هل رأيت حشرة سرعوف الورقة الميْتة؟
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
د. محمد جاد الزغبي في حواره مع "جداريـات"
والدي من كبار
المثقفين وكان حريصا على غرس هواية القراءة في أبنائه
وزارة الثقافة تحولت إلى محمية طبيعية لكائنات منقرضة
مؤامرات الانتخابات وصراعات المصالح حوّلت اتحاد الكتاب إلى شبح لا يُـري
تشهد الحياة الثقافية العديد من التحديات، والتطورات المتجددة، والتي تحتاج إلى المزيد من العمل، لتطوير المشهد الثقافي، إلى الأفضل.
في هذه المرة، يحاور موقع جداريات، أحد أبرز المثقفين في مصر، الكاتب والشاعر المعروف، الدكتور محمد جاد الزغبي.
وإلى نصّ الحوار:
في البداية.. متى بدأت تجربتك الثقافية وكيف حددت طريقك؟
* أولا تحية تقدير واحترام لمشروع موقع (جداريات الثقافي) وتجربته
الرصينة الغنية بقيادة أستاذنا الدكتور حسام عقل
وتجربتى هى ذاتها تجربة جيلي الذى يعتبر آخر الأجيال التى تفاعلت
وتعلمت على يد الأجيال السابقة لها فى سلسلة الميراث المعرفي التقليدى , هذه
السلسلة التى تم كسرها بعد ذلك لأسباب كثيرة فحدث الفصل بين الأجيال وانقطعت عادات
القراءة والمطالعة تقريبا والتى كانت قبل ذلك أمرا متوارثا لكافة الطلاب والشباب
بغض النظر عن مجالات دراساتهم ..
فمن الطفولة مع روايات الجيب لمحمود سالم والقصص المصورة للتاريخ
الإسلامى وفى مرحلة المراهقة دخلنا إلى عالم الروائي الفذ د. نبيل فاروق الأب
الروحى لأجيالنا والذى فتح أعيننا على الثقافة التاريخية المعاصرة والثقافة
العلمية والمعلومات العامة، وغير ذلك من المجالات التى دخلنا بها مرحلة الجامعات فى
منتصف التسعينيات لنجد نوادى الأدب الجامعية تزخر بعمالقة النقد الذين أخرجوا آلاف
المواهب
وإن كنت أعتبر نفسي محظوظا بشكل شخصي لأن الوالد رحمه الله كان من
كبار المثقفين وكان حريصا على غرس هواية القراءة لدى أبنائه , ووفر لنا مئات
المصادر من مكتبات المدارس , فضلا على ما تعلمته على يد زملائه من نفس جيله والذين
تعلمت على يديهم مبادئ الصحافة المدرسية عن طريق مفتش الصحافة المدرسية بإسنا
الأستاذ سيد أحمد تمام ولك أن تتخيل الفارق بين جيلنا ومن بعده عندما أقول لك أن
ما تعلمته من الصحافة المدرسية ومبادئها يعتبر الآن محتوى لكورسات تدريب الصحفيين
! , كما كان من أساتذتى سياسيون محترفون لهم تجارب عملاقة فى زمن الناصرية وما
بعدها كالأستاذ سعد أحمد على والأستاذ الراحل سيد أحمد كركور والأستاذ عبد الرحمن
سوه ومنهم حصلت على معظم مؤلفات السياسيين الكبار لأنهم كانوا أصحاب مكتبات عملاقة
ونوعية وما بخلوا عليّ بشئ من خبراتهم ولا كتبهم التى كانت نواة مكتبتى فيما بعد.
