حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
الكاتبة هبة السهيت
القصيدة تنتمي لنصوص ما بعد الحداثة ، ويتبع فيها الشاعر المنهج الرمزي
- والسمة المشتركة الأولى في النص ما بعد الحداثي، أنه نص ملتبس يشعر معه القارئ بالصعوبة والغموض وعدم التحديد.
- . فيرى (رولان بارت) أن النص " لا بد ان يُولِّد أكبر عدد من الدلالات والمعاني، وهذا لن يتحقق إذا تعمد النص الوضوح والشفافية".
-أما السمة الثانية للقصيدة والتي ساهمت في بنيتها ؛ هي انتهاجها المنهج الرمزي.
والرمزية مذهب مثالي يرى العالم الخارجي من خلال الذات ويرده إليها ..
ومن هنا فقد أصبحت لغة الشعر إيحائية ،ولم تعد وظيفة الشعر نقل المعنى والصور بل اصبحت وظيفته نقل وقعها النفسي لتوليد مشاركة وجدانية ، تنتقل من وجدان الشاعر إلى وجدان المتلقي .
واستخدم الشعراء الرمزيون (الأصوات والتراكيب ) ولم يُعْنَوا بالإيقاع التقليدي .
ومن هنا فقد استخدم الرمزيون القيم الصوتية في الكلمات وما تحمله من إيحاء فكما يقول "مالارميه" : أن الشعر يمكن أن يبدع أثرا جماليا يصل به التجريد إلى درجة يكون فيها الفهم معطلا تقريبا ..بينما تقوم الأصوات كما يقوم السياق الصوتي بكل العمل . ولن تغدو معاني الكلمات حينئذ مركز الاهتمام ؛فالشعور -إذا وجد- يستثيره السراب الكامن في الكلمات نفسها".
- ويقول "لانسون: "لم يكن الرمزيون بصدد جمع الكلمات وفقا للمنطق لكي يحققوا معنى يستطيع جميع الناس إدراكه ، وإنما يجمعونها حسب الإحساس ، لكي يبرزوا خاطرا أدركه الشاعر وحده) بحيث "تثير الكلمات المنتقاة ،وقعا نفسيا لدى المتلقي ، بحسب اختيار اللفظ وسياقه، فالرمز سمة في الأسلوب ، وليس فقط سمة للكلمات .ثم الرمز "رؤيا نفسية للواقع وعلاقة بين الذات والأشياء.
ويعتمد التعبير الرمزي على "تعطيل القوى الفاهمة وإثارة القوى الشاعره " (الرمز والرمزية في الشعر المعاصر ) كتاب لدكتور محمد فتوح أحمد ..دارالعلوم جامعة القاهره
- من هنا كان اختيارنا للمنهج النقدي الأسلوبي في تناولنا للقصيدة
مفهوم الدراسة الأسلوبية
- اصطلاحا : علم يكشف عن القيم الجمالية في الأعمال الأدبية منطلقا من تحليل الظواهر اللغوية والبلاغية للنص.كما يعمل على الربط بين الصياغة التعبيرية والخلفية الدلالية.
مستويات التحليل الأسلوبي:
يمكن إجمال مستويات التحليل الأسلوبي في ثلاث مستويات : المستوى الصوتي الإيقاعي ، المستوى االتركيبي ، والمستوى المعجمي .
نص القصيدة
كان يقاوم رغبته في ان يمضي
ظل يحرك قدميه كطفلٍ يحبو
وانتبه لظل كان يتابعه
سايره
حتى اندس بزاوية حط بها
وترقب لون الشمس
وما إن مالت حتى انطلق
تعثر
فيما انفلتت أضواء المصباح
تحاصره
كطفل أمسك جلباب أبيه
وسقطت لعبته
كي يتركه
ماطل كي يربكه..
ويفر
إلى حيث صغيرات
يلهين بدميتهن
ويُمسكن
الخصلات الساقطة من
الشعر
لتكسوهن
رأيتك ما زلت تحاول أن تصحو
من غفلتك،
وتبحث
فيما كانت عيناك مُنَقِّبَتيْن
بأركان الحجرات على ظل ،
هل رافقك
فلم ترقبه،
ظل يلوح كي تأتي
عدت نظرت
وظل يلوح
وكنت تقاوم رغبتك لكيلا
تمضي
واندفعت أقدامك
كان الظل على مَقْرُبَةِّ
لا يتركك
اختلط بقافلة من ظل
كانت تسبق خُطواتِك
ظن بأن الظل سيترُكه
كأسراب حمام
حين تشد الأفراخُ الشاردةُ
جناحَ التحليقِ وتصعد
أطفأ جيشُ سحابٍ مر
شعاعَ الشمسِ
فضاع الظل
وما إن بدأ يحرك قدميهِ لكي يهرب
حتى حاصرَهُ الظل
فظل يقاوم رغبته في أن
يمضي .
