حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
مسألة تناسب شهرة العالم أو المفكر مع قيمته الفعلية فى العلم تحظى
بعدد كبير من التناقضات ونستطيع القول بأن الشهرة العامة ( الشهرة بين سائر الناس
) تحظى بتناقضات كبري تجعلها مختلفة عن الشهرة النخبوية ( الشهرة بين أهل التخصص )
فهناك العديد من كبار العلماء والمفكرين فى كافة التخصصات أخذوا حقهم
الوافي من الشهرة والسمعة العلمية عند النخب وعند العوام على حد سواء ويكون هذا
راجعا بالأساس إلى أهمية مجال تخصصهم لحياة الناس فضلا على وجود تلاميذ وأصحاب
لهؤلاء العلماء تمكنوا من نشر علمه وشرحه والإضافة إليه مما جعل أستاذهم فى بؤرة
الضوء عبر التاريخ ..
مثل علماء المذاهب الخمسة الفقهية فى الإسلام حيث ظهر للعلماء الخمسة
أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وأبو داوود الظاهرى من قاموا بنشر علمهم وحفظه فاستمرت مذاهبهم عبر
العصور وهؤلاء التلاميذ هم أبو يوسف والشيبانى وزفر أصحاب أبي حنيفة , والشافعي مع
مالك والبيهقي مع الشافعي وأصحاب أحمد بن حنبل ومنهم أولاده والعلامة ابن حزم مع
أبي داوود الظاهرى , ..
لكننا نجد علماء جهابذة يساوون المشاهير وأحيانا يتفوقون عليهم فى
العطاء العلمى لكن تراثهم العلمى أصبح مفقودا لعدم وجود من حفظه ودوّنه , ومثالهم
فى تاريخ الإسلام كثير مثل الإمام العلم الليث بن سعد العالم المصري الذى قال عنه
الشافعي أنه أفقه من الإمام مالك نفسه لكن أصحابه ضيعوه لأنهم لم يدونوا علمه
ونجد أيضا فى التاريخ أسماء علمية حازت شهرة كبيرة أكبر كثيرا من
قيمتها الحقيقية رغم أنهم يستندون فى علمهم هذا إلى علماء أعلى منهم بمراحل ولكن
غير معروفين للعوام بل معروفين لعلماء المجال وحده
ولتوضيح العلاقة بين الشهرة والعلم سنضرب لها مثالا من ظواهر الفلك
..
فالصورة الأولى سنجد أمامنا فى المجال العلمى بالنسبة للشهرة علماء جهابذة
حازوا الشهرة المستحقة لهم على مستوى العوام والخواص .. وهؤلاء كالشمس ذات ضوء
ساطع وغالب لا يناهزه غيره ويصل لكافة الناس
والصورة الثانية سنجد علماء جهابذة لكنهم غير معروفين للعوام بل
للخواص وحدهم وهؤلاء كالنجوم البعيدة جدا لا يراها الناس ولا يعرفونها بينما
يعرفها علماء الفلك بالتلسكوبات الفضائية ويدركون حجمها وقوتها الغائبة عن الناس
والصورة الثالثة سنجد تلاميذ يحوزون شهرة كبيرة لا تتناسب مع علمهم
القليل رغم أن هذا القليل أصلا مأخوذ من علماء عمالقة غير معروفين للناس ..
ومثال هؤلاء كالقمر يستند فى نوره الساطع لغيره ويلمع للناس جميعا
ولمعانه هذا لا يتناسب مع حجمه الضئيل ولا قدراته لكن نوره القريب من عيون البشر
يحجب نور النجوم الساطعة من خلفه لكونها بعيدة جدا عن مجال رؤية الناس على الأرض ,
ولا يعرف الناس هذه النجوم المختفية خلف ضوء القمر الكاذب إلا إذا اختفي القمر
وعندئذ تظهر النجوم البعيدة مرشدا وهاديا لمن ضل الطريق
نخلص من هذا إلى حقيقة مهمة جدا لحياتنا , وهى أن معيار الشهرة غير
صالح لقياس حجم العلم مطلقا , إلا إذا كانت تلك الشهرة , شهرة نخبوية بين أهل
العلم ذاتهم , عندئذ تكون شهرة حقيقية , أما شهرة العوام فغالبا ما تكون لأسباب
أخرى ليس من بينها القيمة العلمية