حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
الكاتبة اندلس رشدي
الترجمة هي فعل معرفي في المقام الأول، بل يمكننا القول إنَّه علم معقد
ومركب للغاية، ولذلك فإنه من الضروري أن
تتم عملية الترجمة من قبل المترجم، في إطار معرفي شامل وجامع في نفس الوقت.
وفي واقع الأمر، فإن الترجمة في حد ذاتها، ما هي إلا كتابة جديدة للنص، ولكن
بشرط أن تكون موازية له، ومماثلة له في المعنى، أو بمفهوم آخر فهي إبداع لنص موازٍ، ولكن دون التعدي على
الأصل.
ومما لا شك فيه أن عملية الترجمة، ما هي إلا مزيج من النشاط اللغوي والنشاط
الفكري على حد سواء، فلا يمكن أن تستقيم
تلك العملية بأحد هذين النشاطين دون
الآخر، لذلك فإنه من الضروري أن يجمع
المترجم بين فنون هذين النشاطين بشكل جيد ،وذلك
حتى
تأتي الترجمة مرآة صادقة للنص الأصلي ، ومقاربة له بشكل كبير.
وبلا شك فإن المترجم يقع عليه
العبء الأكبر في تنفيذ تلك العملية بصورة
جيدة ، فهو الوحيد الذي يستطيع أن يخلق
عالما موازيا للنص الأصلي، دون إخلال بمضمونه أو سياقه اللغوي أو لغته السردية،
ودون أي تبديل لمعطياته وأساسياته
الأيديولوجية ، ولذلك فإنه من الضروري أن
يكون المترجم مُلِمَّا بلغة النص الأصلي ،ولغة
النص المُترجَم على حد سواء.
ومن ناحية أخرى، فإن المترجم حينما يدخل في آفاق نص معين، فلابد أن يضع نصب
عينيه، أنه لن يخرج للمتلقي بنص مواز للنص
الأصلي من ناحية اللغة فقط ،ولكنه لابد أن يكون موازٍ له أيضا في حركة الأحداث المكونة لذلك النص بشكل كبير.
ولا شك أن للترجمة فوائد جمة، لا نستطيع أن ننكرها بأي حال من الأحوال، فهي تعبر بنا إلى ثقافات جديدة، وإلى أيديولوجيات متنوعة، مما يساهم بدوره مساهمة
فعالة في توسيع المدارك وتغذية العقول،
فتتسع بذلك رؤية القارئ لما يدور حوله من
أحداث عالمية، ما كان بالإمكان أن يُلِمَّ بها ، لولا قراءته لتلك النصوص المترجمة
على اختلاف مضامينها وأهدافها ونوعياتها.
كذلك فإن للترجمة دورا مهما في
القضاء على العزلة الثقافية بين الشعوب، ولنضرب في ذلك مثلا برواية (قواعد العشق الأربعون) للكاتبة
(إيليف شافاق) تلك الرواية التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، فأنَّي لنا أن نقرأها قراءة جيدة،وأن نستوعب أحداثها استيعابا صحيحا، دون أن يكون بين أيدينا ترجمة
صحيحة لتلك الرواية، التي تسرد من خلالها الكاتبة قصتين متوازيتين، إحداهما تجري
أحداثها في الزمن المعاصر، والأخرى في القرن الثالث عشر الميلادي، وذلك عندما
واجه العالم الصوفي جلال الدين الرومي
مرشده الروحي شمس الدين التبريزي.
وأنَّي لنا كذلك أن نقرأ رواية الخيميائي للكاتب العالمي (باولو كويلو) تلك
الرواية التي تتحدث عن راعٍ أندلسي شاب
يدعى(سانتياغو) ذلك الذي يبحث عن حلمه المتمثل في كنز مدفون قرب أهرامات
مصر،وذلك دون أن يكون بين أيدينا ترجمة
واعية وصادقة تقارب النص الأصلي بشكل كبير.
والجدير بالذكر أن هناك بعض الصعوبات التي تواجه المترجم في أغلب الأحيان ،فهناك بعض المصطلحات الأجنبية التي لا يجد لها المترجم ما يقابلها في اللغة
العربية، فهو يكون بذلك أمام خيارين لا ثالث لهما ،فهو إما أن يستخدم لفظا
عربيا مقاربا تماما لذلك اللفظ الأجنبي ،بشرط
ألا يحيد عنه في الفحوى والمضمون بأي شكل
من الأشكال ،وإما أن يترجمه ترجمة حرفية حتى ولو كانت ثقيلة على
الذائقة العربية ، هنا بلا شك تكمن الصعوبة في المهمة الملقاة على عاتق المترجم،
الذي يجب أن يكون أمينا ومحايدا تماما حينما يتناول أي لفظ، أو أي نص بالترجمة.
وهناك إشكالية أخرى تواجه المترجم
فهو عندما يقرأ النص الأصلي لأول مرة ، يشعر
وكأنه قد ألمَّ به إلماما كبيرا، ولكن عندما يأتي دوره في ترجمة ذلك النص ،يحدث عكس ما يتوقعه تماما ، وحينئذ يكتشف أن
ترجمته قد جاءت مغايرة تماما للنص الأصلي، ولذا فمن الواجب عليه
في تلك الحالة أن يعيد قراءة النص الأصلي مرة أخرى، وأن ينظر بعين الاعتبار إلى
مضمونة نظرة أكثر شمولية، تستطيع أن تخدم أهدافه في إنتاج نص مُتَرْجَم يقارب النص الأصلي تماما من حيث
المعني ومن حيث تسلسل الأحداث بصورة دقيقة.
ومن نافلة القول نستطيع أن نؤكد على أهمية الدور المنوط به المترجم في عملية الترجمة ، الأمر الذي يستتبع معه ضرورة أن تتم الترجمة في إطار لغوي مدروس بعناية فائقة ،وذلك حتى يلقى النص المُترجَم قبولا لدي القارئ الذي يهتم بقراءة الترجمة الصحيحة الواعية لأي نص من النصوص.