باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
غلاف كتاب "كيف ترد الشبهات بالحوار العقلي وحده"
أصدرت دار يسطرون للطباعة والنشر، طبعة من كتاب "كيف ترد الشبهات بالحوار العقلى وحده"، للكاتب د. محمد جاد الزغبى حيث يقع فى 300صفحة.
يذكر الزغبي أن الحالة الإعلامية الراهنة، رأى بها انقسامًا واضحًا بين من يؤيد التيارات التكفيرية وبين تيارات أخرى، تطعت في دين الله سبحانه وتعالى، وكذلك تطعن في الثوابت، تحت مسمى محاربة الإرهابي.
وتابع المؤلف، لهذا فكرت فى كتاب يشمل حوارات تفاعلية يعالج كافة الشبهات التى استغلتها جماعات الإرهاب لشرعنة إرهابهم، وأيضا يعالج على الجانب الآخر كافة شبهات الطاعنين فى الثوابت، وذلك بأسلوب الحوار المنطقى والاستدلال العقلى الى جوار الأدلة العلمية الصريحة،وهو ما أتمنى أن يؤدى دوره فى عرض الحقيقة أمام جيل كامل من الشباب يعجز عن الوصول إليها عبر المراجع الكبرى والأكاديمية.
يقول الزغبي في مقدمة كتابه، بعد أن قارنت مقارنة سريعة بين الإسلام عندنا نحن العرب فى العصر
الحالى , وبين إسلام أهل الشرق والغرب , فى آسيا وإفريقيا وأوربا وأمريكا , خرجت
من فمى عبارة تلقائية وهى :
إذا أردت أن تجد الإيمان غضا كما نزل ,
فابحث عنه فى غير أرض العرب
فالذى يشاهد مثلا الداعية أحمد ديدات رحمه الله , وتلميذه الدكتور
ذاكر نايك ويلحق بهم على منهجهم الداعية الكويتى الأشهر عبد الرحمن السميط وغيرهم
من آلاف الدعاة ويري فيهم مدى العزة والفخر الذى تنبض به كلماتهم عن الإسلام , لا
فخرا بأنفسهم بل فخرا بالإسلام واستصغارا لشأن أشخاصهم أمامه ويري فيهم الحرقة
والهمة العالية والتضحية
ثم يقارن هذا بميوعة ووجل وضعف المصالح عند بعض المنتسبين إلى
الإسلام عندنا , يدرك بالفعل أن تيارات المهاجمين للإسلام الآن كادت أن تنجح فى أن
تجعل المسلم العربي يخجل من ثوابت دينه إما كراهية لأفعال عملاء الغرب من جماعات
الإرهاب , أو انسحاقا أمام دعاة التغريب من العلمانيين ,
وبالطبع لا يعنى هذا أن كل من عندنا كذلك , ولكن المشكلة أنك عزيزى
القارئ إذا قارنت عدد الدعاة اليوم بعدد المخلصين الظاهرين المتجردين حقا , فستجد
أن المتجردين استثناء وقلة بعكس أولئك المنضمين للإسلام فى غير أرضنا
المقارنة مؤلمة وموجعة حقا ..
والذى يشاهد مدى القوى والإخلاص والتجرد فى مسلمى أقاصي الأرض يتخيل
أنه يشاهد مثالا حيا على ما كان عليه الصحابة ! , والكارثة المخجلة لنا ـــــ نحن
العرب فى العصر الحديث ـــــ هى النظرة التقديسية التى ينظر بها هؤلاء الأكابر لنا
نحن , فمسلمى ماليزيا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وتلك المناطق يظنون أن
العرب جميعا هم أحفاد الصحابة , ويظنونهم نسخة من أجدادهم !!
