أندلس رشدي حسن تكتب: تطواف حول المجموعة القصصية «أنثى» للكاتبة هبة السهيت

  • جداريات 2
  • الإثنين 10 أغسطس 2020, 12:47 مساءً
  • 749
الكاتبة أندلس رشدي حسن

الكاتبة أندلس رشدي حسن

 إنه لعنوان جاذب وممتع للغاية ، ذلك الذي  انتقته الكاتبة بعناية شديدة ،حتى جاء موافقا تماما للأحداث التي تناولتها في تلك المجموعة القصصية البديعة ،فما إن نطالعه على غلاف الكتاب حتى تتراءى لنا  صورة تلك الأنثى ، التي تشخص ببصرها  نحو عالم خيالي  مجهول ،محاولة  أن تكتشف أسراره وأن تسبر أغواره الدفينة. 

ولقد جعلتنا الكاتبة  نبحر معها في سفينتها ،التي تمخر عباب عالم  الأنثى بكل ألغازه المستعصية على الفهم والإدراك ،لكي نصل معها إلي شاطئ آمن نستطيع أن نهنأ فيه بأحداث تلك المجموعة الشيقة.

وفي واقع الأمر فنحن أمام كاتبة حالمة رقيقة، تستطيع أن تجوب بين دروب اللغة العربية في سلاسة ويسر ،حتى  تنتقي منها أوسطها، وحتى تتخير منها أبسطها ،لكي ترسم لنا صورة واضحة عما يعتمل في نفس كل أنثى من متناقضات وأحاسيس شتَّى،ولكي تجعلنا نجنح بخيالنا إلى ذلك العالم الذي يعج  بنماذج مختلفة من الإناث ،اللائي يحملن بداخلهن أفكارًا ورؤى، تختلف باختلاف توجهاتهن وسلوكهن عبر الأمكنة والأزمنة المتغايرة والمتباينة .

نعم هي الأنثى التي تغنى بها الشعراء منذ قديم الأزل ، فقديما قال عنها جرير: "إنَّ العيون التي في طرفها حورٌ /قتلننا ثم لم يحيين قتلانا"

وهي التي قال عنها المتنبي:

"هام الفؤاد بأعرابية سكنت / بيتا من القلب لم تمدد له طُنُبا"

قدمت لنا الكاتبة من خلال تلك المجموعة عدة نماذج لشخصيات نسائية  متعددة، ربما تكون قد مرت بأشباههن  من خلال واقعها الملموس ، أو ربما تكون قد نسجت تلك الشخصيات  على الورق من وحي خيال محض ،فسطَّرت لنا أحداثا تقارب الواقع أحيانا، وتحيد عنه أحيانا أخرى ، ولكنها في النهاية استطاعت أن تصنع من مجموعتها القصصية منتجا أدبيا يستحق القراءة.

فهلموا بنا نتعرف على بعض الملامح الرئيسية لبعض القصص في تلك المجموعة........

*قصة حورية*

إذا ما تصفحنا قصة حورية، نجد أن الكاتبة قد فتحت أبواب الزمان على مصاريعها ،فلم يكن هناك زمن واحد للحكي، وإنما تأرجحت الأزمنة التي تعبر عن مقتضيات الأحداث فيما بين ماضٍ يجتر الشيخ عبد الله  أحداثه الفائتة، وما بين زمن مضارع يدل على حالٍ أو استقبال لأحداث أخرى قائمة لديه  بالفعل، أو سوف تحدث  له في المستقبل.

ولعل  اختيار اسم (حورية ) التي عنونت به الكاتبة تلك القصة، إنما يدل على ذكاء شديد منها، فما حورية تلك سوى شخصية وهمية لم تسطع إلا في خيال ذلك  الشيخ وحده، فلم يكن ليراها أو يسمعها أي أحد سواه ،وهذا بالتأكيد مما يتفق والمعنى الشمولي العام لكلمة حورية ،تلك التي تطلق في الأصل على إحدى الكائنات الأسطورية التي لم يثبت بالدليل القاطع وجودها من عدمه.