القصيدة من النوع الرمزي ، ومحورها الاغتراب
- موسيقى الشعر الرمزي مشروطه بمدى حساسيتها، وقدرتها على نقل كل اهتزازات الحياة الباطنة ورعشاتها الغامضة ، وليس بمدى موافقتها لقواعد العَروض التقليدي فالموسيقى صورة نفسية قبل أن تكون نظاما من الإيقاع والنغم .
أما عن الاغتراب :
في علم النفس : حالة الاغتراب التي يشعر بها الإنسان والتي تنعكس في سلوكياته اليومية هي انفصال الإنسان عن ذاته أولاً , وعن الآخرين ثانياً , فهذه الحالات التي يشعر بها الإنسان بالاغتراب بسبب عدم قدرته على امتلاك زمام ذاته والتحكم بها والتكيف مع الآخرين .
وهو ما يطرح الأفكار الفلسفية حول الوجود الأصيل والوجود الزائف في الفلسفة الوجودية ، ويذكرنا بهيدجر ، وفروم ، وفكرة الصنمية .
وقد اختار الكاتب عنوانه للقصيدة "حوار مع ظلي"
والظل : له معاني كثيرة ويختلف معناه ما بين الفلسفات ، وعلم النفس .
فالظل في علم النفس :
عند يونغ و كلامه عن "الموت الإرادي" :
إنه التعبير الذي أطلقه يونج عندما يغوص الإنسان في عالم (الظل ) ويصبح عبدا للأفكار المستهجنة وتحقيق الشهوات
- وتعرَّف النفس الخفية أو "الظل" في علم النفس بأنها الجزء المظلم من نفس الإنسان الذي لا يرغب بالاعتراف به أو إظهاره للآخرين، والذي لا يمكن إدراكه أو تحديد الجوانب المظلمة منه إلا من خلال المرور بالتجارب والخبرات المتعددة.
- ويقول يونغ (يشخص الظل كل ما ترفض الذات الاعتراف بأنه فيها . ومع ذلك يقحم نفسه عليها مباشرة أو مداورة.كأن يكون فيه صفات دنيا أو ميول اخرى لا تتوافق مع الذات)
- • فالظل هو الجانب الخفي الذي يرمز إلى "وجهنا الآخر".. "شقيقنا المظلم" الذي من جنسنا ،والذي رغم كونه غير مرئي، فهو لا يفارقنا أبداً ويشكِّل جزءاً لا يتجزأ من كلِّيتنا.
- إنه "الطرف المقابل" لأنيَّتنا الواعية: "كلنا متبوع بظل، وكلما قلّ اندماج هذا الظل في الحياة الواعية للفرد كان أشدّ سواداً وقتامة."
واللقاء مع الظل على هيئة حوار بينه وبين الأنا،
، لحظة مُكرِبة جداً: فالأنا تتعرض لخطر الغرق في النوازع المكبوتة التي تقرّ بنسبتها إليها والتي تتضاد ونوازعَها الواعية.
وبعد أن قدمنا ثلاثة اعتبارات حول القصيدة : كونها تنتمي لأدب ما بعد الحداثة وبينا خصيصته التي تهمنا ، ثم كونها رمزية ، ثم تطرقنا إلي (الظل ) ومعناه حيث كان العتبة الأولى للنص ، وأحد محاور القصيدة الدلالية ، نبدأ في المقاربة الأسلوبية :
- -النظر من (جهة علم الاصوات التعبيرية ) يفيد أمرين :
- أولهما :ما تؤديه البنية الصوتية في بعدها الزماني من أثر دلالي /جمالي،
- وثانيهما : ما تحققه من أثر أسلوبي صوتي ، يشير إلى قدر من الانسجام بين الدلالة والإيقاع .