وبالتالى ينظرون لهم نظرتهم إلى الصحابة , وربما ظلت تلك النظرة
قائمة لولا التطور الهائل الذى حدث فى وسائل الإتصال والتواصل فجعل مسلمى الشرق
والغرب يروننا على حقيقتنا , ووسائل الإتصال ذاتها هى التى جعلتنا نرى هؤلاء الناس
! , وكيف أن إسلامهم ممزوج باللحم والعظام فتشعر أنهم يتنفسون بالعقيدة الغضة , لا
يهتمون بالمظهر الخارجى إطلاقا مثلما نفعل نحن ونفتخر على بعضنا البعض بطول اللحية
أو قصر الجلباب أو بصلاتنا وصيامنا أو أعمالنا القليلة التى نـُــفسدها دوما
بالرياء سواء كان رياء معلنا أو مكتوما بين المرء ونفسه , وترى الداعية منّـا يظن
نفسه نبيا جديدا لمجرد أن يخرج على الشاشات فلا يدرى هل أصلح الناس أم أفسدهم ؟! ,
هل دعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة , أم بغـّــضهم بالفرقة والتفرق
لأن معظم الدعاة ــ حتى من حسنى النوايا ــ وقع فى فخ التبغيض من حيث
لا يدرون , فالشدة والغلظة والمواجهة المتحمسة لا تكون فى مواجهة عوام الناس
المضللين فى أى فرقة أو ديانة , بل تكون تلك الشدة فى مواجهة دعاتهم الذين تسببوا
فى إضلالهم , لأن هؤلاء الدعاة غالبا ما يعلمون أنهم على باطل ويدعون إلى باطل
"[1]"
وهم منافقون يكيدون للإسلام عامدين رغم إقامة الحجة عليهم
أما عوامهم فينبغي لنا التيقن من أن الغالبية العظمى منهم قد تلقت
الدين من أكابرهم بصورته المبتدعة على أنها الصورة الحقيقية للإسلام , ومعظم
العوام معذورون قطعا بالجهل مهما فعلوا ومهما بدت منهم الكراهية تجاه أهل السنة
لأنهم تعلموا من نعومة أظفارهم أن المسلمين السنة هم أعدى أعدائهم , وكذلك الحال
بالنسبة لعوام الديانات الأخرى , بل حتى لبعض المضللين من المثقفين الذين غرتهم
العلمانية ..
فإذا قمنا باستخدام الشدة والغلظة والتجريح والمعايرة مع عوام الناس
فسيثير هذا فى قلوبهم عصبية الجاهلية , وسيكرهون الوجه الصحيح للإسلام بسبب
كراهيتهم للداعين إليه , وهذا أسوأ ما يمكن أن يفعله داعية !
ناهيك بالطبع على أن الكثير من دعاتنا فى أرض العرب يعتبر الدعوة
لمذهبه الخاص أو قناعاته الخاصة أو رؤيته الخاصة أو جماعته أو حزبه أو منهجه فى
الفتاوى هى الممثل الرسمى للإسلام وبالتالى يستكبر على غيره وتأخذه العزة بنفسه
وبالإثم فيجمع حوله أنصارا وأتباعا ليضيف إلى حلقة التفرق والتحزب فرقة جديدة !
فأين هذا من الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ؟!
فهل يعنى هذا ألا يغضب الداعية أبدا مهما رأى من الكفر والنفاق ,
كلا بالطبع .. ولكن يظل الغضب هو الإستثناء , والرفق هو القاعدة ,
وللغضب نفسه قاعدة لا تنقدح أبدا , وهو ألا يغضب المرء لنفسه أبدا وهو فى مجال
الدعوة , وللأسف ما نراه اليوم متحققا و أكثر ما يكون مطابقة لواقع هذا الحال ,
فَضيّــق البعض ما وسع الناس من رحمة الله
لم يغضب النبي عليه الصلاة والسلام قط إلا فى أمر الله عز وجل , رغم
أنه النبي وصاحب الرسالة وهو بشخصه حجة فى الدين , والعدوان عليه ولو بشطر كلمة
عدوان على الدين , ورغم هذا فلم يغضب لنفسه قط , مهما تلقي من أذى أو هجوم وجعل
الغضب محصورا فقط فى الشدة على المنافقين والمكابرين , وحتى فى هذا لم يشتد ولم
يغضب إلا بعد استنفاذ وسائل الرفق والدعوة مرارا وتكرارا ..
كما أن للغضب فلسفة عميقة فى منهج النبوة , فقد رأينا النبي عليه
الصلاة والسلام يترفق بالجاهل والعامى ولو كان كافرا , مهما صدر منه من أفعال ,
لأنه معذور بفعله , بينما وجدناه أشد ما يكون غضبا مع الصحابة رضي الله عنهم إذا
صدر من آحادهم تصرف أو عبارة يفترض ألا تخفي دلالتها , وقوة النبي عليه السلام فى
البيان عند تلك الحالة نابعة من أهمية البيان ذاته حتى ينتبه الصحابة ــ وهم ورثة
الدعوة ــ لخطورة الأمور وترتيب الأولويات
ولهذا غضب النبي عليه السلام فى حادثة قتل أسامة رضي الله عنه لأحد
الكفار المحاربين بعد نطق الشهادة , وكذلك غضب عندما جاءته شفاعة فى حد من حدود
الله .. وهكذا
لكننا ما رأيناه غاضبا وهو يواجه غلظة الكفار وأفعالهم وحربهم , بل
ما غضب حتى من آحاد الناس من المسلمين ممن فيهم جلافة الطبع والتصرف وعذرهم ..