والوالد وزملاؤه كانوا عباقرة فى استكشاف المواهب البازغة التى تستحق
الإهتمام , ولا زلت أذكر عبقرية توجيهاتهم حيث تركنى أبي حتى سن السادسة عشرة
أطالع الروايات الخفيفة والقصص والكتابات التاريخية الميسرة وبعدها وضع لى جدولا
صارما لترقية مستوى القراءة بأن دفعنى لقراءة ومتابعة أربعة من عمالقة الفكر
والسياسة , وهم هيكل ومصطفي محمود وعباس العقاد وخالد محمد خالد فكان أول احتكاكى
بعالم التاريخ السياسي هو قراءة كتاب ( خريف الغضب ) لأستاذ الأجيال محمد حسنين
هيكل , ونظرا لصعوبة الكتاب ومعلوماته الحاشدة فقد شرحه لي شرحا وافيا حتى عرفت من
خلاله تاريخ مصر السياسي منذ ثورة يوليو وحتى مبادرة السلام , وبعدها انطلقت خلف
مؤلفات هيكل وموسوعاته ومقالاته المجموعة وحتى لقاءاته المصورة مما وفر لى ذخيرة
عملاقة فى التاريخ السياسي , وبالمثل تتبعت مؤلفات الباقين وأضفت إليهم محمود
السعدنى ومحمود عوض وشوقي ضيف والدكتورة فاطمة محجوب وعبد الرحمن الرافعي
ثم كان أول احتكاك لى مع كتب التراث الأصلية فى عام 98 وقرأت موسوعة
ابن كثير ( البداية والنهاية ) والذى كان أسلوبه البلاغي السهل حافزا لى على زيادة
القراءة في كتب التراث الأصلية رغم أنى كنت أعتقد أنها كتب معقدة لن أقوى على
فهمها لكن كان اعتقادى خاطئا تماما ولهذا عرجت على باقي مراجع التاريخ الإسلامى
وعيون كتب المسامرات كالمستطرف وعيون الأخبار والعقد الفريد وأساس البلاغة
وفى الجامعة التحقت بنادى الأدب ووجدت رعاية كبيرة من أستاذى الدكتور
حسين عبد الجليل نائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب , كما وجدت مواهب عملاقة أمامى
كالدكتور أسامة شحاتة وتعلمت منه أصول العروض لصقل موهبة الشعر وبالفعل بدأت كتابة
الشعر والمقال السياسي فى عام 98 وحظيت بتشجيع عدد كبير من النقاد والصحفيين وكبار
السياسيين أيضا مثل أستاذنا الراحل البدراوى زهران والدكتور أسامة الباز والشاعر
شوقي أبو ناجى والأستاذ المتولى حمزة وغيرهم
ونشرت قصائدى وبعض المقالات فى الأهرام المسائي والجمهورية وبعض الصحف
العربية
وكان أول تحقيق صحفي كتبته فى عام 1999م فى مجلة ( صوت فلسطين ) التى
كان يصدرها التجمع الوحدوى الفلسطينى بالقاهرة , وكان تحقيقا مطولا من صفحتين
عبارة عن قراءة فى أحدث كتب الأستاذ هيكل وهو موسوعة ( المفاوضات السرية بين العرب
وإسرائيل ) وانتظمت بعدها فى كتابة مقال شهري بالمجلة لمدة عامين ثم أصدرت ديوانى
الأول ( التراتيل الأولى ) قبل تخرجى عام 2000
ومع إنشاء أول وزارة الشباب شاركت فى كافة فعاليات الوزارة فى مركز
إعداد القادة بالزمالك والمركز الرئيسي لبيوت الشباب بالمنيل فضلا على المشاركة
بكافة المسابقات الجامعية قبلها فى الأدب والبحوث التاريخية وفزت فى كافة
مسابقاتها بمراكز مختلفة , وتعتبر مرحلة الجامعة مرحلة بالغة الثراء بالنسبة لى
لأن المكتبة المركزية بجامعة أسيوط وفرت كل مصادر الثقافة وموسوعاتها فطالعت
الآلاف منها خلال مرحلة الجامعة , وبعد التخرج شرعت فى تكوين مكتبتى الشخصية أثناء
دراستى فى دبلوم الدراسات العليا للعلوم السياسية بحقوق القاهرة ثم انتظمت فى
الكتابة الصحفية حتى عام 2004 وبعدها دخلت عالم منتديات الإنترنت واقتصرت الكتابات
والبحوث التى نشرتها على المجال السياسي والأدبي والتاريخ المعاصر حتى حدثت نقطة
الفصل المحورية لى عام 2008 ..
وما هى هذه النقطة المحورية؟!