- وقد بدا واضحا أن القيم الصوتية في الإيقاع الشعري ، تؤدي إلى القدرة " على توليد الكلمات ، مما يحقق مطابقة بين الصوت والمعنى "(دور الكلمة في اللغة استيفن اولمان)
التحليل على المستوى الصوتي الإيقاعي
وبعد إجراء عملية إحصاء للأصوات في القصيدة
يتبين أن:
- المجهور= 364 ، بنسبة 77%
- المهموس بنسبة 33%
- ومن الإحصاء يتضح أن الشاعر اعتمد في موسيقاه الداخلية على تشكيل صوتي لموسيقى الألفاظ ،متفاوتة في درجة الجهر ، فأغلب الأصوات التي كررها هي أصوات جهرية بما يعادل نسبة 77% وخاصة صوت (الألف ) حيث مثل (16.7%) بالإضافة إلى أصوات قريبة في مخارجها وصفاتها ، وهذا ما شكل إيقاعا موسيقيا متوازنا للنص .
- وفي تواتر الأصوات الجهرية ما يشير إلى قوة ما يشعر به الشاعر من انفعالات تعبر وتجسم الاغتراب بمعناه النفسي كما عبر (فرويد) :
- " الاغتراب يحدث نتيجة الصراع بين رغبتين متضادتين حيث ينتهي بحكم النفس لصالح إحدى الرغبتين والتخلى عن الأخرى ، فالسلوك الإنساني مدفوع للحصول على أهداف معينة ، فإذا أحبطت هذه الأهداف أو منعت أدت إلى انهيار الإنسان بسبب صراعه مع العالم الخارجي مما يؤدي إلى اغترابه بالانعزال عن مجتمعه ".وثم الاغتراب عن ذاته .
- فمن بداية القصيدة يظهر صراع بين الرغبة في المُضي ومقاومة لهذه الرغبة ، وانتهت القصيدة بنفس حالة الصراع النفسية بين الأمرين ، واستخدم الشاعر الأصوات الجهرية لتكون مَعْبرا للتدفق الانفعالي الذي يستشعره.
- أما الأصوات المهموسة والتي مثلت 33% وخاصة (حرف التاء) الذي ورد بنسبة 10% فقد عكست حالة الإحباط والغربة التي يستشعرها الشاعر بين الرغبة الممنوعة ، والاضطراب بين الإقدام والتراجع ، والظِل الذي يراقبه ، يخيفه ويغويه في نفس الوقت.
- وحرف (التاء ) من تلك الاصوات المهموسة التي لا تسمع ونميزها اعتمادا على الأصوات المجاورة لها ، فكانت نسبتها العالية في الاستخدام تناسب ، مفهوم الظل وخفائه .
- وبالتزاوج بين الأصوات الجهرية والمهموسة ، أحدث توازنا موسيقيا ، وحرك الانفعال النفسي لدى القارئ.
البنية الصوتية :
وهي الموسيقى الداخلية التي يحدثها تكرار الفونيمات في مقاطع نبرية ، أو تكرار مقطعا أو أكثر مما يحدث إيقاعا يكثف الموسيقي الداخلية للنص مثل :
-(يسايره )،( يحاصره ).
- (ظل يلوح) ، (وظل يحرك)
- فضاع الظل ...حتى حاصره الظل "
- كي يتركه .. كي يربكه..
- هذا مع ما يظهر من تكرار الفونيمات ، بشكل واضح في القصيده .
- وقوله :
"سايره
حتى اندس بزاوية حط بها
وترقب لون الشمس
وما إن مالت حتى انطلق
تعثر
فيما انفلتت أضواء المصباح
تحاصره"
- يلاحظ استخدامه لحرف (السين ) المهموس في (سايره ، اندس ، الشمس) وهو يدل على ما لا يشاهد حسا (كما يقول ابن جني في الخصائص) ، ويناسب تصوير الحركات الخفية من (المسايرة ، والاندساس ، والشمس هنا ليست شمسا محسوسة لدى الشاعر ويظهر ذلك في قوله:
و(لون الشمس ) وصف وإن دلَّ على مغيب الشمس ، إلا أن استخدام لفظ (اللون ) ، يفصل ما بين الشمس والرائي ، وكأنها غريبة عنه لم تشرق ولم تغرب عليه من قبل ، فلا يعرف هذه الأوصاف ، وهي دلالة على الغربة ليس عن الذات فقط بل عن الوجود الطبيعي بأسره . فالشمس فقدت حيويتها الواقعية، ومعاني الإشراق والتفاؤل ، وبدت كلوحة جامدة ذات ألوان .
