رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

د. خالد فوزي حمزة يكتب: الفجر فجران

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 08 يوليو 2020, 5:52 مساءً
  • 1291


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..

أما بعد .. فقد روى مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا» وحكاه حماد بيديه، قال: يعني معترضا، [صحيح مسلم (2/ 770 - 1094)].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام"، [أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1/52/2) وعنه الحاكم (1/425)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 307 ـ ح693)].

وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفجر فجران، فجر يقال له: ذنب السرحان، وهو الكاذب يذهب طولا ولا يذهب عرضا، والفجر الآخر يذهب عرضا ولا يذهب طولا"، [أخرجه الحاكم (1/191) وعنه البيهقي (1/377)، وقال الحاكم: "إسناده صحيح"، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/ 8 ـ ح2002)].

فهذه النصوص تشير إلى أن الفجر فجران، الأول وعلامته الكونية انتشار ضوء رأسياً وليس معترضا بالأفق، وأنه لا يمنع الطعام والشراب في الصوم، لكنه لا تشرع فيه صلاة الفجر، وهو الضوء الذي لا ينتشر، ويظهر مستطيلا دقيقا يتجه إلى السماء وعلى جانبيه ظلمة؛ والآخر هو الفجر الصادق وهو أول ظهور ضوء الشمس غير المباشر السابق عليها والذي يظهر من جهة المشرق، ثم ينتشر حتى يعم الأفق جميعه، ويصعد إلى السماء منتشرا، وهو الذي يمسك فيه الصائم وتحل به صلاة الفجر.

ويمتد وقت الصبح (الفجر) إلى طلوع الشمس. وقال المالكية: إن للصبح وقتين، الأول اختياري وهو من طلوع الفجر الصادق ويستمر حتى الإسفار المبين - أي ظهور الضوء الذي تبدو به الوجوه بالبصر المتوسط في المكان المكشوف ظهورا بينا، وكذلك تختفي فيه النجوم، والثاني ضروري، وهو الوقت الذي يلي ذلك الوقت الاختياري ويستمر إلى طلوع الشمس.

وقد كنت أسمع منذ شبابي أن توقيت الفجر في التقاويم غير منضبط، وأن ثمة ثلث ساعة مبكرة عن من دخول وقت الفجر الصادق، ثم وقفت على أصل هذا الأمر، فقد ذكر ذلك ابن حجر في الفتح: قال: "تنبيه من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة فلذلك قل عنهم الخير وكثير فيهم الشر والله المستعان" اهـ [فتح الباري لابن حجر (4/ 199)]

لكن في إبان مقدمي من جدة للسويس منذ نحو تسع سنوات صيفاً أردت عندما اقتربنا من السويس أن أشهد الفجر بنفسي، فعلوت سطح السفينة وظللت أرقب المشرق، وسمعت أذان السفينة المتوافق ع أذان السويس، ثم رأيت الكاذب الذي لم ينتشر ثم رأيت الصادق كخط عريض قليلاً في الأفق وومض ثم استقر وبدأ ينسلخ الليل فوقه وأسفل منه، وجهة الغرب كانت لاتزال مظلمة ظلمة حالكة، ووجدت أن الفارق بين طلوع هذا الفجر الصادق وبين الأذان الذي بالسفينة هو (39 دقيقة) تقريباً، فوقع في خلدي أن التقويم لم يعتمد الاحتياط البدعي الذي ذكره ابن حجر، بل زاد مثله عليه!

وقد ذهبت وقتها مع والدي رحمه الله لدار الإفتاء لعلي أحظى بمقابلة فضيلة المفتي لأبين له هذا الذي رأيت إلا أن مدير مكتبه بعد الانتظار نحو الساعة اعتذر لانشغالهم!!

