علماء وفلاسفة غربيون يؤكدون: خرافة الإلحاد لا تثبت أمام المنطق والعلم

  • حاتم السروي
  • الثلاثاء 02 يوليو 2019, 7:33 مساءً
  • 1520
رينييه ديكارت من أكثر الفلاسفة اهتماماً بإثبات وجود الخالق

رينييه ديكارت من أكثر الفلاسفة اهتماماً بإثبات وجود الخالق

« إن الإلحاد أحقر من أن ينتسب إلى العلم أو العقل أو أن يسمى مذهباً إنسانياً، وهو أقل وأصغر من أن يُهتم بشأنه، بل الإلحاد وهمٌ يلم ببعض العقول المستعدة لهمزات شياطين الوساوس» بهذه الكلمات عارض الكاتب الفرنسي "كاميل فلامريون" مفهوم الإلحاد العلمي الذي يروج له بعض الملحدين ويحاولون في ذلك السياق التفريق بينه وبين ما يسمونه بـ "الإلحاد الشعبي".

ويتابع "فلامريون" قائلاً: إن الإحساس بالعقيدة ألصق بفؤاد الإنسان من كل إحساسٍ فيه، وليس المنكر لها بأقل إحساساً بها من سواه، بل ربما كان تظاهره بالجحود والنكران حجة ناطقة على أنه أشد الناس تأثراً بها إلا أنه ضل الطريق وأخطأ السبيل فقذفت به  حيرته إلى متاهات من النظريات هي ظلماتٌ بعضها فوق بعض؛ فلم يرَ المخرج منها إلا الفروض وابتكار السفسطة التي لو خلا بها يوماً وحكَّم فطنته لضرب بها عرض الحائط ولعلم أن إحساسه في وادٍ وأن ما تخيله في وادٍ آخر، ونحن لو سُئلنا يوماً عمَّن هو أكذب الناس على نفسه لأجبنا دون تردد: هو الرجل الذي يزعم أنه ملحد".

وكلام السيد فلامريون هو تعبير عن دليل خصه العلماء بعنايتهم وسموه الدليل الشعوري؛ فإن من أقوى ما يمكن أن يُواجَه به الإلحاد هو النزعة الشعورية الكامنة في قلب كل إنسان والإحساس المتمكن في كيانات البشر كلهم بوجود خالق أزلي مطلق القدرة كلي العلم والإحاطة.

ويقول مسيو يوشيف في كتابه "التذكرة في تاريخ البرهان على وجود الخالق": "إن اعتقاد الأفراد والنوع الإنساني بأسره في الخالق هو اعتقاد اضطراري قد نشأ قبل حدوث البراهين الدالة على وجوده، ومهما صعد الإنسان بذاكرته في تاريخ طفولته فلن يستطيع أن يجد الساعة التي حدثت فيها عقيدته بالخالق، تلك العقيدة التي نشأت صامتة وصار لها أكبر الآثار على حياته؛ فقد حدثت هذه العقيدة في أنفسنا ككل المدركات الرئيسية على غير علمٍ منا".

وقد خص "رينييه ديكارت" الفيلسوف الفرنسي المعروف الأدلة المثبتة لوجود الخالق باهتمامه الكبير وتوصل في هذا المقام إلى ثلاثة أدلة يعرفها طلاب الفلسفة قبل روادها ومعلميها وهي:

1- قول ديكارت: إني مع شعوري بالنقص في ذاتي أحس في الوقت نفسه بوجوب وجود ذات كاملة وأراني مضطراً للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته داخلي تلك الذات الكاملة المتحلية بجميع صفات الكمال وهي: الله.

2- قال ديكارت: إني لم أخلق ذاتي بنفسي ولو كان هذا لكنت قد منحتها سائر صفات الكمال التي أدركها؛ إذن فأنا مخلوقٌ بذاتٍ أخرى وتلك الذات يجب أن تكون حائزة لجميع صفات الكمال وإلا اضطررت إلى تطبيق التعليل السابق الذي طبقته على نفسي.