- وبين استخدام (الصاد) في (المصباح وتحاصره )، الدالة علي الأجسام والماديات ، يبرز حرف (الحاء) في المصباح ، تحاصره) لتشي بالمفارقة بين المادي والمعنوي ، وبين الذات والطبيعة . وانفلات الأضواء المحاصره ، تشي بعجزه عن التسامي الروحي أو الخلاص ، وتشبث المادة به .
- بل التركيب الصوتي يشي بمحاصرة (الصاد ) لحرف (الحاء ) ؛ (المصباح تحاصره) ،ف(حاء) المصباح ، و(حاء ) تحاصره ، محاصرة بين : ( صاد) المصباح ، و(صاد) تحاصره ، فصرح الشاعر بالحصار ، وعزز بالبنية الصوتية المعني تعزيزا يتسلل إلى نفس القارئ .
فالتركيب الصوتي أفاد معني الحصار المادي لكل ما هو معنوي ، حصار المادة للروح .
- المستوى التركيبي :
- التركيب النحوي :
- أنواع الجمل والأساليب :
- استخدم الشاعر الجمل الفعلية بكثافة مما أكسب القصيدة الحركية والتجدد .
- ولقد وظف الشاعر الجملة الإسمية في القصيدة بحيث تحمل بعدا جماليا ، مع إفادة الدوام والثبات لتجدد الاغتراب .
- ولقد غلب على القصيدة الأسلوب الخبري ، حيث كان الشاعر في مجال الوصف لمشاعر الغربة والانفعالات المتضاربة ، بين استجابته للظل و رفضه له .
- واستطاع الشاعر أن ينوع بين الجمل الإسمية والفعلية ، وغيرها من التراكيب لتشكيل بناء تركيبيا مناسبا لوصف حالته .
الأزمنة في القصيدة :
تنوعت أزمنة الأفعال في القصيدة بين الماضي والمضارع وإن غلبت عليه استخدام المضارع ،وبلغت نسبة المضارع في القصيدة 70%، والأفعال الماضية 30%، حيث تفيد الأفعال المضارعة احتمال حدوث الشيء في الزمن الحاضر، أملا في بلوغه المأمول والتخلص من الصراع النفسي والاغتراب الوجودي .
استخدام الضمائر :
ضمير المتكلم ضمير المخاطب ضمير الغائب اقتران ضميرالمتكلم بالغائب
- 18 32 2
35% 62% 3%
يظهر من الجدول أن نسبة استخدام ضمير الغائب كانت هي الأكثر حيث بلغت 62%، وضمير الغائب يحمل فقدان الحضور و الوجود الفعلي ، فالذات عنده في حالة انفصام واغتراب شبه كامل . ومما يجعل الاغتراب كاملا هو عدم استخدام الشاعر لضمير المتكلم
-الفصل والوصل :
كان يقاوم رغبته في أن يمضي
ظل يحرك قدميه كطفل يحبو
وانتبه لظل كان يتابعه
الفصل بين الشطر الأول والثاني ، يصور حالة الانفصال والتباعد بين الرغبة النفسية في المُضي ، واستجابة الجسم لها ، فالقدمان تعصيان الرغبة ، وتحبوان كالطفل الغير قادر على المشي . فالفصل هنا جسّم صورة الصراع والفصام الذاتي ، بين الإرادة والاستجابة .
- والوصل بين الشطر الثاني والثالث ، هو وصل بين جملتين خبريتين تصف أحاسيس الشاعر ، ففي صراعه بين الإقدام والإحجام ينتبه لظل كان يتابعه ، وفعل (كان) هنا يشير إلى أن الظل يتابعه من قبل انتباه الشاعر له ، بل يتابعه بشكل دائم، ف(كان) هنا تفيد ثبوت خبرها لاسمها في الماضي دائما .
-ونلاحظ أيضا في قوله :
"حتى اندس بزاوية حط بها
وترقب لون الشمس"
الوصل بالعطف بالواو ، هو وصل بالحاليه ، أي تَرَقَّب َلون الشمس حال اندساسه بالزاوية التي حط بها وفي ذلك تصوير وتجسيم للمشهد.