في مختتم تلك القصة تسطع أمامنا حقيقة واضحة جلية تتحقق في تلك الجملة  التي أوردتها الكاتبة من خلال السرد ألا وهي( (الحقائق تحملها الرقائق)، فما الرقائق سوى تلك الأشياء اللطيفة الخفيفة التي تغشى القلوب بتحنان ومودة ،فهي وحدها التي تحمل بداخلها كل الأسرار، وما كانت تلك العبارة  في الحقيقة ،سوى منتج أدبي استخلصته الكاتبة من واقع الأحداث وجاءت به على صورة  تلك الحكمة البليغة.

*قصة قلب الأسد*

تحقق الكاتبة من خلال تلك القصة معادلة منطقية مفادها أن تحقيق النصر والفوز ،لابد أن يكون له ضريبة عظمي فلقد رسم (قلب الأسد) وهو الشخصية المحورية في تلك القصة تلك  الخطة العسكرية التي ألزم بها جنوده بإحكام  ، ومن ثم فقد قاموا بتنفيذها ببراعة شديدة ، فتحقق لهم جميعا النصر المؤزر ،ولكن بالمقابل  فقد ابتلي ذلك  البطل بفقد أطرافه، مما تسبب له في إحداث عاهة مستديمة لازمته طوال حياته. 

تتميز تلك القصة بالإيجاز الشديد، ولكنه إيجاز غير مخل بالمعنى ،فقد  ترك لنا أثرا عظيما في التعريف بمعنى التضحية والإيثار.

*أوهام أرملة*

عند قراءة تلك القصة نستبين بوضوح أن الكاتبة قد  استخدمت  ضمير الأنا في التعبير عما يجيش في نفس تلك الأرملة التي فقدت زوجها، والتي باتت تستعرض  بعضا من تفصيلات حياتها وذكرياتها معه ،ولا يسعني في هذا الموضع ، إلا أن استشهد برأي  الدكتور عبد الملك مرتاض ،الذي يشير فيه إلى خصائص ضمير المتكلم وأهميته  في عملية السرد الذاتي، وإنني لأتفق معه كل الاتفاق  في ذلك الرأي ،فمما لا شك فيه أن ضمير المتكلم يقرب القارئ من العمل السردي ،ويجعله أكثر التصاقا به، فهو الذي يساهم مساهمة فعالة في بيان مجاهل النفس البشرية  وتعريفها بصدق دون مواربة ،وكذلك في الكشف عن نواياها دون زيف ، وتقديمها  للقارئ كما هي وليس كما يجب أن تكون.

*أبو محمود*

في تلك القصة بالتحديد حدثت لي مشكلة متعلقة بزمن السرد ،وبتوقيت الحكي ،تلك المشكلة التي مابرحت تُطَّل عليّ بإلحاح شديد، وحينئذ ساءلت نفسي ،هل  كان في استطاعة ذلك (الكناس) البسيط والذي يدعى أبو محمود أن يختزل أحداثا مرت به خلال أربعين سنة، في مجرد   حوار يدور بينه وبين الشخصية المحورية في تلك القصة والذي يتبين لنا من واقع السرد ، أنها تخص رجلا مهما، يشغل منصبا حيويا في إحدى الشركات، وإنه كان في ذلك التوقيت الذي تقابل فيه مع أبي محمود ،في عجالة من أمره لكي يلحق  بموعده الهام ،الذي يتعلق باجتماع مجلس إدارة شركته  مع شركة أخرى عملاقة.

ولعل الشيء الذي خفف من وطأة تلك الصورة غير المنطقية على الإطلاق، هو تلك العبارة التي أوردتها الكاتبة من خلال النص والتي تعبر عن مدى  تبرم ذلك الر جل المهم  بحديث أبي محمود الذي لا ينتهي  حيث نطالع تلك العبارة.....

 ( إلى هنا كان صبري قد بلغ منتهاه، والوقت يجري ،والكلام يتناول مواضيع لا تخصني ...)

وهنا كان من الأفضل للكاتبة أن تلجأ إلى طريقة السرد المتقطع ،فتبدأ من آخر الأحداث ،ثم تنتقل إلى أول الحدث معتمدة على تقنيات الكتابة المتمثلة في الحذف والاسترجاع والتلخيص والوصف.

