجن السفيه، الذي لا يعبأ الله به.

ومن صُورِ دفاع المعتزلة عن الإسلام أن رجلا من السُّمَنِيَّة، سأل قاضيا مسلما بحضور ملك السند السؤال الآتي:

أخبرني عن معبودك هل هو القادر؟ قال نعم، قال: أفهو قادر على أن يخلق مثله؟ فقال القاضي: هذه المسألة من علم الكلام، وهو بدعة، وأصحابنا يُنكرونه. فقال السُّمَنـِيُّ للملك: قد كنتُ أعلمتك دينَهم، وأخبرتك بجهلهم وتقليدهم، وغلبتهم بالسيف.

ويقال: إنَّ الخلفية هارون الرشيد، لما بلغه خبر هذه النازلة، قامتْ قيامته، وضاق صدره، وقال: أليس لهذا الدين من يناضل عنه ؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، هم الذين نهيتهم عن الجدال في الدين، وجماعة منهم في السجن، فقال: أحضروهم، فلما حضروا قال: ما تقولون في هذه المسألة ؟ فقال: صبي من بينهم: هذا السؤال مـُحَالٌ، لأنَّ المخلوقَ لا يكون إلاَّ مُـحْدَثاً، والـمُحْدَثُ لا يكون مثلَ القديم، فقد استحال أن يُقالَ: يقدر على أن يخلق مثله أو لا يقدر، كما استحال أن يُقال: يقدر أن يكون عاجزاً أو جاهلاً. فقال هارون الرشيد: وجهوا هذا الصبيَّ إلى السند حتى يناظرهم". (طبقات المعتزلة، لأحمد بن يحيى بن المرتضى، ص:55 عنيت بتحقيقه سوسنه ديفلد-فلزر، دار الفكر، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 1409 ه/1988م).

كما ألف العلامة المغربي، المتكلم الأشعري السني، أبو علي عمر السَّكُوني (ت717هـ)كتابا قيما جمع فيه نماذج من عيون المناظرات، بلغت مائة وستين مناظرة، بعضها يتضمن ردوداً قويةً على الـمُلْحِدَة والمبتدعة وغيرهم، سماه" عيون المناظرات" وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الدكتور سعد غراب، وهو من منشورات الجامعة التونسية، سنة: 1976.

ولفت "بطار في بحثه " إلى كتاب شيخ الإسلام مصطفى صبري "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين"، وقد طبع هذا الكتاب في أربع مجلدات. بَيَّنَ فيه مؤلفه سمو الدين، وفساد مقالات الملحدين.

كما قرر الشيخ مصطفى صبري في مقدمة هذا الكتاب: "أن تيار التشكيك في العقائد الإيمانية بين العقلية القديمة والحديثة إنما"صَدَّرَهَا الغربُ المسيحيُّ من ناحية، واللاديني من ناحية، إلى شرقنا الإسلاميِّ، كما يُصَدِّرُ سَائِـرَ بضائعه". (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين: 1/83).

كما أقام الفيلسوف والشاعر الإسلامي الكبير، محمد إقبال في كتابه القيم، "تجديد الفكر الديني في الإسلام" البراهين الفسلفية على صدق التجربة الدينية، مبيناً أن الدين "تجربة حية ومشاركة واتصال وثيق". (تجديد الفكر الديني في الإسلام:ص:36).

وأكد بطار في بحثه أن تأثير الإلحاد في العالم الإسلامي ظل محدوداً، وهذا بفضل العلم والتعليم الذي وطن له كتاب الله العزيز، إذْ أول آية نزلت في القرآن الكريم تأمر بالقراءة باعتبارها وسيلةً لتحصيل العلم والمعرفة، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق:1-4] فكان هذا الابتداء –كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة- إشعاراً بأنَّ هذا الكتاب يدعو إلى العلم، وعنوانه هو العلم، وأن الذي جاء به لا يقوم إلا على العلم، وتعليم الإنسان ما لم يعلم. (أصول الفقه، ص:75).

ثم طبيعة هذا الدين الحنيف الذي أقام العقائد الدينية الإيمانية على براهين عقلية ومنطقية وفطرية لا تتعارض مع الحقائق العلمية البتة، كون خالق العقيدة هو خالق العلم .

كما كان للدكتور مصطفى النشار مقال بعنوان " كورونا وظاهرة الإلحاد في عالمنا المعاصر " ونشره في الوفد لفت فيه إلى أن مسألة العناد عند الملحدين وخلق ألف مبرر ومبرر لضعف الترسانة العلمية في الغرب أمام فيروس ضعيف بكل إمكانياتهم وأسلحتهم الفتاكة

      يقول الدكتور النشار إنه استوقفه صباح يوم في شهر رمضان  الآية 35 من سورة غافر وهى تقول « الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبار « والآية 83 من نفس السورة وهى تقول « فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ماكانوا به يستهزئون « والمعنى فى الآيتين واضح إذ أنهما تخاطبان من يجادلون كثيرا فى أمر وجود الله وفى آياته التى تتجلى أمامهم فى الوجود  بعقليات متكبرة تتجبر على الله وتسخر من  المؤمنين به  وهم عادة مايفرحون بما لديهم من قدرات علمية يحتجون بها على رسل الله وعلى آياته الكونية البينة وهم لا يدرون أنهم فى النهاية سيحيق بهم أو سيلحقهم المصير المحتوم حيث سيلحق بهم فى الحياة الآخرة العذاب المهين جزاء لهم على سخريتهم من المؤمنين وعلى انكارهم للوجود الإلهى استنادا على ما لديهم من علم يعتزون به ويفخرون بأنه منهجهم وسبيلهم وهاديهم فى هذه الحياة الدنيا !!