حتى عام 2008 كان مجالي الرئيسي فى الكتابة هو الكتابة السياسية فقط
, رغم تعدد مجالات القراءة وكانت مكتبتى
تحوى قرابة خمسة آلاف كتاب فى شتى صنوف المعرفة وكنت قد أنهيت قراءة ودراسة
التاريخ الإسلامى من مؤلفات المعاصرين والأقدمين أيضا بالذات ابن كثير في البداية
والنهاية وتاريخ ابن خلدون مع تاريخ مصر منذ العهد الفرعونى حتى العصر الحديث فضلا
على تاريخ الأحداث الكبري المعاصرة كالثورة الفرنسية وحرب السبعين والحربين
العالميتين , بالإضافة لتاريخ الأدب العربي ,
ونظرا لطبيعة الدراسة فى كلية الحقوق فقد درست أصول الفقه والشريعة
واستهوانى المجال فيها , لكن مجال الكتابة اقتصر عندى على مجال السياسة والأدب
وحدهما , ورغم دراستى للفقه لكنى لم أكن قد عرفت شيئا عن علوم العقيدة والحديث
وعلم الرجال , ولم أعرف أصول الفرق الإسلامية , وحدث معى ما يشبه الصدمة عندما
فوجئت من أحد دارسي علم الحديث أن التاريخ الإسلامى مروى بطريقة المحدثين بمعنى أن
الكتب الأصلية للتاريخ الإسلامى بها أحداث قسمها المتخصصون لروايات صحيحة وضعيفة ,
وهذا ما صدمنى لأننى أنهيت قراءة التاريخ الإسلامى كله لكنى لا أستطيع التمييز بين
الصحيح والضعيف , فكنت أشبه بمن امتلك ثروة ضخمة لكنها تحتوى الكثير من العملات
الزائفة ,
لهذا أخذت أجازة بدون مرتب لعام كامل وتفرغت أولا لدراسة مبادئ علم
الحديث ثم العقيدة ثم أعدت دراسة التاريخ الإسلامى بطريقة المحدثين ونجحت فى إتمام
هذا خلال عام واحد , وأذهلنى بالطبع ما درسته فى تاريخ الفرق الإسلامية ودور
الشيعة عبر التاريخ فيممت وجهى شطر هذا الملف ودرسته من مراجعه الأصلية , ثم درست
تاريخ إيران منذ عهد الدولة الساسانية حتى العصر الحديث ,
ووقعت حادثة طريفة بعد أن دست علم الحديث لثلاث دورات على الإنترنت ,
حيث عدت بعدها لكتابة بحوث مختصرة لبيان أهمية علم الحديث وشرح مبادئه بلغة معاصرة
وسهلة وطريقة فيها شئ من التشويق حيث شبهت جهود علماء الحديث بجهود رجال المخابرات
فى التحرى والتدقيق , وكانت الواقعة الطريفة أن واحدا من أساتذة علم الحديث
الأردنيين طلب منى كتابة كتاب فى مصطلح الحديث بهذا الأسلوب , واعتذرت بالطبع
لأننى لم أكن أعرف شيئا عن هذا العلم قبل عام واحد , فكيف أكتب فيه كتابا
وقررت تغيير وجهتى فى الدراسات العليا من العلوم السياسية والقانون
الدولى إلى الشريعة الإسلامية , وبالفعل حصلت على ماجستير الشريعة الإسلامية من
حقوق عين شمس وكان من ضمن مجالات الدراسة ( الفلسفة الإسلامية والفرق ) فمزجت بين
القراءة والتخصص في هذا الملف فلولا أننى فوجئت بمدى تأثير علوم الحديث على دراسة
التاريخ ما توجهت من الكتابة السياسية للكتابة الدينية والتاريخية فى الفرق .
