د. خالد فوزي حمزة يكتب: ذكريات عن الخال د.أحمد عادل نديم

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 20 يوليو 2020, 00:54 صباحا
  • 1823

ذكريات عن الخال

الدكتور أحمد عادل بن حسن حسين نديم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....

أما بعد..

فإن صلة الرحم من أفضل العبادات ومن أعظم ما يقرب إلى الله تعالى، وقد فرضت بمكة، وعرفت دعاية الإسلام بذلك، فإنه لما سأل عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن النبوة وما أرسله الله به قال: "أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء" [رواه مسلم]. بل ورد أن صلة الرحم من أجل الأعمال، فقد قال صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم) [رواه أبو يعلى وحسنه الألباني]، و(الأرحام): هم الأقارب من ذوي النسب والأصهار، من جهة الأب والأم، قكل من يجمعك به رحم فهو من الأرحام، ولما جاء رجل وقال يا رسول الله: أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم) [متفق عليه]، وفي الحديث المسلسل بالأولية (الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) [رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني]. وصلة الرحم من أول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء المدينة فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن جاءه فلما تأملت وجهه واستبنته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب  قال فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصِلوا الأرحام وصَلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) [رواه الترمذي وصححه الألباني].

ومن أهم الأرحام التي يصلها المؤمن (الخال والخالة)، ومن المشهور عند العوام قولهم (الخال والد) وهو منصوص حديثٍ؛ لكنه لا يصح مرفوعاً، ولا موقوفاً، لكن جاء في حديث صحيح في الحضانة (فإن الخالة أم) [رواه أبو داود وصححه الألباني]، وتوريث ذوي الأرحام حيث لا عصبة، مما اختلف فيه الصحابة فمن بعدهم، ومن أهم ما يدخل في ذلك الخال والخالة، وهذا كله تأكيد لمكان الخال والخالة في الشريعة، وثبت عن جابر رضي الله عنه قال: أقبل سعد "بن أبي وقاص" رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا خالي فليرني امرؤ خاله». رواه الترمذي وقال: كان سعد رضي الله عنه من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا خالي»، وصححه الألباني، وأورده البغوي في مصابيح السنة (فليكرمن امرؤ خاله)، بالأمر بإكرام الخال.

وقد رزقني الله تعالى بخالين وأربع خالات، وقد توفي الجميع، وآخرهم موتاً أصغرهم خالي الدكتور الصيدلي أحمد عادل بن حسن حسين نديم، والذي توفي في يوم الخميس 25/11/1441هـ، المصادف 16/7/2020م، وخالي (أحمد عادل) قد حفظ القرآن شاباً، بعد تخرجه من كلية الصيدلة، على الشيخ ياسين رشدي، وكان رباناً لأعالي البحار، ثم صار وكيلاً للوزارة، ثم استقال في عام 1983م، وتفرغ للأعمال الخيرية لاسيما في مسجد المواساة، مع ميل للتصوف، وفي أوائل السبعينات بدأ خالي يحفظ معه القرآن الكريم، حتى أتقن الحفظ جداً، وربما أخذني معه أحضر مجلس التسميع، وكنت في الابتدائي، ولما صدر كتاب الشيخ ياسين (الإسلام وأركانه)، وهو كتاب فقه مذهبي على المذهب الشافعي، وتكلم في أوله على ركن الشهادة، على نهج الأشاعرة، ونصحني خالي أبدأ بالفقه، وأترك الجزء الخاص بالشهادة، وبالفعل كان هذا أول كتاب فقه أقرأه، واستفدت منه رغم خلوه من النصوص الشرعية والتوثيق، ووجود أشياء علمت بعدها أنها خلاف السنة ولاسيما في الأذكار الموظفة، لكنه كان يعرض الفقه بطريقة سهلة، وكان معي شقيقي الأكبر المهندس (محمد ياسر)، يعاونني على الفهم والحفظ، ونرجع إلى الخال فيما عزَّ علينا فهمه. 

كان خالي رحمه الله متقداً ذكاء، وكان يسكن مع جدي وجدتي بالدور الثالث ونحن بالرابع، فكنا نسلم عليه غير مرة يومياً في ذهابنا وإيابنا، بل كان يحتبسنا لنصلي معه جماعة، ولربما لعبنا معه (الشطرنج) قبل أن نقف على حكم كراهته، والحمد لله.

