حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
كنت محظوظة إذ نشأت في رحاب المجتمع المصري خلال خمسينيات القرن الماضي، لأن ذلك كان يعني ثقافة مجتمعية وفكرية راقية.
عائلة والدي إلي الجد الأكبر كانوا شيوخا وعلماء في الأزهر الشريف، وعائلة والدتي من أصول صعيدية في المنيا عروس الصعيد. ولكن كلا العائلتين كانتا تتمتعان بقدر من الثقافة والتنوير كما يتضح من طراز الحياة والقناعات الفكرية وإسلوب تنشأة الأجيال اللاحقة. فقد أرسلني والدي إلي مدرسة راهبات لأدرس اللغة الفرنسية، وكانت أقرب صديقاتي مسيحيات. وكنت مولعة بالاستماع إلي الترانيم الكنسية من الشرفة الداخلية لكنيسة المدرسة كلما كان ذلك متاحا. لم يمنعني أحد في المدرسة ولم ينهاني أبواي.
كانت الساحة الثقافية برموزها الفكرية السامقة تطرح افكارا حداثية، وتناقشها بمنهجية علمية وفكرية متميزة. وكم من السجالات الفكرية شهدها الوسط الثقافي وانعكاساتها علي المجتمع كله بفكره وأفراده.
ولما التحقت بالعمل في منظمة دولية مرموقة، وجدت نفسي أعمل وأتعامل مع كافة الجنسيات والثقافات والشخصيات. كانت المنظمة وإدارتها حريصة علي إرساء دعائم ثقافة احترام الاختلاف في الفكر والعقيدة والمظهر. وكان هذا الأمر من العناصر الهامة التي يتم تقييم آداء الموظفين وفقا لها. وقد جعلني هذا الأمر أتوقف لأتأمل موضوع الاختلاف كفكرة إنسانية، ومدي تأثيره علي علاقات الأفراد، ووجه الحياة بصورة عامة. وقد تخطيت في تفكيري مرحلة تقبل الاختلاف كعلامة على الرقي ودليل على التحضر. وساقني التأمل إلى حقيقة أراها مؤكدة، وإن كان معظمنا غافل عنها سواء تحت بند الاعتياد أو السلوك الاجتماعي أو التغافل المقصود.
الاختلاف هو سنة الخلق كما أرادها المولى عز وجل للحياة على الارض. هذا الاختلاف هو الذي يخلق المحفز على تفاعل عناصر الحياة لتحقيق التطور والتقدم . "ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين". فما بالنا لا نقبل حكمة الخالق ونعترض عليها بافكارنا وسلوكنا. لماذا لا نقبل الاختلاف والتنوع الذي هو في النهاية إثراء للفكر والحياة. وكيف يكون شكل الحياة لو خلق الله البشر جميعا بنفس الهيئة والفكر والقناعات.
في نهاية المطاف، ليس تفضلا منا أن نقبل الاختلاف ونقبل الآخرين علي ما هم عليه. إنها نعمة ورحمة من الخالق عز وجل، وتفاعل بين عناصر الحياة يحقق التطور للإنسانية. فما بالنا نكره ونحكم سلبا علي كل ما هو مختلف، ولا نفتأ نشير بأصابع الاتهام إلى كل ما يختلف ومن يختلف عنا وعن فكرنا وقناعاتنا، ولا نتبع الحسنى في مناقشة الأفكار.
اختلافنا لا يعني بالضرورة أن أحدنا علي خطأ والآخر علي صواب بصورة مطلقة، وقبول الاختلاف هو علامة التحضر الفكري، وصلاح الفطرة الإنسانية والعقائد على اختلافها.