كما أن هناك تقريب آخر في التقاويم، ذكره الدكتور حسين كمال الدين وهو: أن حساب كل من وقت المغرب والشروق، قد حسب على أساس وصول مركز قرص الشمس إلى دائرة الأفق، وسبق أن علمنا أن نصف قطر الشمس يستغرق من دقيقة إلى ثلاثة دقائق تقريبا لإتمام هبوطه تحت الأفق، ولذلك جرت العادة في بعض النتائج عند حساب هذين الوقتين إلى إضافة خمس دقائق عند حساب وقت المغرب، وطرح خمس دقائق من حساب وقت الشروق، ويعتبر ذلك للتمكين للوقت [مجلة البحوث الإسلامية (العدد3/ ص329)].

وذكر أيضاً أنه في حساب كل من وقت الفجر والشفق، يلاحظ أن كلا من هذين الوقتين ليس ثابتا على مدار السنة، ولكنه يطول ويقصر بين الصيف والشتاء، وأما الحساب السعودي فإنه يعتبر هذين الوقتين ثابتين، وأن وقت الفجر يساوي ساعة وخمس وعشرين دقيقة، بينما وقت الشفق يساوي ساعة ونصف، ويزداد وقت الشفق في خلال شهر رمضان إلى ساعتين، وهذا خلاف للواقع الفلكي.

والآن بعدة مواقع بالشبكة نجد من يشكك في وقت انفجار الفجر في السعودية أيضاً، ويقول إنه يؤذن له قبل وقته بدقائق.

وأيضاً فالفلكيون في تنازع في حساب دخول الفجر هل يحدد باعتبار درجة ميل الشمس تحت الأفق بـ18 درجة)، أو بزيادة نصف أو بزيادة درجة كاملة!!!

ومما يؤكد وجود نوع خلل في التقاويم الآن، أننا نلحظ في هذا الشهر الأفرنجي (يوليو) ومن يضع سنوات كان يصادف شهر رمضان المعظم أن أذان القاهرة والإسكندرية يرفع في الفجر قبل أذان مكة المكرمة، فهم يتسحرون ونحن نصلي، في حين في صلاة المغرب نفطر بعدهم بنحو ساعة إلا قليلاً، بل وأذان باقي الصلوات أيضاً نتأخر عنه قريب ذلك، فكيف نتقدم عليهم في صلاة الفجر؟؟؟

ولو قيل بالاختلاف حسب خطوط الطول لكان وقت الشروق القريب من الفجر كذلك لكننا نجد ان الشروق بمكة قبل الشروق بمصر

بل جدة يؤذن الفجر فيها بعد مكة بنحو ثلاث دقائق

كما نجد الفارق قائما مع ما كان في نفس خط العرض أو قريب منه كأسوان مع مكة

فالاشكال لايزال قائما على كل الاحتمالات

ولذا فأنا أعمل بالاحتياط في الصوم فأمسك على توقيت تقويم مصر الذي أتوقع خطأه، ولكن أصلي قبل وقت الشروق بنحو ساعة وربع لأحتاط في الصلاة أيضاً، وأرجو أن يكون ذلك صلاة في أول الوقت

 وكنت في سفرة ماضية مع والدي رحمه الله لإجراء عملية بعينيه بألمانيا؛ فكنت أحتاط كذلك في الصلاة، فاصلي الفجر قبل الشروق بنحو هذا لأنه يمكن معرفة الشروق هناك ولا يحتاج الأمر إلى كبير معرفة والله أعلم

إن أركان الإسلام التي فرضها الله على المسلمين؛ لم يحوجنا الله فيها لاتباع طائفة قليلة ممن يحسن الحساب الفلكي، بل جاء نفي ذلك كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا» يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين، ولانحسب) أي: الحساب الفلكي، فالأمر متيسر بدون الحسابات الفلكية هذه، ولذا فأطالب الجهات المسؤولة بسرعة النظر في ذلك، فإن هذا يتعلق بصحة ركنين من أركان الإسلام، الصلاة والصوم.

وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

د. خالد فوزي عبد الحميد حمزة

الأستاذ المشارك بجامعتي العلا ومينيسوتا حالا

 والمدرس بدار الحديث بمكة المكرمة وكلية الحرم المكي وجامعة ام القرى سابقا

تعليقات