هبة السهيت تكتب: لسنا أعداء

  • جداريات 2
  • الأحد 16 أغسطس 2020, 1:59 مساءً
  • 1188
الكاتبة المهندسة هبة السهيت

الكاتبة المهندسة هبة السهيت

كلما دخلت على وسائل التواصل الاجتماعي، ورأيت رأيا مخالفا، وأردت المشاركة بهذا الرأي، أحجمت عن الكتابة، خوفا وفَرَقاً من الهجوم والتعدي اللفظي، الذي يصل أحيانا إلى الاغتيال المعنوي، وهو أمر انتشر انتشارا مخيفا، ويثور السؤال: لماذ يتحول الخلاف البسيط في وجهة النظر إلى حرب شعواء، وخصام عنيف، وأحقاد تؤجج نيران العداوة، مع أن موضوع الخلاف قد لا يكون بتلك الأهمية، ولا يستدعي هذه الحروب الكلامية؟! 

 هل هذا أمر يرجع إلى ثقافتنا بوجه عام، كما يرى البعض أننا قوم نتحرك بين الكفر والإيمان فإما مؤمن وإما كافر؟! 

أى أن السبب هو الفكر الديني ومرجعيتنا الثقافية الإسلامية؟! 

والحقيقة البسيطة التي تزيف هذا الرأي أن فقهنا كله مبني على الاختلاف، وبين مذاهبه نقاشات واحتجاجات، ومناظرات، لدرجة أنه أصبح هناك ما يسمى بعلم المناظرة، وضعت له أسسه وآدابه، وسجلت في مؤلفات كثيرة. 

إذا فهذا التوجه العنيف هو أمر طارئ على ثقافتنا، فما أسبابه؟ 

 نرى أن الإعلام المعاصر هو السبب الرئيسي في نشر ثقافة التسطيح، والتعدي على الآخر المختلَف معه في الرأي، فكل  الإعلاميين إلا ما رحم ربي، شغلهم الشاغل تشويه الخصم، وشيطنته، وإخراجه من مظلة الوطنية، واتهامه بالخيانة والعمالة، والبحث عن نقائصه الشخصية، فكل خصوماتهم خروج عن الموضوعية، وتسطيح وعي المواطن، وتدريبه على السفه والمسافهة، ومن ليس معي فهو ضد،  حتى أصبح من أهم خصائص  نجم المجتمع الإعلامي، أن يكون سفيها، سليط اللسان، صاحب لدد في الخصومه، وأصبحت الحجة وصحتها تقاس بمدى سفاهة قائلها، وقدرته على إضحاك النظارة من خصمه، ولا يضر إذا اعتمد الإعلامي على شكل الخصم وأصوله المتواضعه، وحركاته التي يبالغ في تقليدها بشكل قبيح، ولابد أن يصرخ الإعلامي وتنتفخ عروقه ليظهر بصورة صاحب الحق المنفعل لصدق قضيته، ليلعب على عواطف ومشاعر المشاهد، ويفقده اتزانه العقلي، بإدخاله في إطار عاطفي انفعالي، يقدم فيه رسائله بالحركة القبيحة والتعبير الغاضب بكل قسمات الوجه، ونبرات الصوت العالي، بل يصبح الانفعال الشديد مبررا لاطلاق شتائم عامية بالغة القبح، وكأنها فلتت منه لانفعاله الوطني، هنا يصبح صاحبنا نجما إعلاميا، وتزداد أعداد مشاهدية، ويصبح مؤهلا لأعلى المناصب الإعلامية. 

كل ذلك على حساب الموضوع والموضوعية، لقد علّم ودرّب الإعلام والإعلاميون جمهورهم على هذه الطرق المتدنية في تناول القضايا الفكرية التي تتطلب الهدوء والموضوعية في التناول، وإعمال العقل بدلا من إعمال العاطفة. 

 وهم أصحاب تثبيت فكرة المفاصل ، وعملية الإقصاء التي تدور رحاها في كل وسائل التواصل، بمقولة: إذا لم يعجبك رأيي، فعليك أن تبحث عن وطن بديل!!

فأصبحت البدائل المتاحة إما أن تكون معي أو تكون عدوي الخائن لوطنه، وليس لك مني في هذه الحالة  إلا الطرد والإقصاء. 

إنها عملية غسيل للأدمغة، وتسميم للوعي، وتسطيح للثقافة، لا تؤدي إلا إلى حروب أهلية إن عاجلا أو آجلا. 

ثم نشكو من انعدام ثقافة الاختلاف.

تعليقات