تزوج خالي السيدة الفاضلة أم محمد اللبيشي، وحضرت الزواج، ووالدها من أعيان بلدهم، ورزق منها ثلاثة من الولد، نسأل الله أن يكونوا خير خلف لخير سلف.

عرفت عن خالي الإنصاف دوماً، وهذا مما كان يحبب والدي فيه جداً، وكان منذ شبيبته عاقلاً حصيفاً حريصاً على الخير، وقد سافر إلى الكويت بأهله منذ عشرات السنين، واستوطنها، وعمل هناك بالصيدلة، ومن عظيم خبرته؛ استعانت به كلية الصيدلة في جامعة الكويت لتدريب الطلبة التدريبات العملية الصيدلانية، كما كان يدرس العلوم الشرعية توازياً، وعرف بصدقه وأمانته وحسن خلقه فأحبه الجميع، وكان يراسلني يوميا ببعض الأحاديث والتصبيحات الجميلة، ولربما ذكرت له ضعف حديث أو أثر أرسله لي، فكان يسارع بمراسلة من أرسله لهم ويبين لهم أن هذا الحديث لا يصح لأن ابن أختي ذكر لي ضعفه.

لما كبر سن أمي رحمها الله صارت تنسى الأمور، وكان خالي يزورونا في الأجازات الصيفية، وما كان يعلم ذلك عنها، وذات مرة؛ كانت ثمة (صور) عند أمي محتفظة بها، فجلس خالي بجوارها، وتقول له أتعرف هذا وذاك، وهو لا يعرف، فتقول له بالتفصيل هذا كذا وكذا، وأذكر أن أرته صورة جدهما (حسين نديم)، فما عرفه؛ فقال هذا "سعد زغلول" لأنه كان شبيهاً به بطربوشه الأحمر، فقالت بل هذا جدنا المهندس حسين نديم خريج أول دفعة من مدرسة [المهندسخانة] والتي تحول اسمها لاحقاً إلى [كلية الهندسة]، وكانت تيك الدفعة أربعة مهندسين فقط ومنهم جدنا، واستمرت تحكي له على باقي الصور، ومنها صورة للدكتور محمد الجربي، سليل جدنا (علي أبو النور الجربي) الواعظ بمصر، وهو من مواليد الإسكندرية، وكان من آل البيت، ويرجع أصله إلى (جربة) بتونس، ومازالت تحدثه حتى جاء وقت صلاة العشاء، فطلب مني نصلي جماعة، فصلينا ثلاثتنا، وقدمته للإمامة كما كنت أفعل دوماً، وبعد الصلاة بدأ يعاتبني في الزعم بنسيان أمي، وقال ما شاء الله على ذاكرتها، فقلت تذكر القديم دون الحديث، فقال ما أظن، فقلت له: سلها هل صلت العشاء، فسألها فصدمته بقولها لا أعلم، فقال: صليت معنا يا [أبله] ليلى الآن، فقالت: طيب إذن صليتها!!، وعندئذ وجدت في عيني خالي نظرة ما رأيتها قبل ذلك، من الحزن، وترقرقت الدموع في عينيه، وانصرف سريعاً، فقد كان يحب أمي جداً، ويستشيرها في كل أموره حتى في حياة والديه. رحم الله الجميع.

صبر خالي رحمه الله على المرض الذي ألم به في أخريات حياته، وكان منجمعاً عن الناس، حتى توفي، وقد عزيت أرملته وبناته، وأوصيتهم ألا يدفن إلا في مكان موته، وذكرت لهم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (توفي رجل بالمدينة ممن ولدوا فيها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ليته مات في غير مولده فقال رجل ولم يا رسول الله فقال إن الرجل إذا مات غريبا قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة)، وهو حديث حسن أخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان وأحمد، وحسنه الألباني، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة في الكويت، ودفن هناك، ولايزال الخيرون يدعون له.

رحم الله خالي، وجيع أموات المسلمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

والله أعلم،  وبالله التوفيق.           

كتبه:
أ.د. خالد بن فوزي حمزة

تعليقات