3- ثم قال: إن عندي شعوراً بوجود الذات الكاملة لا يقل في وضوحه عن شعوري بأن مجموع زوايا أي مثلث يساوي زاويتين قائمتين؛ إذن فالله موجود.

وبدورهم أسهب العلماء في عرض الأدلة الخاصة بوجود الباري سبحانه حتى أنهم استدلوا بالكتكوت؛ فيروي ابن كثير عن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن وجود الله فقال: "ها هنا حصنٌ حصين أملس ليس له باب ولا منفذ، ظاهره أبيض كلون الفضة وباطنه كالذهب الإبريز، فبينما هو كذلك إذ انصدع جداره فخرج منه حيوانٌ سميعٌ بصير ذو شكلٍ حسن وصوتٍ مليح، قيل وما هو؟ قال الفرخ حين يخرج من البيضة"!.

وأورد فخر الدين الرازي في تفسيره "فتوح الغيب" تلك القصة عن إمامه الشافعي رحمه الله "سأل الشافعي جماعة من الدهريين عن وجود الخالق جل شأنه فقال: ورقة الفرصاد (يعني التوت) طعمها ولونها وريحها وطبعها واحدٌ عندكم؟ قالوا: نعم.. قال: فتأكلها دودة القز فيخرج منها "الإبريسم" وتأكلها الشاة فيخرج منها البعر، وتأكلها الظباء فينعقد المسك في نوافجها؛ فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحد؟ قال الراوي: فاستحسنوا ذلك منه وأسلموا على يديه وكانوا سبعة عشر".

إن الأدلة علة وجود الحق سبحانه أوضح من الشمس في رائعة النهار وهي لكثرتها ورسوخها وتضافرها تدفعنا إلى القول بأن الله جل جلاله لا يستدل عليه بل يستدل به، فهو الحقيقة الأزلية وكل ما عداه باطلٌ وقبض الريح، ولله در من قال:

ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطلُ... وكل نعيمٍ لا محالة زائلُ

وكلُّ أُناسٍ سوف تدخل بينهم.. دُوَيهيةٌ تصفرُّ منها الأناملُ

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه البيت الأول غير أنه عقب على الشاعر بقوله "إن نعيم الجنة لا يزول".

فما هو الدليل الذي يعجب الملاحدة إن كان الله قد أصمهم وأعماهم، وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، ما الدليل وكل شيء ينطق بوجود الله وقدرته، وفي مواقف الأزمة الخانقة لا يجد الإنسان أمامه سوى أن يرفع يده إلى السماء ضارعاً يطلب النجدة من إلهٍ يعلم علم اليقين أنه وجوده لا شك فيه.

فيا عجباً كيف يُعصى الإله.. أم كيف يجحدهُ الجاحدُ   /  وفي كل شيءٍ له آيةٌ.. تدلُّ على أنه الواحدُ

وأنت أيها القارئ العزيز ألم تخرج من دارك يوماً قاصداً لأمرٍ أجريت له استعدادات خاصة وأجهدت نفسك من أجله وإذا بك في اللحظة الأخيرة تعرض عنه وترى نفسك مصروفاً بقوةٍ خفية إلى أمرٍ آخر ما خطر لك على بال، ثم يتكشف لك أن الخير فيما نالك وليس فيما فاتك؛ فمن الذي حولك عما دبرت وأنالك خلاف ما قدرت؟ إن وجود المولى سبحانه في مثل تلك المواقف حقيقة تفرض نفسها وتقطع الطريق على أي شك.

إن الفطرة البشرية بحد ذاتها دليلٌ بيِّن لا يحتاج معه إلى مزيد من الشرح والبسط والتوضيح، ونحن لا نرى الكهرباء وهي تسري فتضيء ليالينا ولكنا نرى آثارها وكذلك نحن لا نرى إلهنا وله المثل الأعلى غير أن آثار قدرته وفيض نعمه وألطافه يقولان كل يوم بل كل ساعة بل كل لحظة: "قل هو الله أحد*الله الصمد*لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد".

تعليقات