ولكن لأن مجال نقد فرق الشيعة له أكابر ومتخصصون , فقد دخلت للمجال نفسه ولكن من بوابة جديدة عن طريق تقديم ملفات سياسية تحتك احتكاكا مباشرا بالعقيدة الشيعية وقدمت على القنوات الفضائية ملفات جديدة تتعلق بالنشاط العقائدي الشيعي من وجهة نظر سياسية واجتماعية وتاريخية بالإضافة لعرض تاريخ التعاون بين إيرانوالغرب من خلال الوثائق الغربية والمراجع الأجنبية المختصة
كم عدد المؤلفات التى كتبتها ؟ ولو تعطنا نبذة عن كل منها؟
عدد كتبي نحو 32 كتابا , منهم ديوانىّ شعر , وقد صدر من تلك الكتب
حوالى 14 كتابا , والباقي منشور كبحوث مُحكّمة فى المنتديات المتخصصة والمواقع
البحثية وسيتم نشرهم فى كتب تباعا بإذن الله , وتنقسم هذه الكتب إلى عدة مجالات
منها مؤلفات فى العقيدة الشيعية حوالى سبعة كتب , وفى المجال الأدبي ثلاثة كتب ,
وفى مجال التاريخ السياسي حوالى 5 كتب , وفى مجال المخابرات والتاريخ العسكري 5كتب
, وفى مجال الفكر والثقافة العامة 10 كتب بالإضافة إلى نحو 300 مقال صحفي وبحثي
مختصر
ومن الصعب إلقاء الضوء عليها جميعا لكن أهم هذه المؤلفات هو كتاب (
المناظرة الكبري مع الشيعة الإثناعشرية ) وهو مناظرة ضخمة جرت بينى وبين أحد
الباحثين الشيعة من العراق عام 2009 طيلة شهر رمضان فى تلك السنة فى منتديات (
منابر ثقافية ) وتم تنزيل المناظرة فى هذا الكتاب وهو الكتاب الذى أشاد به عدد من
مشاهير الدعاة كالشيخ خالد الوصابي , وكتاب ( شرح تلبيس إبليس لابن الجوزى ) وصدر
منه الجزء الأول ويعالج تاريخ الفرق من خلال كتاب الإمام ابن الجوزى , وأيضا كتاب
( الخمينى ) وهو دراسة تأصيلية لفكر الخمينى من خلال كتبه , وكتاب ( كيف ترد
الشبهات بالحوار العقلي وحده ) وهو كتاب حواري يعالج الشبهات العلمانية وشبهات
الإلحاد كما يعالج بعض الشبهات حول التاريخ المصري المعاصر ,
وكتاب ( الإعجاز العلمى والعجز العلمانى ) للرد على شبهات فرج فودة
وخالد منتصر حول إعجاز القرآن , وكتاب ( الصراع حول حرب أكتوبر ) وهو قراءة للصراع
الثقافي والأيديولجى حول قيمة ونتائج حرب أكتوبر بين الناصريين والساداتيين ,
وكتاب ( شخصيات مصرية أسرت النبوغ ) وهو ترجمة فكرية ــ لا سيرة ذاتية ــ لقيمة
ودور عدد من نوابغ مصر فى كافة المجالات وتم نشر بعض فصوله فى المنتديات , وكتاب (
الصهر ــ قصة أشرف مروان ) وهو كتاب في تاريخ المخابرات وهو مخصص للرد على كتاب
الصهر الذى كتبه جوزيف بار واتهم فيه مروان بالتجسس , وقد حاورت فى الكتاب الكاتب
الصحفي أهارون بيرجمان من خلال مقر إقامته بلندن باعتباره أول من فجر قضية أشرف
مروان فى الإعلام عام 2001 , و ( كتاب سفراء جهنم ) وهو عن تاريخ المرجعيات
الشيعية المعاصرة وصدر منه الجزء الأول , وكتاب ( الحضارة الفرعونية المفترى عليها
ــ تحت الطبع ) وتم نشره كبحث محكم ويعالج بعض الخرافات التى التصقت بالتاريخ
الفرعونى , وكتاب ( الفريضة السادسة ) وهو كتاب مقالات مجمعة يعالج أهمية الثقافة
فى العصر الحالى وكتاب ( تعلم كيف تكون مثقفا ) وصدر منه الجزء الأول وحاليا يجرى
إعداد طبعة جديدة ومزيدة منه ويهتم الكتاب بفتح الباب أمام كل من يسلك طريق
الثقافة لكى يكتسب الثقافة السليمة من مصادرها الأصلية بعيدا عن التزوير
بخلاف مشروعات الكتب التى بدأت فى بعض فصولها ولم أنته منها بعد , وأهمها كتاب ( صقر على ضفاف النيل ) وهو كتاب فى تاريخ جهاز المخابرات المصرية منذ نشأتها الأولى على يد زكريا محيي الدين ونخبة الضباط الأوائل سعد عفرة وعبد المحسن فائق ومصطفي المستكاوى وعبد القادر حاتم , ووصولا إلى عهد مبارك , وذلك من خلال استقراء النشأة من مذكرات المؤسسين وأيضا أهم العمليات المسجلة في مراجع تاريخ المخابرات الغربية والعربية , وأيضا كتاب ( مائة معلومة ثقافية خاطئة .. ومنتشرة ) ويختص بأهم مائة معلومة منتشرة ثقافيا على أنها حقيقة علمية بينما هى من الخرافات , وكتاب ( قصة قصيدة ) ويتعرض لعدد من أهم قصائد الشعر العربي التى كان لها قصة وتأثير على المستوى السياسي والإجتماعي
بالإضافة للكتب.. قدمت أيضا للقنوات الفضائية حلقات بحثية مهمة.. ما هى أهم الأفكار المطروحة فيها ؟
تشرفت بقنوات عديدة، كالندى وصفا وقناة أحوازنا التى تبثها الجالية الأحوازية فى أوربا للدفاع عن قضية العرب في إيران، وغيرهم ..
