رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

مزاد السجادة القديمة.. قصة قصيرة للكاتب أحمد فاضل

  • جداريات 2
  • الثلاثاء 14 يوليو 2020, 1:49 مساءً
  • 868
الكاتب أحمد فاضل

الكاتب أحمد فاضل

لم  يتبق  شيء من أثاث بيتنا، إلا وتم بيعه لسداد الصرفيات الخاصة التي  احتاجها  والدي  لإنقاذ  والدتي  من  مرضها  الخبيث الذي بدأ يجرها تدريجياً  نحو  الموت، أساورها  وأساوري الذهبية،  التلفاز، المكتبة، طقم  الجلوس المصنوع من الخشب والمحفور عليه  اسم  والدي من  صديقه  أسطة  علي النجار ،  وتحفيات  مصنوعة   من الفضة تعود لجدي تركها لأبي وهو يقول له قبل موته:

- اعتن بها خليل ، هذه تركة عظيمة لا تقدر بثم .

ولما باعها  أبي بكى، لأنها لم تستطع أن تفي حق علاج والدتي التي بقي لها من العلاج الكيمياوي غير جلسة واحدة، بعدها يقرر الطبيب المختص الحالة العامة لها.

لم  يتبق  في  صالون  بيتنا  غير  سجادة  قديمة  تعود لجدتي وطبلة مصنوعة من الألمنيوم والزجاج ، قال عنهما أبي:

- وداد ، غداً  سيأتي  من  يشتري  هذه  السجادة، حاولي  تنظيفها، أما هذه الطبلة فقد يأخذونها مع السجادة إذا عجبتهم .

- ولكن ، يا أبي، السجادة هي آخر ما نحتفظ بها  من ذكرى الأجداد.

- ما باليد حيلة يا ابنتي، يجب تسديد آخر قسط للمستشفى.

نظرت وداد إليها، خاطبتها:

- كم  يحزنني  بيعكِ  صديقتي  الأثيرة،  هل  تذكرين  تلك   الطفلة الصغيرة  التي  كثيراً  ما لعبتُ  فوقكِ ، وعندما كان يغالبني النعاس  أنام كأنكِ سحابة بيضاء تلفينني بخيوطكِ الناعمة.

في  اليوم  التالي  حضر  ثلاثة ممن سيُقيمون مزاداً لشراء السجادة بينهم وبدون جمهور ، قال الأول:

- من  المواصفات التي أعلنت عنها سيدي، تبدو مختلفة، فهي في حالة يرثى لها.

قال الثاني:

- المهم أني سأدفع بها  خمسة وعشرين ألف دينار.

أجابه الأول:

- أنا سأزيد عليها، سأشتريها بثلاثين ألفا .

أما الثالث فقال:

- أما أنا، فلن أزيد عليها سوى ألف دينار.

كنتُ  أختبئ  بعيداً  عنهم،  لكن  دموعي  انهمرت وهي تشهد سوق النخاسة  هذا  بتُجّاره الثلاثة  وكأنهم  يزايدون  على  شراء جارية، فكظمت غيظي  ودعوت  الله  أن لا تتم هذه  البيعة، مع ما نحتاجه من  مال  لتسديد  ثمن  علاج  والدتي.

ومع  احتدام  الصراع  حول  شرائها  تقدم  والدي  لفتح  الباب  بعد  سماعه  طرقاً  عنيفاً  يخرج  منه،  إنه خالي الذي جاء من أقاصي الأرض ليرى شقيقته:

- مرحباً بك وليد، اشتقنا إليك.

- لكن قل لي ، ما هي أخبار شقيقتي؟

- لم  يتبق لها سوى جلسة واحدة من علاجها الكيمياوي والباقي على الله.

- ونعم بالله، ولكن من هؤلاء؟ وما هذه الجَلبَة التي يحدثونها؟ 

- إنهم تجار جاءوا لشراء هذه السجادة.

هنا صاح بهم وليد بعد أن سلم عليهم:

- أما أنا يا سادة فسأشتريها بمئة ألف دينار.

فغر  الثلاثة أفواههم ، ثم سحبوا  أقدامهم  باتجاه  الباب الرئيسي  وهم  ينظرون  إليه بشزر ، بينما انطلقت وداد تلف بيديها خصر خالها تحييه وتنظر بفرح نحو سجادتها..

تعليقات