حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
عاطف محمد عبد المجيد
في كتابه " نواب الله " الصادر منذ
سنوات عن الدار المصرية اللبنانية وبعد أن تنازل مؤقتًا عن ثوب الشاعر، وارتدى
معطف المثقف المفكر الذي يغار على رِفاقه على درب الإبداع، مثلما يغار على صحيح
دينه، ولا يُرضيه أن يشوهه البعض لقصورٍ في تفكيرهم، أو عدم وجود تفكير لديهم أصلا،
ينشر أحمد الشهاوي مجموعة مقالات يناقش فيها عدة قضايا بالغة الأهمية على صُعُد مختلفة،
سياسيًّا وإبداعيًّا ودينيًّا، إلى جانب ما وصل إليه حال البعض من تطرف ومغالاة في
الدين والدنيا، مستنكرًا على البعض أن يُنصّبوا من أنفسهم نُوّابًا لله يدافعون عن
دينه عن عدم فهم، واصفين كل مَن يخالفهم الرأي بالكفر والإلحاد، بل تعدّوا ذلك
وصولًا إلى محاكمة الكتابات الإبداعية،
مطالبين بقتل أصحابها أحيانًا وبسجنهم أحايين أخرى.
ثقافة الحرق
يقسّم الشهاوي كتابه الذي بذل فيه جهدًا واضحًا
جدًّا، والذي لا يُغني عرضه الموجز هنا عن قراءته كاملا لأهميته، إلى أحد عشر
قسمًا، منها: بداية الكتاب، تنبيه الغبي، لابس الدين، الكلام باسم الله، يربّون
عضلات الجهل، حماية حرية الكلام، البخاري ليس إلهًا، فقه الغناء، ولم أستبح خبز
الآلهة.الشهاوي يبدأ كتابه، في مقاله الكلام يُحيي ويُميت، قائلًا إنه لم يكتب
ليحقق مالًا، أو يجد ما يحقق له حياة كريمة عند التقاعد أو قبله، إنه يكتب فقط
لأنه لا يعرف سوى أن يكتب، وحيث لا مهنة له غير الكتابة.
الشهاوي
يرى أن الكتابة هي التي تُغيِّر، هي القادرة على إحداث ثُقب غائر فيمن يقرأها،
بحيث يصير إنسانًا آخر أثناء وعقب الانتهاء من القراءة، مثلما يرى أن الله يحب من
عباده من يقرأون أكثر مما يكتبون، ولذا خاطب نبيه بـ ” اقرأ “ ولم يقل له ” اكتب “، ولهذا يرى الشهاوي أن
كل قراءة تفتح أعيننا على آخر جديد، إذ لا توجد قراءة سيئة، فالسييء فقط هو الرقيب
الذي يرفض المطلق في الدين والسياسة والآداب والفنون، مشترطًا سيطرة غاشمة على كل
حرف يخطه أي كاتب.أيضًا يستهل الشهاوي القسم الذي سماه بتنبيه الغبي قائلًا: ” ثقافة الحرق جزء أساسي
من صفحات التاريخ الإسلامي، فمن يحرق كتابًا من اليسير عليه أن يحرق إنسانًا، ومن
يحرق بشرًا لن يتهاون لحظة في حرق الكتب.والحرق يعني الإلغاء، ويعني الحذف، وشطب
ما يخالف الآمر بالحرق “.الشهاوي يقول كذلك إنه منذ العام 38 هجرية صار الحرق سُنّة مُتَّبعة بين
الخلفاء والولاة والأمراء والقُوَّاد في زمن الخلافات الإسلامية المتعاقبة، وانتشر
وزادت وتيرته في الدولتين الأموية والعباسية.ولهذا يرى الشهاوي أن ما فعلته داعش
ما هو إلا صورة طبْق الأصل لما مارسه الخلفاء والأمراء المسلمون ضد معارضيهم
ومخالفيهم في الرأي.ويضيف فيقول كأن فقهاء داعش التعساء الضعفاء يفتحون كتب التراث
لينقلوا ما فعله أمثالهم في التعذيب وطرائقه وأساليبه وألوانه.
خلفاء الله على الأرض
وحين يتطرق لموضوع الخلافة، يقول الشهاوي إن
الذين يطلبون الخلافة الإسلامية، يهدف المتواضعون منهم إلى أن يكونوا خلفاء للنبي،
أما المتكبرون منهم فيريدون أن يكونوا خلفاء الله على الأرض، بمعنى أنهم ظلاله، أو
مندوبوه، أو المتحدثون الرسميون الوحيدون باسمه، وما عداهم كفار وزنادقة وملحدون
وخارجون عن الدين، ومهرطقون.وفي موضع آخر يقول الشهاوي إذا كان القرآن ككتاب سماوي
أداة أساسية لبناء حضاري للأمة، وسببًا لتقدمها وازدهارها، فإننا نرى بعض الذين
خرجوا على قيّم هذا الكتاب ومبادئه، يَجُرّون الأمة نحو التعصب والحقد والفرقة
والعبودية بحجة سيادة العالم، وجعله يتحدث بلسان واحد ويدين بدين واحد، وهذا ما لا
يمكن تصوره، وما لم يأتِ به كتاب، لأن الله خلق الشعوب ليتعارفوا.الشهاوي يرى
أيضًا أن قواعد الفقه ليست جامدة، لكن العقول هي الجامدة، إضافة إلى تشدد الذين
يتكسبون من الإسلام، ويتعيشون منه.هذا ويصف الشهاوي من يرتدون عباءة الدين كذبًا
وافتراءً على الله بأنهم لا يفقهون، لا يصدقون، لا يعقلون ولا يفهمون، يجادلون
فيما لا يدركون، لا يعترفون بخطئهم وضعفهم ويدّعون ويبررون ما لا يحتاج إلى تبرير،
يتظاهرون بالغباء، أو هم فعلا كذلك، وقد اعتادوا على الكذب أو احترافه أو اتخذوه
أسلوب عيش وتكسُّب.ومن هنا يوجه الشهاوي رسالة إلى كل تاجر دين سائلا إياه لماذا
يتغطى بالدين إذا ما كان يريد أن يحقق شيئًا يبتغيه لنفسه في الحكم أو في الجلوس
على مقعد السلطة.فالدين ليس ستارًا يُتغطَّى به، وهؤلاء بصنيعهم هذا يدفنون الناس
أحياء، بعدما يطمرون عليهم التراب، أو يضربون أعناقهم لأنهم يرونهم خارجين عن
الدين.كذلك يتوجه الشهاوي لمثل هؤلاء فيقول لهم إنهم من الممكن أن يحتجوا بأية
طريقة مناسبة لهم، يبتكرونها أو يكررونها أو يستنسخونها من آخرين أو مماثلين لهم
في مكان ما، لكن عليهم أن يبتعدوا عن أن يُكفّروا مخالفيهم في الرأي.
