هيام الزين تكتب: للنيل رب يحميه

  • جداريات 2
  • الثلاثاء 28 يوليو 2020, 3:03 مساءً
  • 1028
الشاعرة هيام الزين

الشاعرة هيام الزين

ما بين إقرار وتكذيب... وتقصٍّ لحقيقة باتت أمرا واقعا لا لبس فيه ولا اشتباه.. وحالة عجيبة من الإنكار والدهشة بعد نشر إثيوبيا رسميا فيديو تدفق مياه (نهرنا) العزيز لملء خزان هذا المشروع البائس المسمى بسد النهضة.. ولا أدري أية نهضة تلك التي تبني أمجادها على أنقاض الآخرين..!!

أما الآن فقد أصبح من الطبيعي أو بمعنى أصح "من الواجب" أن أعزِّي نفسي وقومي على حضارةٍ لم نستوعبها.. ونيل لم نستحقه وسبعِ بقرات.. وسبع سنبلات كانوا هديةً من ربٍ كريم اختصَّنا بها دونًا عن العالم لنُطعِم أهل الأرض جميعًا ففرَّطنا في العطيَّة وذبحنا السَّبع السِّمان 

وتركنا السُّنبلات طعاما سائغااا للحشرات والقوارض والطفيليات...

((النيل لنا... سابقا كان يتدفق والآن أصبح بحيرة))

تصريح مستفز من وزير خارجية أثيوبيا الغِطْرِيف..

ولكن الأشد استفزازا ودهشة هو حالة الرفض والإنكار من جانب شعب المَصَبّ.. فعن أي حقوق يتهامسون وإلى أي عدو يشيرون..؟؟!! ليست إثيوبيا ولا إسرائيل ولا حتى الماسونية العالمية والمخططات الأيدلوجية ولا كل المؤامرات الكونية هي السبب الحقيقي لغضبة النيل التي أصابتنا

غضِب النيل.. ووالله لو عزَّ عنّا ماءه وعصانا فلا نلوم إلا أنفسنا..

وأبدا لم تكن مسؤولية من تعاقدوا أو أهملوا أو حتى خانوا... لكنه ذنب (قرية) بأكملها استحقت ذلك المصير وبجدارة..  

كفانا تشدُّقا بـ (كنَّا وكنّا وكنّا) 

فنحن الآن (لم نعد ...أبدااا)

ولو أردنا الرجوع للماضي السحيق، فلنسألهم كيف حافظوا على شريانهم الذي وُهب لهم .. كيف أكرموه وقدّسوه... كيف حملوا إليه الهدايا والقرابين واعتبروا مياههُ طقسًا للغسل والطهارة.

كيف أحبوه واحتفلوا به ولقبوه بأحلى الأسماء "رب الأسماك، وخالق الكائنات، وواهب الحياة، وجالب الخيرات، ورب الرزق العظيم".

فعشقهم كما عشقوه وفاض عليهم بالخير والنّماء..

نهر النِّيل الذي عانق المصريين، شعر بهم، تحدث إليهم، حفظ أسرارهم، وشهد مُلكهم وحضارتهم.

أما الآن وفي أيام سقطت سهوا من خارطة الزمان، وقد تبدل أحباؤه والتصقت البشاعة والعشوائية بضفافه.

فتعالى عليه أهله الجدد وأهملوه.. نسوا عراقته وتجاهلوه 

ذلك العنيد الكريم الذي لم يجد على أرضنا من يكرمه..

هجرَهُ عشّاقه، واستهزأ به حتى من غنّوا له أحلى أغانيهم.. (مشربتش من نيلها..!! يجيلك بلهارسيا...)

في تلك الحفلة البائسة وعلى مرآى من العالم..

فضحك الجميع... وبكى النّهر

ولا ألوم من قالها أو قالتها بدون قصد... فقد ترسخت تلك العبارة في أذهاننا حتى باتت جملة عادية جدااا يزِلُّ اللسان بها في أي مكان..

لن أتهم من أهمل أو استهزأ.. ولا من خان وتجرَّأ.. ولن أُحِيل الأزمة برمّتها إلى فِعلة الأقدار أو إرادة القهّار 

ولن أنتهزها فرصة لأثبت عجز الدولة أو سوء الإدارة...

ولكن!! أبكي ندمااا على يومٍ تجرّأت فيه يدي على القاء ولو قصاصة صغيرة في مياهه.. أبكي على سنواتٍ مرت من حياتي لم أُشبع فيها عيني من النّظر إليه.. 

أبكي تلويثًا لنقاءه.. وتجفيفًا لقنواتِه وردمًا واعتداءًا لو حدث مثلَهُ في عهد الفراعنة "أحبابه الأُوَل" لأحرقونا جميعًا ثم سحقوا عظامنا.. ثم ألقوا بها إليه ترضيةً واعتذارااا.. 

أبكي أيامًا رأيناهُ فيها وقد بات مستودعًا لقاذورات المعامل والمصانع والمحاجر..

أبكي بشرا أغبياء شربوا مياههُ وملئوا بطونهم من نبت سُقيَاه بعد أن أفرغوا فضلاتهم ومصارفهم فيها بمنتهى الجهل والوقاحة

غضب النّيل... وحق له أن يغضب

غضب النّيل.. واشتكى الإله... فسلط علينا "الأغبياء والمهملين والجبارين في الأرض" وليسوا إلا جنودا له لتطبيق عدلا نستحقه.. وواقعا صنعناه باستهتارنا وسفاهتنا.. 

لن أصدق أخبار أو تصريحات بعد الآن، ولن أثق في وعود ولا أحبذ مفاوضات تزيد من بلاهتنا وفشلنا أمام العالم.. 

وعن نفسي لا أملك غير تلك الكلمات التي أُعزّيني بها وأعزيكم... 

ولا أقول إلا كما قيل منذ اكثر من 1400 سنة 

    "للنيل ربٌّ يحميـه"

تعليقات