"ربما في المستقبل نعرف كيف ظهر الكون".. هيثم طلعت يكشف عن أكبر مغالطة يقع فيها الملحد
- الإثنين 25 نوفمبر 2024
إنشراح
دخل إبراهيم شاهين مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء ليطلب منه تصريحا له ولزوجته للسفر إلى القاهرة، وهناك داخل المكتب التقى ابراهيم ضابطا يدعى "أبو نعيم"، وبعد توسلات عديدة من جانب إبراهيم شاهين ومماطلات ومراوغات من جانب "أبو نعيم" صرخ إبراهيم في وجه الضابط الإسرائيلي قائلا إنه أصبح بلا دخل حاليا، ولا يملك حتى قوت يومه بعدما فقد عمله، ثم يأتون هم ويمنعونه من الذهاب للاطمئنان على أولاده بالقاهرة، وعندها وعده الضابط الإسرائيلي بالنظر في أمره في أسرع وقت، ثم أمر بمنحه جوالا من الدقيق وبعضا من أكياس الشاي والسكر.
وانطلق إبراهيم فرحا بالمنحة التموينية الإسرائيلية إلى زوجته حاملا لها البشرى بقرب السفر إلى القاهرة، ثم تكررت بعدها زيارات إبراهيم شاهين لمكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي لطلب التصريح له ولزوجته بالسفر إلى القاهرة، ورغم فشله كل مرة في الحصول على التصريح المنشود إلا أنه في كل مرة كان يعود محملا بالمواد التموينية، والتي أصبحت هي المصدر الوحيد لإعاشته هو وزوجته.
وذات يوم فوجئ إبراهيم شاهين بمكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي يستدعيه، فذهب إليه مهرولا، وبعدما وصل أبدى للضابط "أبو نعيم" شكره وامتنانه على إمداده بالدقيق والشاي والسكر، فقاطعه "أبو نعيم" ليبشره بموافقة الحاكم العسكري على منحه وزوجته تصريح السفر المنشود، بشرط أن يبدي التعاون معهم، ويأتيهم بأسعار الخضراوات والفاكهة في أسواق القاهرة، وأن يخبرهم عن الحالة الإقتصادية للبلد، فوافق من فوره على طلبات الإسرائيليين دون تفكير بل وقال للضابط: "لو أردتم أكثر من ذلك لفعلت".
وسريعا أحاله "أبو نعيم" إلى "أبو يعقوب" الضابط المسئول في مكتب الأمن بسيناء، والذي أبلغ إبراهيم شاهين بضرورة الذهاب معه إلى "بئر سبع" حيث يوجد المكتب الرئيسي للأمن، وهو المعني بالتعامل مع أبناء سيناء.
وهناك وفي مكتب جهاز الموساد في "بئر سبع"، استضاف الإسرائيليون إبراهيم شاهين وأكرموا وفادته، وعرضوا عليه صراحة التعاون والعمل معهم مقابل إغراءات كثيرة، وبالفعل أعطوه 1000 دولار كدفعة أولى في الوقت الذي كان جيبه فارغا تماما من المال.
وتم إخضاع إبراهيم شاهين لدورة تدريبية تعلم خلالها كيفية كتابة الرسائل بالحبر السري، كما علموه كيفية جمع المعلومات دون إثارة الشك والريبة، ودربوه على بث الشائعات بين الناس بطريقة تجعلهم يصدقونها، وبعدها عاد إلى زوجته فرحا محملا بالأموال والهدايا، وحينما سألته عن مصدر هذه الأموال الكثيرة التي أتاها بها أخبرها بأنه قد دل الإسرائيليين عن مخبإ فدائي مصري فكافأوه بإعطائه 1000 دولار، كما وعدوه بمنحه تصريحا لزيارة أولاده بالقاهرة، فأبدت إنشراح فرحتها وقالت له: "حسنا فعلت، فلو لم تدلهم أنت عليه لفعل ذلك غيرك وأخذ هو الألف دولار".
وحينها استغل إبراهيم الفرصة وقال لزوجته إنشراح إن الإسرائيليين طلبوا منه أن يوافيهم بأسعار الفاكهة الخضراوات في أسواق القاهرة مقابل منحه 200 دولار عن الخطاب الواحد، ولحظتها أصيبت بالدهشة وسكتت قليلا ثم قالت لزوجها: "بعدما تكتب لهم الخطابات يجب أن تطلعني عليها لمراجعتها حتى أراجعها ولا نتعرض للخطر"، وهكذا وافقت إنشراح على تعاون زوجها إبراهيم شاهين مع الإسرائيليين وهي لا تعلم أنها بدأت معه رحلة السقوط في مستنقع كريه لا مخرج منه أبدا.
وفي يوم 19 نوفمبر سنة 1967 وبواسطة هيئة الصليب الأحمر الدولي وصل إلى القاهرة كل من إبراهيم شاهين وزوجته إنشراح علي مرسي، وبعد أن اطمئن الزوجان على أولادهما ذهب إبراهيم إلى مكاتب محافظة سيناء، والتي انتقلت إلى محافظة القاهرة بعد الاجتياح الإسرائيلي لسيناء في حرب 5 يونيو 1967.