وأهم ما أعتز به هو السلاسل المتصلة بتاريخنا المعاصر التى قدمتها لمحاولة التنبيه على فكرة رئيسية واحدة
وهى أن عدونا الأول والأزلى هو إسرائيل التى أسستها الحركة الصهيونية الغربية ونجحوا فى عصرنا إلى تمييع قضية العداء معهم فلم يعد أحد يركز عليهم بعد ظهور العديد من العداوات رغم أن الحركة الصهيونية أصل بلائنا كله
دليلي في ذلك مشهد بسيط
على قناة صفا قدمت سلسلة تاريخ إسرائيل منذ نشأتها كفكرة فى عهد نابليون حتى حرب أكتوبر مستندا إلى أحدث وأهم الوثائق والحقائق التى خرجت للنور بعد مرور أكثر من ستين عاما على نشأتها وبلغ عدد الحلقات 11 حلقة مدة كل منهما ساعة ..
الطريف أن الإهتمام بهذه الحلقات جاء من الغرب وليس منا , حيث أفردت أكثر من صحيفة وموقع الكتروني أوربي وأمريكى أخبارا عن تلك السلسلة وركزت فيه كالعادة على إتهامنا بمعاداة السامية وكراهية اليهود ..
بل إن أحد الهاربين العرب فى الولايات المتحدة والذى أعلن إلحاده وتأييده لإسرائيل ظهر على إحدى القنوات الأمريكية فى حوار يقول بأننا فى مصر لا زلنا ننشر كراهية اليهود ونفرد المساحات للمتطرفين وضرب المثل بسلسلة حلقاتى على قناة صفا
الشاهد من هذا أن هذه الملحوظة توضح لنا مدى اهتمام الغرب وتسلطه على أى محاولة لقراءة تاريخنا المعاصر أو على قراءة تاريخنا فى العموم
وأظننا لسنا بحاجة لبيان أهمية التاريخ الذى أصبح اليوم فى ذيل إهتمامنا للأسف
* كيف تكون مثقفا من وجهة نظرك من خلال كتابك الذى يحمل نفس العنوان؟
الثقافة يمكن إجمالها فى عبارة واحدة قالها الدكتور فؤاد زكريا
المفكر المعروف حيث قال ( التفكير العلمى يختلف عن تراكم المعلومات )
ببساطة الثقافة ليست هى قدرة الإنسان على استدعاء المعلومات عند
سؤاله بل الثقافة هى قراءة المعلومات المتكاثرة ودمجها وإضافة التفكير العلمى
إليها للخروج بأفكار معاصرة تفيد في قضايا المجتمع , فالمثقف ليس هو الذي يربح فى
مسابقة ( من سيربح المليون ) بل المثقف هو القارئ المحترف في عدة مجالات الذى يتمكن
من حشد المعلومات والفكر بعقله وخلطها جميعا للخروج بالدروس والعبر والتخطيط
للإستفادة من المقروء ,
لهذا فإن نصيحتى لمن سلك طريق الثقافة أن يمر بمراحلها جميعا , وهى
تشبه مراحل علم الحديث تماما ,
فالمرحلة الأولى هى مرحلة جمع المعلومات والقراءة الحاشدة فى مجالات
متكاثرة ومتعددة , وبعدها تبدأ مرحلة التفريع , حيث يطرق المثقف باب أكثر المجالات
التى أحبها فيكمل فيها القراءة بشكل أوسع , ثم مرحلة التفكر والتى يبدأ فيها
المثقف بالإنتاج وتحديد وجهة نظره في مجاله الذى اختاره , وبعدها مرحلة التخصص
والتى يبلغ بها المثقف مرحلة المفكر ,
وأهم نصيحة أوجهها للشباب وهى إجابة على سؤال تقليدى متكرر , وهو
المعاناة من كثرة النسيان , ولهؤلاء أقول أن النسيان مطلوب فليس مطلوبا من القارئ
أن يرهق ذاكرته بكل ما يقرأ بل يقرأ ويعرف مصدر المعلومات ولا غضاضة فى نسيانها
لأنه حتما سينساها وعندما يحتاجها سيرجع للمرجع فيستعيدها ,