وأضاف "النشار " بسؤال  قائلا : ولا أدرى لماذا تذكرت وأنا أتأمل هاتين الآيتين وما بينهما فى نفس السورة جائحة كورونا التى حلت بنا وبهؤلاء الملحدين المنكرين لوجود الله ولما أرسله إلينا من كتب مقدسة ؛ لقد تساءلت : ألا يمكن أن يكون هذا الفيروس «كورونا كوفيد 19 المستجد « الذى صنع هذا الوباء الخفى القاتل الفتاك آية من آيات الله أرسله الله ليكون لنا آية تتحدى علم البشر وتتحدى حتى قدراتهم الاقتصادية وتبعث فى كل جوانب حياتهم الفوضى والارباك فلا يستطيعون ممارسة حياتهم اليومية بما تعودوا عليه من الانخراط فى التجمعات والاجتماعات،  والافراط فى الملذات وفى ممارسة  كل مايغضب الله ورسله. إن تغول ظاهرة الالحاد بين الكثير من الناس اليوم وخاصة بين الشباب أساسها ثقتهم اللامحدودة فى قدرات البشر على حل أى مشكلة بالعلم وبالعلم وحده وكأنهم باتوا يعبدون العلم من دون الله وواثقين من أنهم بالعلم يسيطرون على كل شيء حولهم وتناسوا أن للطبيعة والكون خالقا هو وحده الذى يعلم كل أسراره وهو وحده الذى وهب البشر من بين مخلوقاته كل ما لديهم من قدرات ابداعية وعلمية لكى يكتشفوا بها تفسيرا لكل ماحولهم من ظواهر طبيعية حتى يمكنهم التماس الحياة الآمنة المستقرة بين مخلوقات الله على هذه الأرض . لقد تناسى البشر أن كل مايحل بهم من كوارث وأوبئة إنما هى من عند الله وهو وحده القادر على أن يلهمهم كيفية الخلاص منها ليس اعتمادا على قدراتهم الخاصة بل استنادا على ماهو موجود فى الطبيعة أيضا حيث خلق الله لكل داء دواء وعهد إلينا فقط أن نكتشف ذلك بماوهبنا من عقول مبدعه . لقد كدنا فى عالم اليوم الأهوج المهووس بعلومه العظيمة و بتكنولوجياته المتقدمه أن ننسى كل ذلك !! فأراد الله أن يعيدنا إلى نقطة الصفر لنعيد النظر فى مانحن فيه من غرور القوة والعظمة والجبروت حينما أرسل إلينا هذا الفيروس الخفى الضعيف ليقتل ماشاء من البشر فى مختلف القارات لايفرق بين عالم وجاهل ، بين حاكم ومحكوم ، بين غنى وفقير ، وليحبس الباقون فى بيوتهم انتظارًا للأجل المحتوم .

من جانبه يرى عيد محمد البنا أحد علما الأزهر يرى أن فيروس كورونا جاء ليكشف القوة الحقيقة للغرب ، الذي يقف أمامه الملحدين منبهرين ، ودائما ينظرون إلى أن سبب تخلف العرب والمسلمين هو الدين وعدم الأخذ بالأسباب والعلم ، لافتا أن الإشكالية ليست في الإسلام وانما الإشكالية في استيعاب مفهايم ومقاصد الإسلام السامية في النهوض والأخذ بكل الأسباب الممكنة في الحياة ، منوها إلى جائحة كورونا جعلت أعتى بلاد الغرب المتقدم تنحنى أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة فيروس أضعف كائن على وجه الأرض ، وكان واضحا أن كورونا ما هو إلا رسالة واضحة من الله للبشرية ، ولما لما خرج رئيس أكبر دولة في العالم ترامب يقول صراحة علينا ان نصلي جميال من أجل رفع الوباء ، أليس ذلك رسالة واضحة لكل الملحدين الذين ينكرون وجود الخالق .

وأضاف "البنا" أن منذ ظهور فيروس كورونا حتى الآن نسبة الإقبال والدخول في الإسلام ، والتخلي عن الإلحاد زادت بشكل كبير وملحوظ ، جعلت كل الذين يلهثون خلف مبادئ عالم المادة البحت يقفون عاجزين لا يملكون حرية التنقل إلى مكان في العالم رغم أن بعضهم قد يملك ملايين الدولارات ، فالفيروس رسالة بوجود خالق عظيم أرسل جندي ضعيف لكي يوقف حماقات بعض البشر تجاه البشر ، رسالة لكل المتجبرين حول العالم أوقفوا المجاعات والقتل والحروب أوقفوا ارتفاع نسب اليتامي والأرامل بسبب حروب وهمية .

بينما يرى الباحث الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين أن كورونا جعلت العديد من الملحدين أن يعيدوا التفكير ، والعودة مرة إلى ميدان الإيمان ، لافتا إلى أن عدد المشككين عادوا إلى بوصلة الإيمان بعد أن أخذه الإنبهار بتقدم الغرب ، وسقطت أسطورة علوم الغرب عندما وجدوا أقوى دول العالم عاجزة وتستغيث بكل دول الجوار لإنقاذهم من عدو ضعيف لا يرى بالعين ، أدركوا أن هناك قوى عظمى هى التي تتحكم في الكون ، وأن كل من على الأرض من علم وتكنولوجيا وأسلحة يستطيع الخالق أن يوقفها في لحظة.

 

 

 

 

تعليقات