وتم إلحاق إبراهيم بعمله الإداري من جديد، كما قامت محافظة القاهرة بمنح الأسرة سكنا مجانيا مؤقتا في حي المطرية باعتبارهم من المهجرين، ولكن بعد فترة قصيرة قرر إبراهيم شاهين تغيير محل إقامته من حي المطرية إلى حي الأميرية، ولكي يغطي على عمله في التجسس لصالح جهاز الموساد فقد اتجه إبراهيم إلى العمل في التجارة في الأدوات الكهربائية والملابس الجاهزة.
ومن خلال احتكاكه بزملائه في العمل الحكومي وجيرانه في السكن وزبائنه المترددين عليه، بدأ إبراهيم شاهين يجمع المعلومات التي طلبها منه جهاز الموساد، وكانت زوجته إنشراح تعاونه بكل ما أوتيت من همة ونشاط في جلب المعلومات، كما أنها كانت تعاونه في تنسيقها وصياغتها وكتابتها قبل إرسالها إلى رجال جهاز الموساد في روما.
ولانشغاله بجمع المعلومات فقد كان إبراهيم شاهين يتغيب عن عمله كثيرا، ولكن كان رؤساؤه وزملاؤه كثيرا ما يغضون الطرف عن هذه الغيابات الكثيرة بسبب هداياه التي كان يغرقهم بها، وهكذا تفرغ إبراهيم أكثر وأكثر لمهمة جمع المعلومات، وتواصلت رسائله إلى رجال جهاز الموساد بروما، تحمل إليهم المعلومات والأخبار التي كان يتحصل عليها الزوجان، وكان إبراهيم شاهين حريصا على أن يذكر كيفية معاونة زوجته إنشراح له في جمع المعلومات وكتابتها وإرسالها لرجال الموساد في جميع خطاباته التي كان يرسلها للموساد.
ونتيجة لهذا فقد استدعى جهاز الموساد الزوجين لاستغلالهما معا في مهام أكثر أهمية، وبالفعل في شهر أغسطس سنة 1968، وتحت ستار السفر من أجل التجارة، أبحر الزوجان إلى لبنان ومنها سافرا إلى روما، ومن هناك انتقلا إلى إسرائيل بوثيقتي سفر إسرائيليتين، باسم السيد موسى عمر وزوجته السيدة دينا عمر، حيث تم استقبالهما هناك بترحاب وحفاوة كبيرين، وتم معاملة الزوجين الجاسوسين إبراهيم وإنشراح معاملة كبار الزوار.
وهناك في إسرائيل حصل الزوجان إبراهيم وانشراح على دورة تدريبية مكثفة في مختلف أعمال الجاسوسية، واجتازاها بنجاح وتفوق كبير أذهل رجال جهاز الموساد، مما جعل إنشراح تتمادى في طلباتها المادية من رجال الموساد، حيث طالبت بضرورة زيادة المكافآت المخصصة لزوجها بالإضافة لتخصيص مكافأة أخرى لها شخصيا، وذلك لأنها تعمل معه يدا بيد، أي أنهما اثنان وليسا واحدا فقط، وبعد ذلك تم منح الزوج إبراهيم شاهين رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي باسم "موسى عمر"، بينما منحت زوجته إنشراح علي مرسي رتبة ملازم أول في الجيش الإسرائيلي باسم "دينا عمر".
وهكذا انهالت عليهما الأموال مع الوعد من رجال الموساد بزيادتها لهما أكثر وأكثر كلما تقدما في عملهما التجسسي، وبالفعل توسع الزوجان إبراهيم وإنشراح في عقد صداقات جديدة، حيث استغلا وجودهما في حي الأميرية المزدحم في عقد هذه الصداقات مع ذوي المراكز الحساسة من سكان الحي، بل وقاما بدعوة بعض العسكريين من أصدقائهما إلى منزلهما، حيث اعتادت إنشراح مجالستهم في سهرات صاخبة معبقة برائحة الدخان الأزرق، وبينما كانت تسقيهم كؤوس الخمر كانت تستقي منهم المعلومات والأسرار، والتي كانت ترسلها هي وزوجها إلى رجال الموساد بروما.
واشترى الزوجان سيارة جديدة من طراز فيات 124 لتساعدهما في جمع المعلومات المطلوبة، والتي زادت وزاد معها ما يحصلان عليه من أموال، ولكن كانت المفاجأة في أن الزوجين إبراهيم وإنشراح بعد شراء هذه السيارة قد قاما بما لم يفعله جاسوس في العالم كله، حيث جندا أولادهما الثلاثة نبيل ومحمد وعادل للعمل معهما في جمع المعلومات، ولكن كيف جند الزوجان أولادهما للعمل كجواسيس يعملون لحساب جهاز الموساد؟ وهذا ما سوف نعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، فانتظرونا.
المصادر:
كتاب "أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور" محمود عبد الله.
كتاب "كل شيء هادئ في تل أبيب" حسني أبو اليزيد.
برنامج النادي الدولي، حوار سمير صبري مع الجاسوسة.
كتاب "جواسيس الموساد العرب" فريد الفالوجي.
جريدة الأهرام الصادرة يوم 5 أكتوبر 1974.
فيديو للجاسوس "رافي بن ديفيد".