فكرة حرية التعبير
كذلك يناقش الشهاوي قضية الرقابة والمنع في
مقاله يا أمة ضحكت من رقابتها الأمم فيكتب قائلًا: إذا منعتَ نشرْتَ، وإذا راقبتَ
خسرتَ، وفضحت نفسك كرقيب، وكبلد يُراقِب، وبدلًا عن أن تُروج لوطن أو لأمة، فأنت
هتكتَ سُمعتها وعرّضت بتاريخها الثقافي والسياسي، خاصةً إذا كان بلدًا كبيرًا
ومتحضرًا له جذور قديمة في ترسيخ الديمقراطية وتأسيس فكرة حرية التعبير عبر سنوات
من النضال والمجاهدة. الشهاوي يستنكر على الرقيب منعه لبعض الأعمال الإبداعية رغم
كونه موظفًا عاديًّا وهو ليس مفكرًا ولا كاتبًا ولا شاعرًا ولا أديبًا ولا حتى
مثقفًا.مثلما يرى أن الوهن والضعف البادييْن ظاهريًا في جسد الأمة، هما اللذان
يجعلان الرقيب يخرج شاهرًا سيف المنع في صلف معهود فقط في خطب الديكتاتور وسلوكه
في التاريخيْن القديم والمعاصر.كأن علينا أن نتفرغ طوال الوقت لحماية حرية الكلام وهي
حق طبيعي، وليس منحة أو اكتسابًا، في ظل دعوة الدين وكتاب الله إلى حرية التعبير
والاعتقاد.الشهاوي يضيف كذلك أن المنع اليومي أو الأسبوعي للكتب والمطبوعات لهو
نَحْر تدريجي في سواحل الحرية الجديدة التي نحاول بناءها، أو إعادة الحياة إليها
بعد موت زاد على نصف قرن.الشهاوي يريد من الرقيب أن يعلم أن المحظور محمود، وأن
الصوت الممنوع أو المقموع مسموع، وهو الأكثر شهرة وانتشارًا، وما مُنِع صوت إلا
ووصل إلى قطاعات عريضة في أنحاء متفرقة من البلاد، والأدلة أكثر من أن تحصى.هذا
بالطبع ما كتبه الشهاوي عن الرقابة والمنع، تُرى ماذا سيكتب بعد تعرّض بعد الكتّاب
للسجن ولمدة عامين أو أكثر، بسبب بضعة ألفاظ خدشت حياءَ شخصٍ مخدوشًا أصلا ؟..سيكتب
ويقول إنه بوشاية من كاتب يمكن لك، كمبدع، أن تصبح ضحية للرقابة، وبرسالة قصيرة من
آخر أيضًا، يمكن أن تصير رقبتك تحت حبل مشنقة المصادرة والمطاردة، وربما الجزّ
والقطع والقص والذبح، وأضيف أنا: والسجن طويل الأمد. هذا
وعبر كتابه القيّم هذا يُرسل الشاعر أحمد الشهاوي رسالة إلى كل تاجر دين يقول له
فيها: " إذا كنتَ تريد أن تحقق شيئًا تبتغيه لنفسك في الحكم، أو في الجلوس
على مقعد السلطة، لماذا تتغطّى بالدين ؟..إنه ليس ستارًا أو غطاءً تُنزله، أو
تلتحفه، كي تمر ويعتبرك الناسُ تقيًّا، ورعًا، إمامًا، مرشدًا، عالمًا، فقيهًا،
شيخًا، وأنت في الأساس بعيدٌ كل البعد عن هذا.أنت كأسلافك تقتل وتمثل بالجثث وتقطع
الرؤوس وتحملها هدايا إلى قائدك ليرضى عنك، ويتأكد أنك ستُحي الدين. أنت ومن معك
تدفنون الناس أحياءً، بعدما تطمرون عليهم التراب، وإن لم تفعلوا ذلك ضربتم
أعناقهم، لأنهم خارجون من الدين كما تعتقدون. وفي الأخير
يرى الشهاوي أنه لن يكون هناك تنوير يقود المجتمع ويصوغه، ولن يوجد تجديد للخطاب
الديني إلا في وجود صحافة حرة وعدم تقييد حرية التعبير، إذ كل حدٍّ من حرية
التعبير، قولًا أو صحافة أو كتابة أدبية، لهو انتقاص من شخصية الأمة وفرض حظر على
العقل الذي يفكر ويبدع.