وفي قوله :
"وما إن مالت حتى انطلق
تعثر"
- لم يعطف (تعثر) للدلالة علي المفارقة بين الانطلاق ، وال (تعثر ) ، ليفيد إحساس التعثر المفاجئ غير المقصود ، وهنا وظف الفصل ،ليرسم صورة التعثر المفاجئ .
التركيب البلاغي :
كطفل يحبو: تشبيه
وانتبه لظل كان يتابعه:استعاره مكنية
سايره : استعاره مكنية
وترقب لون الشمس:استعارة مكنية
فيما انفلتت أضواء المصباح (استعارة مكنية )
تحاصره:استعارة مكنية
"كطفل أمسك جلباب أبيه وسقطت لعبته : تشبيه
ظل يلوح كي تأتي :استعارة مكنية
كأسراب حمام :تشبيه
"أطفأ جيش سحاب مر":استعارة مكنية
"حتى حاصره الظل ":استعارة مكنية
ثم يقول :
"كطفل أمسك جلباب أبيه
وسقطت لعبته
كي يتركه
ماطل كي يربكه..
ويفر"
"سقطت لعبته كي يتركه "
الفعل هنا فعل ماضي لا يدل على القصدية ، وإن أفاد السياق أن الإسقاط كان مقصودا ، فاستبدل (أسقط لعبته) ب (سقطت لعبته ) وأفادت (كي يتركه) قصدية الإسقاط ، حيث تفيد (كي ) سببية ما قبلها لما بعدها .
ودعم معنى القصدية بجملة : "ماطل كي يربكه" .
فظهر جليا استخدام السياق لإفادة المعنى، لا اللفظ أو الكلمة.
وأفاد إستخدامه للفعل الماضي( سقطت) إيهام والده أن لعبته سقطت منه عفوا.
ثم يقول:
- "ويفر
إلى حيث صغيرات
يلهين بدميتهن
ويمسكن
الخصلات الساقطة من
الشعر
لتكسوهن"
الفرار من الظل وهو مكمن الخبرات المؤلمة التي يريد أن يتخلص منها إلي عهد الطفولة البريئة حيث لا ظلال تكونت بعد .ثم يقول في فقره داله :
" رأيتك ما زلت تحاول أن تصحو
من غفلتك،
وتبحث
فيما كانت عيناك منقبتين
بأركان الحجرات على ظل ،
هل رافقك
فلم ترقٌبْهُ"
- هنا الخطاب بين الذات المنفصمة المغتربة عن نفسها.
لقد خرجت الذات من الذات ، تراها تبحث عن الظل الذي تظن أنها قد تخلصت منه لكنها على غير يقين من ذلك فما زالت العينان تنقبان بأركان الحجرات عن ظل .
- ثم يستخدم صيغة الاستفهام ، التعجبي ، والتقريري في (هل رافقك ) ، لقد صاحبك الظل ولم تنتبه له .
"ظل يلوح كي تأتي
عدت نظرت
وظل يلوح
وكنتَ تُقاومُ رغبتَك لكي لا
تمضي
واندفعت أقدامك
كان الظل على مقربة
لا يتركك"
- إن الظل لا يجبرك على الإتيان ، إنه جزء منك ، إنه رغباتك الخفية ، يكفي أن يلوح لتمضي إليه ، إنه لا يفارقك . وهو ملحاح ، ف (ظَلَّ ) تفيد الاستمرار ، وتكرارها تأكيد لفظي لهذا الاستمرا ر.
- وعلى قدر المقاومة تكون الحركة ، فبقدر ما قاوم جاءت حركته اندفاعا ، وليست متدرجه أو متباطئه كحالته وهو يقاوم .إنه تصوير لفظي وسياقي لحالة المقاومة ثم الهزيمة والاندفاع في اتجاه الرغبات .
- "اختلط بقافلة من ظل
كانت تسبق خُطْواتِكَ
ظن بأن الظل سيترُكُه ُ
كأسراب حمام ٍ
حين تشُدُّ الأفراخُ الشاردةُ
جناحَ التحليقِ وتصعد"
- "اختلط "فعل للغائب ، مَن الغائب هنا ؟ إنها النفس تتحدث في غربتها عن النفس ، فتقرر أن النفس حاولت التخلص من غربتها بالانضمام إلى قافلة ظل ، (وقافلة) تفيد أنها (راحلة ) التأم بقافلة من الظلال الغاربة ، ظنا منه أنه بانضمامه إلي قوافل الظلال الراحلة ، سيرحل ظلُّهُ معها ، كما ترى الحمائم الشاردة أسراب حمام فتحلق معها مصاحِبَةً لها مؤتنسةً بها مُنضَمةً إلى سربها .
