د. عبد الخالق النحاس يكتب: رؤى فكرية للمقلبين على المرحلة الجامعية
حياة جديدة *
رؤى فكرية من زاوية أخرى للمقبلين على المرحلة الجامعية (الجزء الأول)
الرؤية الأولى: بداية النجاح وبداية الفشل.مراحلٌ عديدة يمر بها الطالب المقبل على الحياة الجامعية، وأَوْلى هذه المراحل بالعناية والاهتمام تلكم المرحلة الأولى التي يختار الطالب فيها دراسة تخصص ما من العلوم والفنون المتنوعة.ودعوني هنا أذكر أمورا مهمة (وإن خالفت الموروث الفكري لمجتمعاتنا) ينبغي على الطالب أن يجعلها نصب عينيه في بدء هذه المرحلة. • مجموع الثانوية وإن كان مقياسا لتفوق الطالب في الثانوية لكنه ليس مقياسا – في الغالب – للتفوق أو عدمه مستقبلا في الحياة العلمية والعملية؛ لأن الطالب يدرس في هذه الثانوية عددا من التخصصات المختلفة التي يعتمد كثير منها على حفظ القواعد والنظريات دون ممارسة أو تطبيق في الحياة العملية، كما أن هذه المرحلة مشوبة بشيء من خداع الدرجات بسبب الغش في الامتحانات أو نحو ذلك.والمرحلة الجامعية تختلف عن ذلك كثيرا، فالطالب يتخصص في فرع معين من العلوم وهو في الأصل سيكون مجال عمله بالتطبيق والممارسة فيما بعد، كما أن الغش في هذه المرحلة يكاد يكون ضربا من الخيال. • لا قيمة في الحقيقة لتقسيم التخصصات والكليات إلى كليات قمة وكليات دون ذلك، فهذا تقسيم جائر جعل الكليات والتخصصات التي تعنى بتدريس المواد العلمية (كالطب والصيدلة والهندسة واللغات ونحوها) قمة الكليات والتخصصات، بينما صارت الكليات التي تعنى بتدريس العلوم العربية والدينية كليات لا ترقى لمثل هذا التصنيف الذي نالته الكليات العلمية.وتلك قسمة ضيزى، فلو كان التصنيف بين التخصصات سائغا لكان العدل نقيض ذلك تماما، فمع الحاجة الماسة للتخصصات العلمية فإنه يبقى لعلوم الشريعة وما يوصل إلى فهمها المكانة الأولى بين العلوم والفنون كافة، والصواب في ذلك كله الموازنةُ في الأمر بأن يُجْعَل لكل تخصصٍ محبوه وراغبوه والمتفوقون فيه، وهذا هو ما يكون في الدول المتقدمة علميا، فلا يُلْحَق طالبٌ إلا بالتخصص الذي يحبه والفن الذي يجيده ويحسن فيه، ويدركون ذلك بما يعرف باختبار القدرات التي تجرى بمعايير تتسق مع حرصهم على رفعة الحركة العلمية وتقدمها بعيدا عن الوساطة والرشاوى التي أصبحت في بلادنا نحن العربَ معيارا من معايير الجودة والإتقان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وإذا كانت مؤسساتنا التعليمية لا تعتمد في توزيع طلابها على التخصصات بحسب رغبتهم وتميزهم في هذا الفن، فإنه ينبغي على الطالب الذكي أن يُعْمِل هذا المعيار في اختياراته بين التخصصات ، فلا يختار تخصصا لا يجيده أو لا يحبه ولا يرغب فيه؛ لأنه لن يجد لنفسه مكانا فيه، ولن يقدم من خلاله نفعا بشيء ولو نال فيه أعلى المناصب أو تقلد أعلى الرتب.• إن بداية النجاحفي أن يختار الطالب التخصص الذي يحب دراسته وإن كانت درجات القبول به أقلَ من مجموعه، وبداية الفشل في أن يختار الطالب تخصصا لا يلائم قدرته أو ميوله ورغبته وإن كان أفضل التخصصات في نظر المجتمع.وقد كان ذلك فارقا في حياة كثير من الطلاب، فغير قليل ممن حَصَلوا على مجموع مرتفع في الثانوية فخدعوا به في اختيار كلياتهم وتخصصات دراستهم أصابهم شيء من عكس ذلك التفوق في أثناء دراستهم الجامعية أو بعد تخرجهم؛ وكثير ممن لم يلتفتوا لذلك فوجهوا أنفسهم نحو ما يحبون من العلوم والفنون حققوا من النجاح قدرا كبيرا.الرؤية الثانية: إن لم تدرك ما تحب فأحبب ما أدركت.
توجيه لأصحاب الخيارات المحدودة بين الكليات والتخصصات العلمية
الإنسان عدو ما يجهل، عبارة تعد من العبارات التي تحمل معاني يغفل عنها كثير من طلاب العلم، فذلك العداء الذي يحمله الطالب لعلم من العلوم النافعة إنما هو متولد من الجهل بها، فلو جاهد الطالب في مذاكرة أصول هذا العلم والتعرف على دقائقه وأسراره قد يُحْدِث ذلك في نفسه ميولا إلى هذا الفن وحبا لهذا العلم.
ولكم نرى في حياتنا العلمية من الأمثلة الواقعية التي تجلي هذا وتؤكده، ولعل أقرب مثال يمكن الاستدلال به في هذا المقام هو حال الطالب مع المادة الواحدة، فتراه مرة يبغضها وينفر منها، وتراه مرة أخرى يحبها ويقبل على دراستها، وما ذلك إلا لأن معلمه في المرة الأولى لم يستطع فعل ما يُرَغِّب الطالب فيها، بينما استطاع غيره فعل ذلك.
الشاهد من هذا أن الطالب قد يجعل بينه وبين تخصصٍ ما حاجزا نفسيا يجعله ينفر من دراستها، وما ذلك إلا بسبب جهله بها، وقد يكون هذا التخصص هو الخيار الوحيد أو أفضل الخيارات له بين التخصصات والكليات، فماذا يفعل عندئذ؟
إن الحل في ذلك أن يكسر الطالب هذه الحواجز النفسية التي جعلها بينه وبين هذا العلم وذلك التخصص ، وذلك بالإقبال على دراسة أصوله والتعرف على دقائقه ومسائله بتمهل وتروٍ على يد من يرى فيهم حب هذا العلم والتمكن منه، مع القراءة عن فضائل دراسته والبحث فيه والفوائد التي تعود على دارسه، خاصة إذا كان من العلوم الشرعية أو العلوم الموصلة إلى فهم الشريعة، أو حتى من العلوم التي تعود بالنفع على الناس في دنياهم.
وفي الختام أنصحك أيها الطالب المقبل على الجامعة أن تجعل هدفَك من طلب العلم في أي تخصص أحببت خدمةَ دينك وأمتك والناس أجمعين بما ينفع ويرفع شأن العباد والبلاد.
والله ولي التوفيق.