رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

قراءة نقدية للدكتور حسين مناور حول قصيدة "يا هاجري"

  • أحمد عبد الله
  • الخميس 16 يوليو 2020, 01:55 صباحا
  • 1224


بين يديّ قصيدة نثرية للشاعرة غادة عزَام ، موسومة بعنوان (يا هاجري). سأقدم قراءتي النقدية المتواضعة لهذه القصيدة ، وأتناول بها ثلاث نواحٍ ؛ الأولى (النزعة السردية ) ، الثانية ( معجم القصيدة) ، الثالثة (التقنية اللغوية التأثيرية ).

#ياهاجري 

تسائلني ذات العين عن 

مرودها 

تكحّلت به بنات الصدر 

في أفق ظلمتها 

يا هاجري

كفاك بمتيّم 

أضناه

الشوق وجعا 

راح فالورى 

يرجو ترياقا 

يجود بالوصل 

رفقا بمدنف 

سامر الليالي 

يرقُ بالقرب 

ويشفق 

عليه الشوق في الجفا 

جاء يشكو حاله 

لطيفٍ يُحلِّق 

في الخيال

أما أضناك ظمأ رمق

نال مني

وما تبقى ..

أشكو إليك لهفتي 

وما أنصفت 

بي قربا 

أتظن أنك بالبعد 

أفردتني 

ما أقام العشق 

في قلوب 

دارت على الوجع 

متناهية 

كفاك بهجر 

أفاض مدمعي 

أقلق الصمت 

في صراخ خافقي 

اقترب 

واحضن ما تبقى من 

الأيام 

قد تعود يوما 

نادما

فوق مرقدي 

🦋🦋🦋🦋


وأبدأ بالجانب السردي ، إذ جاء الاستهلال بالهجر والصدود (يا هاجري )، وختمت الشاعرة بنهاية قُصوى ، ما بعدها بعد ،وهي القبر (فوق مرقدي) . إذن نحن أمام نص له بداية ووسط وخاتمة ، يتنامى على نحو سردي ، فكل مرحلة فيه تفتقر لما بعدها ، إذ تقدم الشاعرة ما يجب تقديمه من الأحداث ، وتؤخر ما يجب تأخيره ، من دون استرجاع أو استشراف أو انعطاف ، من شأنه أن يصرف القارئ الى لذّة المتابعة ، فحينا تضعه الكاتبة موضع المترقِّب ، وحينا يتولّى جانب التنبؤ ، ويشارك في الاستباق الاستكشافي لما يجري ؛ خلافا لخداع القارئ ، فالخداع أجمل وألذّ في النصوص ذات الميل السردي . فالقارئ تثيره المباغتة والصدمة والمخالفات المرورية ، مع ذلك اتخذت الحكاية دربا سهله ؛ لاجتذاب القارئ.

كي نتعرف على التدرّج السردي في النص الشعري ؛ فإننا نستعرض أبرز المحطات الحدَثيّة المتتابعة . يأتي الصدود والهجران كبذرة أولى للنص ، أو قُل صفر الحكاية ، يليه حوار العين والمرواد ، وما رافقه من محنة بنات الصدور ، بعد ذلك تتوسع الشاعرة بعرض الخسائر الوجدانية التي مُني بها المهجور ؛ بسبب صدود الهاجِر . فالمهجور مُتيّم ، مُضنى ، لَديغ يبحث عن ترياق ، ومُدنَف ، لا يخفي جراحه ، عليلٌ وغليل ، يتوق الى الوصال . وفي دفقةٍ وجدانية تالية وفي حينها ومكانها ؛ المهجور يعاتب الهاجر ، يلوم ... ثم يتصعّد الحدث أكثر فأكثر ، ويتأزّم عَبر الاحتجاج والتقريع ( أتظن أنك أفردتني ) ، والاستنكار ( كفاك) ... ثم نشهد تخفيضا ملموسا بمستوى التوتّر عَبر الاستجداء ( اقترب ) ، يعقبه مباشرة مزيجٌ وجدانيّ غريب ، مكوّن من الرجاء والاستعطاف والتأنيب والوعيد ( قد تعود يوما نادما فوق مرقدي ).

التنامي السردي أثرى النص الشعري إثراءً تراكميا ، والأحداث تحتفر مجراها نحو الخاتمة على نحوٍ منطقي ، باستثناء مواجهته حَمأة الاضطراب والارتباك ؛ صعودا وهبوطاً ؛ مما يعادل الحالة النفسية للمهجور ، وبما يُضفي على النص نكهة فنية ، أشبه ما تكون بالإيقاعات الضوئية المتفاوتة والسريعة في الظلام .

ومن كمال الحديث عن الجانب السردي ؛ فإن كاتبة النص كتمت حالة، تسبق الهجر والصدود ، وهي عهد الصفاء والتلاقي ، غير أنها أعطت القارئ مهمة استرجاعها ، وبسهولة تكشف المواضي العذبة التي لم تدم طويلاً ، من خلال نقيضها المرفوض ، المتمثل بمظاهر النكران والجحود التي تشكل عناصر النص برمّته . على أن كتمان الحالة والاستعاضه عنها بما يستدعيها نهج إبداعي ، يثير الأشياء ولا يقولها .

ثانيا : مُعجم النص ، لا يَخفى المُناخ النصيّ المنعكس بمواجع مهجورٍ من ظلم هاجر . فإذا تهجِّينا الفاظ النص ، نجد أن الشاعرة توفّقت باختيار الكلمات التي تبثّ هذا المُناخ القائظ ، فتارة يتعادل اللفظ مع معناه ، وتارة يشير الى معناه ، بما يشبه القدرة الإشاريَّة أو الإثاريِّة . ونُورد من المعجم ما يمثلهُ ( هاجر ، العين ، مُتيَّم ، أضناه ، وجع ، شوق ، ترياق ، مُدنف ، وَصل ، يَشفَق ، جفا ، طيف ، خيال ، ظمأ ، ما أنصف ، لهفة ، أفردتني ، بُعد ، هجر ، مَدمعي ، صُراخ ، خافق ، نادم ، مَرقدي ). فهل هذه الألفاظ قادرة على إثارة المُناخ المشحون ؟ الجواب نعم ، فالقصيدة مُعجم صغير لألفاظ المُعاناة و المُكابدة ، كما أنها ثريَّة بقدرتها الإحاليَّة على دِلالاتها .إلا أن هذا المعجم موجود في الذاكرة الجمعيَّة مسبقا ، أو قل درباً لفظيَّة لعامَّة الموجوعين . كان من البِرّ أن تستخدم الشاعرة معجما ذاتياً ، من إِنتاجها الخاص موسوماً بالمُغايرة لا بالمسايرة .

ثالثا : التقنية اللغوية التأثيرية ، ونقصد بالتقنية اللغوية أداة الشاعر اللغوية في انتهاك المألوف والمأنوس وكشف الماوراء ، واللّوائذ وتحريك الراكد عند الهاجِر ، إذ استخدمت الشاعرة تقنيات ميكانيكية مباشرة ، تقرع السمع فقط، لا تقنيات كيميائية تحويلية تغوص في النفس . وفيما يلي أعرض بعضا من تقنياتها : ( النداء ، يا هاجري ) ، ( توصيف الحالة عبر جمل خبرية )، التقريع ( كفاك ) ، الطلب ( رفقاً ) ، التساؤل ( اما أضناك ) ، النفي ( ما أنصفت ) ، التشكيك ( أتظن ) ، الأمر ( اقترب ، احضن ) . 



تعليقات