حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم...
أما بعد ...
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان إذا رأى الهلال قال
اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله) ... نحن
أقبلنا على أفضل أيام الدنيا، وهي عشر ذي الحجة: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُ إلى الله عز وجل
من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله، قال
ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء). رواه
البخاري
وهذا الحديث حديث عظيم جليل، وفيه الحرص على الإكثار من العبادة في
هذه الأيام الفاضلة، وهذا الحديث نص في أن العمل المفضول يصير فاضلا إذا وقع في
زمان فاضل، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه.
فالعمل الفاضل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في
غيره. ولا يستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله،
ثم لا يرجع منهما بشيء. وأما سائر أنواع الجهاد مع سائر الأعمال، فإن العمل في عشر
ذي الحجة أفضل منها.
والجهاد في الجملة أفضل من الحج لما في (الصحيحين)، عن أبي هريرة، عن
النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: (أفضل الأعمال الإيمان بالله ورسوله، ثُمَّ
الجهاد في سبيل الله، ثُمَّ حج مبرور).
لكن العمل الصالح في هذه الأيام ومنه الحج يكون أفضل من سائر أنواع الجهاد، إلاّ الجهاد الذي لا يرجع
صاحبه منه بشيء من نفسه وماله، وقد روي عن طائفة من الصحابة تفضيل الحج على
الجهاد، ومنهم: عمر وابنه وأبو موسى وغيرهم ــم، أو يقال الجهاد في
نفسه أفضل من الحج، لكن قد يقترن بالحج ما يصير به أفضل من الجهاد، وقد يتجرد عن
ذلك فيكون الجهاد أفضل منه حينئذ.
مثل أن يكون الحج مفروضا،
فيكون حينئذ أفضل من التطوع بالجهاد، وقد دل عليه: قول النَّبيّ صلى الله عليه
وسلم حكاية عن ربه عز وجل: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيْءٍ أَحَبَّ
إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ). كما في البخاري، أو أن يكون الحاج ليس من
أهل الجهاد، فحجه أفضل من جهاده، كالمرأة.
أو يمكن أن يقال: إذا استوعب
عمل الحج جميع أيام العشر، وجاء على أكمل الوجوه، من أداء الواجبات وفعل
المندوبات واجتناب المحرمات والمكروهات، مع كثرة ذكر الله عز وجل والإحسان إلى
عباده، وكثرة العج والثج، فهذا الحج قد يفضل على الجهاد.
*. المفاضلة بين عشر ذي الحجة
وعشر رمضان:
أما تفضيل العمل في هذه العشرِ على العمل في كل عشر غيرها، فلا شك في ذَلِكَ. فيدخل في ذلك تفضيل
العمل في عشر ذي الحجة على العمل في جميع أعشار الشهور كلها، ومن ذلك عشر رمضان.
وفرائض عشر ذي الحجة أفضل من فرائض سائر الأعشار، ونوافله أفضل من
نوافلها، فأما نوافل العشر فليست أفضل من فرائض غيره، بل الفرائض أفضل، وحينئذ؛ فصيام عشر رمضان أفضل من صيام عشر ذي
الحجة؛ لأن الفرض أفضل من النفل.
وأما نوافل عشر ذي الحجة فأفضل
من نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحجة تضاعف أكثر من مضاعفة فرائض غيره.
وقيل أيام العشر من ذي الحجة أفضل أيام العام على الإطلاق, قال مسروق
في قوله: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) هي أفضل أيام السنة. وهذه العشر تشتمل على يوم عرفة.
وقد ثبت في (صحيح مسلم)، من حديث أبي قتادة مرفوعا (إن صيامه كفارة سنتين). وفي
حديث عبد الله بن قرط، عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: (أعظم الأيام عند الله
يوم النحر، ثم يوم القر). [خرّجه أبو داود وغيره وصححه الألباني]. وهذا يدل على أن
عشر ذي الحجة أفضل من عشر رمضان، لياليه وأيامه.
