هل رأيت حشرة سرعوف الورقة الميْتة؟
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
تحل اليوم ذكرى
ميلاد وحش الشاشة وملك الترسو الفنان الكبير فريد شوقي العملاق صاحب التاريخ الفني
الممتد لأكثر من 50 عاما في السينما المصرية وظل معطاء للفن حتى رحيله في مثل هذا اليوم
عام 1998.
ابن البلد
يضيف عراق في كتابه: "من حسن الطالع أن فريد شوقي ترك لنا الكثير من اللقاءات التليفزيونية والإذاعية والحوارات الصحفية التي تكشف عن نشأته ونشاطاته وعلاقاته في مطلع حياته، وهكذا علمنا أنه مولود في 30 يوليو من سنة 1920 بحي الحلمية الجديدة، وأنه تربى في السيدة زينب الحي الشعبي الشهير، وأنه شاهد جورج أبيض والريحاني ويوسف وهبي على خشبة المسرح في صباه، ولعل النشأة في هذا الحي الشعبي أكسبته صفات أولاد البلد التي تتمثل في الشهامة والمروءة وخفة الظل، وهو ما انعكس على أدائه لكثير من الشخصيات الدرامية. (أفتح هذا القوس لأذكرك بأنه تجرأ ووقف على المسرح ليتقمص شخصية نجيب الريحاني نفسه التي قدمها في بعض المسرحيات مثل الدلوعة عام 1966). الأمر الذي يكشف حجم موهبته حتى في أداء الأدوار الكوميدية المغلفة بنزعة إنسانية كما كان يفعل أستاذه".
وعن التكوين الجسدي يقول "عراق": أوتي فريد شوقي بنيانًا عملاقًا يتسم بالشموخ والقوة، فهو طويل بشكل لافت... (وصفه أحد الجالسين في المقهى في فيلم جعلوني مجرما بأنه "شحط"/ أي ضخم جدا). كما أن ملامح وجهه اتسمت بالجدية دون جهامة، وخلت من الوسامة الشائعة في زمنه، فالجبين منبسط، والوجنتان بارزتان، والشفاه غليظة دون نفور، والباروكة التي يضعها فوق شعره منذ عام 1952 ليست ناعمة مثل شعر أنور وجدي أو كمال الشناوي الذي يتهدل في أول لفتة مفاجئة، فتزيد من وسامة البطل وجاذبيته، وإنما باروكة فريد شوقي مصنوعة من الشعر العادي، لا ناعمًا مثل الحرير، ولا خشنًا مثل الخيش!
هذه الملامح المتميزة أهلته لأن يلعب أدوار "الفتوة"... ابن البلد... الصنايعي... بائع ألبان... سائق شاحنة... جندي مقاتل... تاجر مخدرات... أي أن ملامحه أبعدته عن أدوار صاحب المهنة المرموقة والعاشق المتيم الغارق حتى النخاع في هوى محبوبته كما كان يفعل أبناء جيله مثل عماد حمدي وكمال الشناوي وشكري سرحان وعمر الشريف وأحمد مظهر، ما يعني أنه اختط لنفسه مسافة عن البطل الشائع في ذلك الزمان، ولعل لقب (وحش الشاشة) الذي منحه له جمهور البسطاء يؤكد صحة ما نقول، فرواد السينما في الخمسينيات كانوا من أولاد البلد الذي يحلمون برؤية (بطل) يخلصهم من الشر الرابض في المجتمع، بعد أن خلصهم جمال عبد الناصر من شر(الملك)، و(الإنجليز)!
ويؤكد عراق أن من مفارقات القدر أن أول ظهور لفريد شوقي على الشاشة لعب دور ضابط مباحث، وذلك في فيلم (ملاك الرحمة/ 1946) ليوسف وهبي، ثم راح يتقمص شخصية الشرير في أكثر من خمسة وعشرين فيلمًا حتى عام 1952، وكلها أدوار نمطية لا تكشف حجم موهبته، فهو قابع في كباريه أو بار يتجرع الخمر، ويسطو على أموال الراقصات، ويدبر المكائد للبطلة أو البطل، ويرفع حاجبه الأيسر منذرًا ومتوعدًا، ثم يقسم - كذبا - بشرف أمه!
حتى اقتنع به صلاح أبو سيف ومنحه البطولة المطلقة في (الأسطى حسن) الذي عرض للمرة الأولى في 23 يونيو من عام 1952، ثم توالت بطولاته بعد ذلك حتى يمكن القول إنه أحد أهم علامات حقبة الخمسينيات، وقد ترافق صعوده السينمائي مع صعود جمال عبد الناصر في عالم السياسة، ففريد شوقي في الأفلام يقهر الشر ويقاومه، وعبد الناصر في الواقع يحارب الظلم ويقاوم الاستعمار، وكأنهما صنوان. واحد في الحلم - أي على الشاشة - والآخر في الواقع، وهكذا نال نجمنا لقب (وحش الشاشة) عن جدارة.
محطات في أدائه
يرى ناصر عراق أنه رغم غزارة الأعمال السينمائية التي شارك فيها فريد شوقي، إلا أنه لم يكن يتمتع بمهارات فذة في التمثيل مثل زكي رستم أو حسين رياض أو محمود المليجي أو حتى يحيى شاهين ومحمود مرسي وصلاح منصور وعبد الله غيث، إذ ظل يتأرجح طوال الوقت بين الأداء المقبول، والأدء الجيد، ولم يذق طعم الأداء المدهش إلا مع صلاح أبوسيف الذي تمكن من تفجير طاقات التمثيل لديه.
البداية الرائعة انطلقت مع (الأسطى حسن)، ثم (الفتوة/ 1957) الذي وصل فيه فريد شوقي إلى ذرى غير مسبوقة ولا ملحوقة في فنون الأداء، وجاء فيلم (بداية ونهاية/ 1960) ليؤكد أن صلاح أبوسيف هو المخرج الوحيد الذي حرر موهبة فريد المتدفقة من أسر النمطية والتكرار.
عشرات الأفلام التي قام ببطولتها ملك الترسو بعد ذلك، حتى عندما استعانت به تركيا في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي فسافر إلى هناك ليقوم ببطولة مجموعة من الأفلام مثل (عثمان الجبار)، و(مغامرات في اسطنبول) وغيرهما... كل ذلك لم يظهر فريد شوقي بالكفاءة المرجوة إلا في سنة 1977 عندما تألق مرة أخرى مع صلاح أبوسيف أيضًا في (السقا مات).