*قصة أنثى*

تُعد تلك القصة  في رأيي هي القصة الرئيسة في تلك  المجموعة القصصية ، فهي التي تحمل نفس عنوان الكتاب (أنثى)،وفي تلك القصة  يتضح لنا بجلاء ووضوح  طبائع الأنثى التي تجنح  في معظم الأحوال إلى صنع عالم تهواه، وتميل إليه كل الميل ، فالشخصية المحورية في تلك القصة  ماهي إلا  تلك الأنثى التي تريد أن تحطم كافة القيود التي من الممكن أن تعطلها عن تحقيق أحلامها ،والتي تقع فريسة أحيانا لبعض المتناقضات التي ما تزال تلعب بأفكارها وتهز كيانها فما تلبث أن توقعها في حيرة من أمرها. 

في تلك القصة لم تضع الكاتبة خاتمة بعينها،  بل أطلقت لخيال القارئ فيها  العنان، ذلك الخيال الذي يجعله يصول ويجول عبر الأحداث كما يحلو له ،ثم يكيِّفها كيفما يشاء، وكيفما يهوى ويرغب ، وهذا مما يوافق  تماما تلك المقولة السائدة، بأن المنتج الأدبي ليس رهين الكاتب وحده، ولكن القارئ له دور أساسي فيه.

اللغة التي استخدمتها الكاتبة لغة سهلة مستساغة، وهذا مما لاشك فيه كان له أبلغ الأثر في تقريب المعنى للأذهان ومن ثم استطاعت الكاتبة أن تقدم  للقارئ منتجا أدبيا حلو المذاق يتميز بجزالة اللفظ وسهول المعنى.

 المجموعة القصصية تتنوع فيما بين الرمز والمباشرة في السرد ،وذلك مما أوجب علينا في كل الأحوال أن نخترق الفضاء المحيط بكل قصة ،حتى نستطيع أن نقترب اقترابا حقيقيا وملموسا من كل ما  يحدث بداخلها من تفصيلات ومشاهد زمانية ومكانية ،تلقي بظلالها على عقولنا من خلال الأحداث.

وفقت الكاتبة في إيضاح  الصورة الكلامية في تلك المجموعة  توفيقا كبيرا ،فجعلتها في حالة من السطوع الذي يتيح لنا أن نحصل على ترجمة حقيقية لما استشعرته الكاتبة من قضايا، ما انفكت تلمس وجدانها ،حتى سارعت إلى التعبير عنها على متن أوراقها بأريحية شديدة ، وهذا مما  يدل دلالة كبيرة  على أن الكاتبة تتمتع بذائقة أدبية سليمة، تلك  الذائقة التى لا تختلف عن مفهوم الفصاحة من قريب أو من  بعيد ،فما الفصاحة سوى تلك الكلمة التي تستهدف  البيان والظهور في التعبير، والتي  تهدف  إلى استخدام ألفاظا  مأنوسة الاستعمال فتحظى بالقبول لدى المتلقي.

ولا يفوتني  في النهاية إلا أن أنوه إنني  سوف أنتهي  إلى حيث ما كان يجب البدء به ،وذلك لسبب هام يقتضي به واقع  الحال ولكنه حتما  سوف يَبين لكم  ، فقد بحثت بين أوراق تلك المجموعة القصصية عن المقدمة التي يتوج بها أي كاتب روايته أو مجموعته القصصية ،ولكنني لم أعثر لها على أثر ، وإنما كان ذلك البحث  راجعا إلى  اقتناعي التام  بأن  مقدمة أي كتاب ماهي سوى ذلك المفتاح السحري ،الذي يفتح لنا مغاليق بعض الألغاز التي قد تكون خافية علينا داخل النص ، فهي  تعد بمثابة الضوء الكاشف الذي يلقي بظلاله على دهاليز النص المعتمة  فتزيدها ألقا وبهاء ،ولكنني  في النهاية  عثرت على ما هو أبلغ وأعمق من  تلك المقدمة، عندما قرأت ذلك الإهداء الذي دونته الكاتبة بمداد عشق ومحبة، موضحة  للقارئ ،أنها تهدي تلك المجموعة إلى روح أمها الحبيبة فإن ذلك يكفيها بلا جدال. 


تعليقات