وقال بعض العلماء: أما بالنسبة لليالي؛ فليالي العشر الأواخر من
رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. لحال ليلة القدر. أو يقال: مجموع عشر ذي الحجة
أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة القدر لا تفضل عليها غيرها.
والله سبحانه وتعالى أعلم. وعلى كل فمجمل النصوص تدل على أن كل عمل في العشر فإنه
أفضل من العمل في غيره، إما سنة أو أكثر من ذلك أو أقل. والله سبحانه وتعالى أعلم
بحقيقة ذلك كله.
*. حال السلف في عشر ذي الحجة:
كان سعيد بن جبير وهو راوي هذا الحديث عن ابن عباس إذا دخل العشر
اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه. ففي رواية البيهقي (فكان سعيد بن جبير إذا
دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه). وروي عنه، أنه قال: لا تطفئوا مصابيحكم
في العشر؛ .. يعجبه العبادة. ولذا فعلى الإنسان أن يأمر أهله بالعبادة في هذه
الأيام فإنه (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
*. الإمساك عن الشعر والأظفار
لمن أراد الأضحية:
ينبغي لمن أراد الأضحية ألا يقص شعره وظفره، لما ثبت في صحيح مسلم عن
أم سلمة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم
أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا)، وأما حديث الصحيحين عن مسروق: (أنه أتى
عائشة فقال لها يا أم المؤمنين إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة، ويجلس في المصر
فيوصي أن تقلد بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس، قال: فسمعت
تصفيقها من وراء الحجاب، فقالت لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيبعث هديه إلى الكعبة فما يحرم عليه مما حل للرجل من أهله حتى يرجع الناس)،
فظاهره في أمر وطء النساء، ويبقى حديث أم سلمة عام في المنع من أخذ الظفر والشعر.
*. التكبير في العشر:
وهكذا يشرع في عشر ذي الحجة التكبير والتحميد والتهليل؛ لقوله صلى
الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام
العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) وصححه شعيب الأرنؤوط.
وصيغ التكبير كثيرة، ومنها: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله،
والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، أو (الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً).
ويستمر في التكبير يوم العيد وأيام التشريق، وقد بوب البخاري في
صحيحه: [باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة، وقال: وكان عمر يكبر في قبته
بمنى فيسمع أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتَّى ترتج منى تكبيرا. وكان
ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه
وممشاه، تلك الأيام جمعا. وكانت ميمونة تكبر يوم النحر. وكان النساء يكبرن خلف
أبان بن عثمان وعمر عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد] اهـ.
وقد قال تعالى وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ
[البقرة: 203]، وذكر الله في الأيام المعدودات قيل إنه ذكره على الذبائح. والصحيح:
أنه أعم من ذَلِكَ.
وذكر الله في هذه الأيام نوعان:
أحدهما: مقيد عقيب الصلوات. والثاني: مطلق في سائر الأوقات.
فأما النوع الأول: فقال ابن رجب: (اتفق العلماء على أنه يشرع التكبير عقيب الصلوات في هذه الأيام في
الجملة، وليس فيهِ حديث مرفوع صحيح، بل إنما فيهِ آثار عن الصحابة ومن بعدهم، وعمل
المسلمين عليهِ.
وهذا مما يدل على أن بعض ما
أجمعت الأمة عليهِ لم ينقل إلينا فيهِ نص صريح عن النَّبيّ صلى الله عليه
وسلم، بل يكتفى بالعمل به.
وقد قالَ مالك في هذا التكبير: إنه واجب. قالَ ابن عبد البر: يعني وجوب سنة]
وأول وقت هذا التكبير من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر
أيام التشريق. وقد حكى الإمام أحمد هذا القول إجماعاً من الصحابة، حكاه عن عمر وعليّ وابن مسعود وابن عباس.