والنصيحة الثانية وهى تكرار قراءة الكتاب الواحدة عدة مرات , فعلى خلاف ما يظن البعض فليس المهم أن تقرأ عددا ضخما من الكتب بل المهم أن تستوعب كل كتاب حتى الحد الأقصي بأن تعيده عدة مرات كلما دعت الحاجة , وفى هذا يحضرنى مثل شهير للبطل الرياضي بروسلي الذى قال ( إننى لا أخشي الخصم الذى تدرب على أداء ألف ضربة .. بل أخشي الخصم الذى تدرب على أداء ضربة واحدة ألف مرة )
* وزارة
الثقافة واتحاد الكتاب كيف ترى دورهما فى المشهد الثقافي ؟
دعنا نبدأ باتحاد الكتاب , فالإتحاد من وجهة نظرى كان ــ ولا زال ــ
مؤهلا للعب دور محورى فى الحياة الثقافية ليس في مصر بل في العالم العربي , لكن
فقر الإمكانيات ومؤامرات الإنتخابات وصراعات المصالح جعلت منه شبحا لا يُـري , ولا
ننكر أن هناك جهود فردية عملاقة تحاول النهوض بدورها لكن فقر الإمكانيات المتعمد يقتل
أى جهد , فليس هناك أدنى اهتمام بالثقافة على أى مستوى سواء كان حكوميا أو شعبيا
رغم أن الشعب في مجمله يتمنى ذلك ودليلي في هذا ملايين الزوار بمعرض الكتاب
والآلاف من مرتادى أسوار الكتب الشعبية ذات الأسعار المخفضة والتى سمحت لنا جميعا
لتكوين مكتباتنا ..
أما وزارة الثقافة .. فهى المأساة الكاملة حقيقة , ولن تجد مثقفا
مستقلا واحدا في مصر ينكر الدور السلبي الرهيب التى مارسته هذه الوزارة فى سنوات
فاروق حسنى , ويكفيك تصريح فاروق حسنى الشهير عن وصفه للمثقفين فى عصر مبارك بأنهم
كانوا في الحظيره !
فوزارة الثقافة التى كانت فى عهد ثروت عكاشة ويوسف السباعي منارة
حقيقية , تحولت مع منتصف الثمانينات لشرنقة أو محمية طبيعية لكائنات منقرضة بعضها
ينتمى لليسار والشيوعية وبعضها ينتمى للعلمانية والبقية تنتمى لمنهج الفوضي الكامل
, وكانت هذه المجموعة هى السبب الرئيسي في تحويل مفهوم الثقافة لمفهوم غير أخلاقي
لدى الجمهور , حيث دأب مثقفي الوزارة فى مطبوعاتهم أن يروجوا لشيئين فقط لا غير
إما الطعن فى الدين والثوابت أو الطعن فى الأخلاق والدعوة للإنحلال المقنع تحت
مسمى حرية الإبداع , والحرية عندهم لا تعنى شيئا إلا هدم ثوابت الدين والأخلاق وبأحط
الأساليب وكلنا نذكر أزمات الوزارة الشهيرة فى نشرها لرواية ( وليمة لأعشاب البحر
) وأزمة الروايات الثلاث ومؤخرا في أزمة الرواية المنحطة التى احتوت على أشنع
الألفاظ الدارجة فى المجال الجنسي ونشرتها مجلة محسوبة على الوزارة وبميزانية
حكومية
وليت الأمر اقتصر على هذا .. فالوزارة امتلكت عدة سلاسل راقية ومنتشرة مثل سلسلة الذخائر وسلسلة مطبوعات دار الكتب ومكتبة الأسرة العملاقة , ولكنها مع الأسف حتى فى نشرها لكتب التراث النادرة كانت حريصة على نشر كتب التاريخ الساقطة من الميزان العلمى مثل كتاب الإمامة والسياسة المنسوب زورا للعلامة ابن قتيبة ونشرته الذخائر باسم الإمام نفسه رغم أنه مدسوس عليه , ونشرت كذلك معظم كتب التراث الشيعي والمعتزلى ولم أجد فى إصدارات الوزارة كتابا تراثيا واحدا من مصادر التاريخ المعتمدة كالبداية والنهاية أو تاريخ المدينة لابن شبه أو تاريخ خليفة بن خياط مثلا , هذا فضلا على احتفائها بكتب الأفكار الإلحادية والفلسفة الوجودية ككتب ابن عربي وغيرهم