فعليه أفضل الصلاة والسلام
وهذا هو منهج الأنبياء , والعلماء من بعدهم , فابن تيمية ــ الذى
ظلمه أتباعه وأعداؤه معا ــ حذر أشد التحذير من أن يتخذ المرء شيخا أو شخصا يوالى
ويعادى عليه , مهما كانت مكانة هذا الشخص لأن التولى التام والموالاة والمعاداة
إنما تكون فى سبيل الله وحده والحجة الوحيدة هنا النبي عليه الصلاة والسلام ومجموع
الصحابة من بعده , فإن جعلها المرء لشخص داعية أو شيخ أو جماعة أو حزب فهذا هو
طريق الشرك والعياذ بالله !
فإذا نظرت إلى واقع أحوالنا نحن العرب .. وجدت عجبا ,
بالقطع لا عتب ولا عتاب عمن يدافع عن أشراف العلماء والصحابة من
قبلهم , فالدفاع عنهم دفاع عن الدين , لأنهم هم حَمَلته إلينا , ولكن هذا الأمر
مشروط بالضوابط السابقة وأولها أن يكون الغضب لكل عالم ولكل صحابي بل لكل إنسان تم
انتهاك سيرته أمامك بغير حق , بمعنى ألا نفرق بين المسلمين والأئمة فى الدفاع ضد
الظلم , ولا يكون الغضب والعصبية رهنا بشخص واحد أو مجموعة معينة , فضلا على وجوب
أن يكون غضبا خالصا لله , وليس لنصرة النفس أو غلبة الخصم أو لمجرد الرغبة فى
الظهور , كما أنه ليس من الغضب المشروع رفض الإقرار بالحق وترويج الباطل أو الدفاع
ضد الشتائم بالشتائم , وألا يكون الغضب نابعا عن الكراهية إلا كراهية أفعال
الأشخاص لا كراهية ذواتهم , وبالتالى ففرحة الداعى للحق بالهداية التى يكتبها الله
على أى ضال يجب أن تكون أكبر وأعلى من فرحة النصر على أهل الباطل لو ظلوا على
باطلهم
ولا أجد فى عالمنا المعاصر من حقق هذه الفضيلة أكثر من دعاة الإسلام
فى الخارج
تجد دعاة الإسلام فى تلك البلاد النائية يتعامل مع المسلمين كأنه
خادمهم ويتعامل مع نفسه وكأنه ما أدى واجبه بعد , وربما كان من بعض أعماله فقط
إدخال الملايين ــ لا أقول الآلاف ــ بل الملايين إلى الإسلام ويتعامل مع هذا
الأمر فى بساطة مذهلة وكأن هذا الإنجاز هو الحد الأدنى من واجب كل مسلم ــ وهو
كذلك بالفعل لكننا نحن من ينسي ــ ,
لكن هؤلاء الدعاة يطبقون ـــــــــــ وياللمفارقة ــــــــــ ما كان
عليه حال آبائنا نحن بينما جئنا نحن بعدهم فمشينا على الخط العكسي ,
ولقد استمعت إلى دعاة العرب , ودعاة البلاد القاصية فما وجدت والله مجالا
للمقارنة , فرغم أن دعاتنا أغزر علما بمراحل , إلا أن الدعاة من غير العرب تعلموا
القليل فكثر فى أيديهم بالتطبيق العملى , فلم أجد منهم داعية غليظ القلب أو مكفهر
الوجه , بل ما وجدت أحدهم غاضبا قط لنفسه ــ حتى لو تعرض لأقسي الهجوم ــ بل
وجدتهم غاضبين مهاجمين فقط فى الدفاع عن الدين , وحتى فى غلواء غضبهم لم أعثر
لواحد منهم على كلمة أو لفظ بذئ , فكان من الطبيعى جدا أن يؤمن على أيديهم أشد
المعادين المتطرفين للإسلام !