وذهب أحمد؛ أن هذا في حق
أهل الأمصار، فأما أهل الموسم فإنهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر؛ لأنهم
قبل ذَلِكَ مشتغلون بالتلبية. وحكاه عن سفيان بن عيينة، وقال: هوَ قول حسن. ويمتد
تكبيرهم إلى آخر أيام التشريق
أيضاً على المشهور عنه.
والاجماع الذي ذكره أحمد، إنما هو في ابتداء التكبير يوم
عرفة من صلاة الصبح.
أما آخر وقته، فقد
اختلف فيه الصحابة الذين سماهم. فقيل إلى العصر من آخر أيام التشريق. أو إلى
الصلاة العصر يوم النحر، أو إلى صبح آخر أيام التشريق وذلك في حق أهل الأمصار.
وقد أشار البخاري إلى مسألتين من مسائل هذا التكبير.
إحداهما: أن التكبير يكون خلف الفرائض. وهل يكبر خلف
صلاة التطوع؟
فعن محمد بن علي وهو: أبو جعفر أنه كانَ يكبر خلف النوافل. وقال أكثر
العلماء: لا يكبر عقب النوافل.
واختلفوا في التكبير عقب صلاة عيد النحر: فقال مجاهد: يكبر. وعلله
بعضهم لأن صلاة العيد فرض كفاية، فهي ملحقة بالفرائض.
ومن صلى الفرض وحده فقيل: لا يكبر، فليس بالتكبير في أيام التشريق
على الواحد والاثنين، التكبير على من صلى في جماعة. وقيل بل يكبر.
ويكبر في السفر والحضر، وقال أبو حنيفة: لا يكبر المسافر إلا إذا
اقتدى بالمقيم، تبعاً له، واتفقوا على
أن الحاج يكبرون بمنى.
المسألة الثانية: أن النساء كن يكبرن إذا
صلين مع الرجال في المسجد خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز يعني: مسجد
المدينة في ليالي أيام التشريق.
وهذا يدل على أن النساء إنما كن يشهدن المساجد بالليل. ولا خلاف في
أن النساء يكبرن مع الرجال تبعاً، إذا صلين معهم جماعة، ولكن المرأة تخفض صوتها
بالتكبير.
وإن صلت منفردة، فهي أولى بعدم التكبير. وإن صلى النساء جماعة، ففي
تكبيرهن قولان.
النوع الثاني: التكبير المطلق، الذي لا
يتقيد بوقت.
وقد ذكر البخاري عن عمر وابن عمر، أنهما كانا يكبران بمنى يعني: في غير إدبار الصلوات وأن الناس كانوا يكبرون بتكبير عمر حتى ترتج منى.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما
من أيام العمل الصالح فيها أحبُ إلى الله عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر،
قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله، قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا
رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء). رواه البخاري
*. الصوم في عشر الحجة:
الصوم من الأعمال الصالحة، فهو داخل في حديث ابن عباس ـما، ولكن ثمة مسائل
يحسن التعرف عليها:
-. أولاً: ما ورد من مشروعية
تخصيصها بالصوم:
ورد في السنن وغيرها عن هنَيْدَةَ بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تِسْعَ ذي
الحِجةِ، ويومَ عاشوراءَ، وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر،
والخمِيْسَيْن. [قال الألباني: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات معروفون؛ غير هنيدة
بن خالد، وقد روى عنه جمع آخر من الثقات، وأورده ابن حبان في الطبقة الأولى من
ثقات التابعين (3/284). قال الحافظ: قلت: وذكره أيضاً في الصحابة، وقال: وله صحبة.
وكذا ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب.... وقال في الإصابة : وقال ابن منده: عداده
في صحابة الكوفة. وقال أبو إسحاق: كانت أمه تحت عمر بن الخطاب. وأما امرأته؛ فلم
أجد لها ترجمة! غير أن الحافظ رحمه الله ذكر في فصل المبهمات من النسوة من
التقريب: أنها صحابية والله أعلم].