* ظاهرة الإلحاد في مصر .. كيف تراها ؟
ما يوجد بمصر والعالم العربي الآن ليس إلحادا أصلا , فالإلحاد كفكرة
فلسفية قائمة على فلسفة الشك كان موجودا بالفعل في مصر والعالم العربي فترة
الخمسينيات حتى نهاية السبعينيات , حيث مر عدد كبير من المفكرين والمثقفين بتجربة
الشك وناقشوها وسجلوها مثل مصطفي محمود فى رحلة الشك واليقين , وتعود ظاهرة
الإلحاد فى تلك الفترة إلى عاملين مهمين , وهما ظهور الفكر الشيوعي وهو فكر يعتمد على نبذ فكرة الخالق أصلا وتأثر
به عدد كبير من الشباب وقتها , والسبب الثانى راجع إلى طفرات التقدم التكنولوجى فى
تلك الفترة والتى صاحبها اختراق الفضاء والوصول للقمر مما دعا للناس للإفتنان
بقدرة العلم الكسبي على ذلك
لكن هذه الظاهرة انتهت واضمحلت عندما سقط الفكر الشيوعي في بلاده
ذاتها , كذلك انتهت هوجة الإنبهار باختراق الفضاء بعد أن ازداد الرسوخ العلمى الذى
أثبت للإنسان أن الوصول للقمر أشبه ما يكون بانتقالك من غرفة لأخرى فى فضاء هائل
متسع يعجز العقل عن تصوره , فتقلصت فكرة الإلحاد لدى أهل العلم الكسبي أنفسهم
عندما أدركوا مدى قدرة الخالق في تنظيم الكون المحسوس فضلا على الكون الهائل غير
المحسوس ..
أما ما تراه من ظواهر إلحادية ظهرت فى الثمانينات والتسعينات وما
تلاها فقد جاءت أصلا بسبب انتشار أفكار وعمليات الإرهاب التى نسبوها للإسلام ,
فظهرت أفكار إلحادية وعلمانية كرد فعل على تطرف الخوارج في العصر الحديث , وفى
العصر الحالى مع بداية الألفية ظهرت أفكار الإلحاد المزيفة , وأقول أنها مزيفة
لأنها لا تمثل أى فكر إلحادى قائم على فلسفة الشك لأن أصحابها ينقسمون إلى نوعين
فقط لا غير ..
إما أنهم مجموعة من المنحلين أخلاقيا وشهواتهم تسيطر على أفكارهم وفى
نفس الوقت يخافون الجهر بها مخافة المجتمع , فقاموا بإدعاء الإلحاد كى يبرروا
لأنفسهم وللمجتمع أنهم منحلون أخلاقيا بدافع فلسفي لا بدافع انحطاط الأخلاق ,
والنوع الثانى مجانين الشهرة القاتلة لأنه مع انتشار الميديا أصبحت أفكار الإلحاد
بوابة الشهرة بين الناس نظرا لأن العوام تساهم بلا وعى فى زيادة رقعة كلامهم
وأفكارهم المدعاة ,
فلنا أن نتخيل أى كارثة نعيش فيها عندما تشاهد شخصا يدعى الإلحاد لا لشئ إلا لرفضه قيود الدين والتقاليد على الأخلاق أو يدعيه لكى ينتشر صيته على السوشيال ميديا ! , والدليل على ذلك أنك إن رأيت محتوى كلام هؤلاء المدعين ستجد أنه تقليد تافه جدا لنفس الشبهات العتيقة التى كان يقول بها فلاسفة الإلحاد القدامى لكنهم يرددونها بجهل عظيم وتفاهة غير متصورة , ولا يدرك هؤلاء الحمقي أنه حتى ملحدى الغرب الكبار لم يجرؤ واحد منهم على نفي وجود الله بشكل مطلق لا يقبل الشك بل تجد أفكارهم متفاوتة فى شدتها خاضعة لما يمرون به من تجارب , أما ملحدى العالم العربي فالواحد منهم يجهر بالتأكيد على نفي وجود الله وهذه وحدها دلالة الجهل لأن الجاهل أكثر جرأة بكثير من أهل العلم فى طرح أفكاره