أو على الأقل تجد المتعصب من هؤلاء ينزوى خجلا ويخاف مواجهة الجماهير
الحاضرة
سمعت وقرأت لذاكر نايك وأحمد ديدات وعبد الرحمن السميط , ومن قبلهم
من العرب من كانوا حقا على منهجهم , ما وجدت أحدهم ثائرا أو متأثرا بما يسميه
الهجوم على شخصه حتى لو كان هجوما فى حق أو انتقادا فى خطأ !
كما يفعل دعاة اليوم فيصرخ فى الناس بأن الحاقدين كثير وأن لحوم
العلماء مسمومة !
رغم أن معظم الانتقادات الموجهة لدعاة اليوم بعضها يعتبر من الجرائم
والطوام , وحتى بغض النظر عن الإتهامات فيكفي أن يشاهد الجمهور كيف يتناطح هؤلاء
الدعاة كالديكة ويرمون بعضهم البعض بأفظع التهم صراعا على كعكة الدنيا ثم يخرجون
للناس مرددين بأن الحرب عليهم هى حرب على الدعوة وعلى الإخلاص !
وسمعت وسمع العالم كله قصة المناضل الإفريقي المسلم مالكوم اكس ..
هذا الرجل بالتحديد يعتبر هو الحجة الواضحة على دعاة اليوم وعلى
العلمانيين فى نفس الوقت !
فتجربة الرجل تعد حجة بالغة على العلمانيين وأضرابهم من الطاعنين فى
السنة والتاريخ الإسلامى لأنه ــ وغيره بالآلاف عبر العالم ــ آمنوا بالإسلام من
القرآن والسنة بمجرد معرفة مبادئ هذا الدين , وهو إيمان حر تام الحرية لا شبهة فيه
لتأثير خارجى من البيئة المحيطة او غيرها , بل إن البيئة المحيطة على العكس كان من
المفترض أن تدفعه للكفر بالإسلام والمسلمين مع حملات التشويه المنظم
ورغم هذا اسلم الرجل لأنه كان كمناضل باحث عن الحرية وسط
الاستعباد الأمريكى لم يجد ضالته إلا فى الإسلام فآمن به وهو الذى لم يسمع به فى
حياته السابقة قط ..
فهو وسط نضاله لاستعادة الحرية لبنى جنسه من السود لم يقبل أبدا بأى
دين يدفعه للعبودية ويفرق تفرقة عنصرية بين وبين غيره من البشر , وبالتالى كفر
بالأديان كلها حتى هداه الله تعالى إلى الإسلام بمجرد معرفته بقيمة الحرية فيه وأن
العبودية لله وحده , وأنه لا فضل لعربي على أعجمى أو لأبيض على اسود إلا بالتقوى
..
وهذه هى الحجة الأولى على كل من اتهم الإسلام بالعنصرية بينما الغرب
وأنصاره هم أساس العنصرية فى العالم اجمع للدرجة التى جعلت الولايات المتحدة تقمع
الزنوج حقوقهم حتى سنوات قليلة مضت وهم يروجون ــ رغم ذلك ــ باعتبارهم حملة لواء
الحرية والمساواة والديمقراطية فى تناقض لا مثيل له , معتمدين بالطبع على قوة
إستخدامهم للإعلام وتجنيدهم للفكر فى ظل عته حقيقي من نظمنا التعليمية فيما يخص
تاريخ هذه الأمم
ومالكوم اكس حجة على العلمانيين ودعاة التغريب وعلى المتاجرين
بالإسلام أيضا من ناحية أخرى أهم وأكمل .. تعتبر دليلا عمليا على عمق وصدق وحى
ورسالة الإسلام
فمالكوم اكس أسلم على يد داعية لم تكن صفاته الشخصية تتناسب مع قيمة
الدين الذى يدعو إليه , وعندما فوجئ مالكوم اكس بان الرجل الذى دعاه للإسلام
يتناقض مع مبادئ الدين للدرجة التى عايره بها خصومه , هنا لم يترك مالكوم اكس دينه
لأجل ذلك , بل ترك الرجل الذى لم يكن على مستوى مسئولية هذا الدين
وهذا لسبب بسيط ..