وهذا أفضل المرويات في صومها، وورد في ذلك أحاديث ضعيفة منها: عن
حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصوم تسع ذي الحجة ويوم
عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر والخميس والاثنين من الجمعة
الأخرى)، أخرجه أبو داود وغيره قال الشيخ الألباني: (ضعيف).
وورد صوم عشر
ه عن جماعة من السلف، كما في مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عون، قال: كان
محمد (يعني ابن سيرين) يصوم العشر، عشر ذي الحجة كله، فإذا مضى العشر ومضت أيام
التشريق، أفطر تسعة أيام مثل ما صام. وعن ليث، قال: كان مجاهد يصوم العشر، قال:
وكان عطاء يتكلفها. وروى ابن أبي شيبة عن الحسن؛ أنه كره أن يتطوع بصيام وعليه
قضاء من رمضان، إلا العشر.
-. ثانياً: ما ورد في النهي عن
صومها:
وفي المقابل ورد عدم صومها ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها
قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط). ولكن مال الإمام
الدارقطني إلى تصويب أنه مرسل. ورواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم مرسلاً، وقولها رضي
الله عنها يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي
الحجة، ولذا قال العلماء: هذا مما يُتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي
مستحبة استحبابا شديدا لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة.
وأجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملا، وكان ابن سيرين يكره أن يقال:
صام العشر لأنه يوهم دخول يوم النحر فيه
وإنما يقال: صام التسع ولكن الصيام إذا أضيف إلى العشر فالمراد صيام ما يجوز صومه
منه. فالعموم يخص بالشرع.
وقيل: المراد أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما
وعدم رؤيتها له صائماً لا يستلزم العدم لأن الصوم قد لا يظهر أمره، ثم إن الصيام
من جملة الأعمال الصالحات التي يتقرب بها إلى الله في هذه العشر التي ما من أيام
أحب إلى الله العمل فيهن منها.
بالإضافة إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام قد يترك العمل الفاضل
رحمةً بالأمة. أو يحتمل حمل كلامها على الصوم الخاص كعرفة وست شوال بدليل ما قاله
أبو هريرة أنه يقضي ثم يصوم.
-. ثالثاً: استحباب صيامها
باعتبارها عملاً صالحاً بالاتفاق:
فتبين مما سبق هذا أن صيام التسع الأولى من شهر ذي الحجة دون يوم
العيد من السنة، وآكدها يوم عرفة لغير الحاج، ويليه في الآكدية يوم التروية، وهو
اليوم الثامن من ذي الحجة، ثم باقيها. والله أعلم.
فصيام العشر مستحب باتفاق
العلماء؛ حكى اتفاق العلماء: ابن مفلح وهو قول في مذهب الإمام أحمد كما نص
عليه المرداوي في كتابه الإنصاف قال: وبالإجماع
يعني يستحب صيام العشر.
وهذا الذي عليه الأئمة عليهم رحمة الله تعالى من محدثين وغيرهم، وقد
ترجموا على ذلك فترجم أبو داود في كتابه السنن فقال: باب صوم العشر. وترجم على ذلك
الإمام النسائي، وكذلك ابن خزيمة، وابن حبان وغيرهم.
ومن قال بعدم الصيام فقد خالف الإجماع، فعلى فرض عدم ثبوت صومه صلى
الله عليه وسلم لها، فقد فإن قوله عليه الصلاة والسلام, (ما من أيام العمل الصالح
فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)
فالعمدة على القول، فإذا صامها أو تصدق فيها فهو على خير عظيم.
-. رابعاً: قضاء رمضان في عشر ذي
الحجة:
يفرق العلماء بين صوم العشر، وصوم ست شوال أو صوم يوم عرفة أو
عاشوراء، لأن صوم العشر على ما تقدم من صالح العبادات، وليس فيها أمر بصيامها كما
وجد الأمر بصيام تلك،
والحث على صيامها بخصوصها، ولذا فلا يقال فيها بتقديم صومها على
قضاء رمضان، لكن حيث إن صوم القضاء من العمل الصالح لذا فيصوم من عليه القضاء في هذه الأيام أولا ثم
اذا انتهى وبقيت إيام من العشر فله صومها استحبابا والله أعلم.
