د. محمد جاد الزغبي يكتب: أكبر درس لقنه علماء الإسلام للعالم

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 08 يوليو 2020, 01:56 صباحا
  • 1045

 

بالرغم من أنها دروس لا حصر لها فى الواقع, إلا أننى أنتقي من مجالات نوابغ العرب مجال علم الحديث, وبالتحديد فرع ( علم الرجال ), وهو الفرع الذى كان يتخصص فيه أشد علماء الحديث ثقة وعدالة ليحكموا على صلاحية الرواة إن كانوا صادقين أم لا, وفى هذا العلم عجائب حقيقية من كمية الحيادية المهولة التى كان يتصف بها أولئك العلماء، حيادية معجزة حقا.

وقد كانوا يردّون شهادة أبنائهم أو آبائهم بلا أدنى غضاضة إذا ثبت لهم أن هؤلاء الآباء أو الأبناء ضعاف فى الرواية أو من غير ذوى الثقة, فأحدهم سـُـــئل عن أبيه فقال : ( أبي رجل ضعيف فلا تأخذوا عنه ) والثانى سُـئل عن ابنه فقال : ( ابنى كذاب ).

ومن بين عشرات القواعد الجليلة فى هذا العلم , اخترت قاعدة بالغة العمق وشديدة الفهم لطبيعة النفس الإنسانية , وهى قاعدة (لا نقبل شهادة الأقران فى بعضهم البعض).

هذه القاعدة ليست عظيمة فى صياغتها فحسب بل فى تطبيقها أشد عظمة بكثير , ومعنى القاعدة باختصار أن علماء الجرح والتعديل عندما كانوا يتحرون عن عالم أو رواية حديث ليكتبوا سيرته الذاتية ويسجلوا مميزاته وعيوبه , كانوا لا يقبلون الشهادات السلبية التى من الأقران أى من الذين على مكانة واحدة فى السن والعلم وحدث بينهم الإحتكاك التنافسي المعروف بين أصحاب الجيل الواحد.

وبلغت حيادية التطبيق , أن العلماء طبقوها حتى على أكابر علماء الحديث.

أولئك الذين لا يمكن لواحد منهم أن يشهد على أحد بالسلب أو الإيجاب شهادة زور أو حتى شهادة متحاملة , ومع هذا تم تطبيق القاعدة عليهم بلا استثناء , ورفضوا مثلا شهادة أحمد بن حنبل فى الحارث المحاسبي , ورفضوا كذلك شهادة مالك بن أنس نفسه فى صاحب السير والمغازى ابن اسحاق !

وكل طالب علم أو حتى قارئ عادى يدرك من هو الإمام أحمد بن حنبل ومن هو مالك بن أنس , فكلاهما ماركة مسجلة فى مجال الحديث وكلامهم دستور فى هذا الفن , وفوق هذا كانوا أفضل الناس فى زمانهم ــ بشهادة معاصريهم ــ فى التقوى والدين والأخلاق , ورغم هذا فالقانون قانون , وطالما كان الحوار فى مجال علم خطير كعلم الحديث فلا مجال لإستثناء أحد مهما علا شأنه !

طبقوا هذه المعايير على حياتنا الحالية, ودعونا نلطم فى صمت!

تعليقات