- والصورةُ تجمع بين التمني ، وتصويرِ الظلال بالشرودِ ، فهي مرتبطةُ به تائهة شاردة ، فليس بينه وبين ظله علاقة حميمية ، بل هي علاقة الاضطرار ، والضرورة .
- والصورة هنا : تستحضر الواقع فإن فرخ الحمام ، الشارد المنقطع عن ذويه المتفرد في موقعه ، ما أن يرى سرب حمام في السماء حتى يشد الجناح محلقا منضما إليه ، ليتخلص من وحدته ، ويلتئم مع جماعة الحمام ويكون عضوا منها ، فظن الشاعر أنه بدخوله في قافلة الظلال الراحلة ، فإن ظلهُ سيتصرف كما يتصرف فرخ الحمام في الواقع المُشاهَد تمشيا مع خبرته الحياتية ، ويغادره .
- والمعنى هنا : أن الذات انغمست في عالم الظلال ظنا منها أنها بذلك تتخلص من صراعها النفسي.
"أطفأ جيش سحاب مر
شعاع الشمس
فضاع الظل "
يمر جيش سحاب ، أي ظلمة منظمة مجيشة في عالم الظلال الذي انغمست فيه الذات ، فتغطي شمس الحقيقة التي تكشف الظل ، فلما حجب جيش السحاب الظل لوهلة ، ظن أن الظل قد رحل مع قافلة الظلال السالفة الذكر .
لكن جيش السحاب ليس جيشا في الحقيقة إنه جيش موهوم ، مخادع ، لا يثبت إلا قليلا ثم يمر لتنكشف الشمس ، التي تظهر الظل .والشمس هنا بين دلالتين ، الشمس الحقيقية التي بها يتكون الظل ، وشمس الحقيقة التي تكشف عالم الظلال السري وخبايا النفس ورغباتها الممنوعه ، وأشواقها المحرمة .
"وما إن بدأ يحرك قدميه لكي يهرب
حتى حاصره الظل "
هنا بدأ يحرك قدمية ليهرب من لاشعوره المأسوي ، ومخزن ذكرياته الأليمة ، لكنه فوجئ بالظل يُحاصِرُه ، الظل لم يفارقه ، ولن يفارقَهُ، الظل يعذبه لكنه باطنه ولاشعوره.
"فظل يقاوم رغبته في أن
يمضي ."
اخر القصيدة تماثل أولها ، دلالة على استمرار الاغتراب وفشل الذات في الهرب من هذا الاغتراب،فالحياة دائرة من الرغبات ، والصراع بين التخلص من الظلال بمعناها النفسي ، والفشل ، وإعادة الصراع والمحاولات التي لا تتوقف ولا تنتهي .
وفي النهاية القصيدة تعبر عن الإنسان المعاصرالممزق ، الذي تتنازعه الروح والمادة ، الممزق بين الوجود الزائف والوجود الأصيل ، بين الممنوع والمرغوب ،بين الصواب والخطأ ، بين الحقيقة والخيال ،بين الله والشيطان .بين الذات والموضوع ،بين النسبي والمطلق ،بين الاغتراب عن الطبيعة الإنسانية إلى الشيئية ، بين الخير والشر .
الحقول الدلالية :
- الصراع بين الإرادة ومقاومة الذات
- الظل كقيد يكبله
- صراعَهُ للانعتاق من سلطة الظل المكبلة له
- غلبة الظل لإرادة الذات
- الغرق في عالم الظلال لعله يتخلص من قيد ظله
- أشرقت شموس الذات فظن ان الظل فارقه الا انه كان واهما
- عاد بعد كل الصراع إلى نقطة البداية التي اكتشف أنه لم يفارقها .
النتيجة :
1- المنهج النقدي الأسلوبي يكشف عن الجماليات والقيم البلاغية والإبداع في النص معتمدا على اللغة في بنية النص ، فيسمح بالنقد الموضوعي مبتعدا عن المنهج الانطباعي.
2- استطاع الشلعر أن يوظف الحروف والجمل والصور البلاغيه والبنيه النصيه توظيفا تاما لينقل رسائله الوجدانيه الي القاريء بنجاح .