وقد ثبت عن عمر رضي
الله عنه قال: لا بأس بقضاء رمضان في العشر، قال في الفتح: (بإسناد صحيح) وذلك
لفضل أيامه.
وقد روى عبد الرزاق عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال له إن على أياما من رمضان أفأصوم العشر
تطوعا، قال: لا؛ ابدأ بحق الله ثم تطوع ما شئت، وفي لفظ عنه: ابدأ بالفريضة لا بأس
أن تصومها في العشر، وهذا يدل على أنهم كانوا يصومون العشر. وعن عائشة نحوه.
وعن ابن المسيب؛ أنه
كان لا يرى بأسا أن يقضي رمضان في العشر. وقد علقه الإمام البخاري في الصحيح،
فظاهر قوله يدل على جواز التطوع بالصوم
لمن عليه دين من رمضان إلا أن الأولى له أن يصوم الدين أولا لقوله لا يصلح فإنه
ظاهر في الإرشاد إلى البداءة بالأهم والآكد.
وعن سعيد بن جبير وعن إبراهيم
النخعي، [بإسناد صحيح] قالا: يبدأ بالفريضة، لا بأس أن يصومها في العشر.
وعن عطاء، وطاوس، ومجاهد قالوا:
اقض رمضان متى شئت.
إلا أنه جاء عن علي عكسه،
فروي عنه قوله رضي الله عنه قال: من كان عليه صوم من رمضان فلا يقضيه في ذي الحجة،
فإنه شهر نسك. وعلل قوله باستحباب تفريغ أيامه للتطوع، وبذلك علله أحمد وإسحاق،
وعن أحمد في ذَلِكَ روايتان. لكن أثر علي رضي الله عنه لا يصح كما في الفتح، قال
ابن حجر: وقد روى بإسناد صحيح نحوه عن الحسن والزهري وليس مع أحد منهم حجة على ذلك.
-. خامساً: صوم عرفة:
في حديث أبي قتادة مرفوعا (صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم
عاشوراء يكفر سنة ماضية) رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
ولا حرج على من عليه صوم من رمضان، أن يصومه قبل القضاء لأنه مأمور
بصيامه بخصوص، ويقضي بعد ذلك إلى رمضان الذي يليه، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله
عنها قالت: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان. قال
يحيى بن سعيد: تعني الشغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه وسلم).
ويحرص أن يصوم معه أهل بيته، فقد نقل عن سعيد بن جبير أنه قال:
(أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة)، وحيث كان صوم عرفة (يكفر سنتين ماضية
ومستقبلة)، فقد قال بعض العلماء: إن من يوفق إلى صومه لا يموت من عامه هذا، والله
أعلم.
*. سادساً: الاعتكاف وقت كورونا:
الاعتكاف من الأعمال الصالحة وليس مختصاً برمضان، ففي الصحيحين عن
ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت نذرت في
الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد
الحرام؟. قال: فأوف بنذرك)، وفي رواية لمسلم: (أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال يا رسول الله إني نذرت في
الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: اذهب فاعتكف يوما).
واعتكاف اليوم يدخل له من قبل الفجر إلى المغرب، واعتكاف الليلة يدخل فيه من قبل
المغرب إلى الفجر.
وحيث يمنع الاعتكاف في المساجد الآن، فيمكن أن يعتكف في بيته كما
قررته في اعتكاف رمضان زمن كورونا، إلا أن صلاة الجماعة لا تسقط باعتكافه في
البيت، فيصلي مع الجماعة، ويكون هذا من أسباب الخروج، والله أعلم.
والله تعالى أسأل أن يبصرنا بالحق ويهدينا إلى سواء السبيل. وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أ.د. خالد بن فوزي بن عبد الحميد حمزة
المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة
والمتعاون مع كلية الحرم بالحرم المكي
وجامعة أم القرى ـ سابقاً