أن أول المبادئ الإسلامية التى تعلمها هى أن الرجال ليست حجة على
الدين بل الدين هو الحجة البالغة , وبالتالى إن كان هناك فى الإسلام من لا يصلح
لشرف رسالته فالعيب ليس فى الإسلام قطعا بل هو فى المنافقين , ولان مالكوم اكس
أراد إثبات هذا عمليا , فقد ترك الولايات المتحدة متجها صوب مكة لأداء فريضة الحج
حتى يري مجتمع المسلمين فى أكبر تجمع للمسلمين وهو موسم الحج , وهذا التجمع مع
غزارة التنوع كان هو هدف مالكوم اكس كى يقطع الشك باليقين , ويعرف هل هذا الدين
يؤمن أتباعه بالمساواة فعليا ويطبقونها عمليا أم أنها مجرد شعارات كشعارات
الرأسمالية والشيوعية ..
وعندما نتأمل شهادة مالكوم اكس عن رحلته للحج ندرك تماما من خلال
ملاحظاته وانبهاره أن شهادته المحايدة تلك تمثل طعنة نجلاء فى قلوب الحاقدين
والمتربصين , فالرجل سجل فى شهادته انبهارا غريبا بأشياء عندنا نحن المسلمين تعتبر
من قبيل الثوابت التى لا تلفت نظر احد
ورغم ذلك استوقفته وأثارت انبهاره وكان انبهاره اكبر دليل إدانة على
مدى الجبروت الأمريكى حكومة وشعبا ومدى عنصرية هذه الدولة التى قامت على جثث عشرين
مليون هندى احمر , وتسببت فى قتل واستعباد عشرة ملايين إفريقي , وقرابة مثل هذا
العدد تقريبا من ضحايا حروب دولة الشيطان التى ما تركت بقعة واحدة من العالم إلا
ونهبت ثرواتها واستعبدت شعوبها
قال مالكوم اكس أنه انبهر عندما وجد أناسا وخليطا من كل أجناس الأرض
لا يربطهم أى رابط إلا رابطة الإسلام , وكلهم بلا استثناء يرتدون رداء واحدا
ويسبحون ويصلون ويتوجهون بالدعاء لخالق واحد , ويتعاملون مع بعضهم البعض بنفس
الأسلوب على نحو يستحيل آن تميز فيه بين غنى وفقير أو بين بشرة وأخرى حيث عبر
مالكوم اكس مندهشا أنه وجد معاملة رفاقه فى الحج معه معاملة عادية طبيعية ليس فيها
أدنى استعلاء أو استكبار !!
وربما كان هذا الكلام مدهشا لنا نحن المسلمين , إذ أنه بالنسبة لنا
أمر طبيعى للغاية , لكن الدهشة تزول إذا
علمنا أن عنصرية الغرب نحو السود هى داء مجتمعى طافح عندهم مهما تغنوا بالمساواة
وهناك من الطبيعى أن يلاقي الزنوج احتقار وازدراء غيرهم رغم كل ما حدث من تطور فى
هذه العلاقة , وهذا أمر طبيعى إذا أدركنا أن السود فى بدايات النهضة الأمريكية
كانوا أقل مكانة من الحيوانات بكل ما فى الكلمة من معان
وبالتالى ..
عندما يجد مالكوم اكس هذه المساواة الفطرية فى التعامل يحق له
الإندهاش ولنا أن نتخيل ردة فعله عندما قرأ فى التاريخ الإسلامى وعلم مكانة وقيمة
وقامة بلال بن رباح مؤذن الرسول عليه السلام وهو الصحابي الوحيد الذى لا يمكن
لمسلم فى أى جيل ألا يعرفه لأنه مقترن بأهم شعيرة من شعائر الإسلام وهى الصلاة ..
, وناهيك عن مكانة وقامة العديد من كبار الصحابة ممن كانوا فى فضلهم عند الله وبين
المسلمين أكبر بكثير من ذوى الأحساب الرفيعة ومثالهم صهيب بن سنان الرومى وكذلك
سلمان الفارسي ومكانة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقد كان رقيقا فى الجاهلية
بل ومكانة وحشي بن حرب الذى كان عبدا حبشيا فى الجاهلية لجبير بن مطعم وكان هو من
قتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فى معركة أحد ,
ورغم هذا عندما أسلم وحشي لم يجد من النبي عليه السلام إلا المودة
والرحمة كسائر من دخلوا فى الإسلام , فلا كراهية ولا ضغينة رغم أنه قاتل أحب الناس
إلى قلب النبي عليه السلام وواحد من أبطال الإسلام المغاوير فضلا على شرفه ونسبه
وحسبه , كل هذا لم يمثل عائقا قط أمام وحشي كى يصبح من أفراد المجتمع النبوى ..
وبالتالى ..
لنا أن نقارن ــ إذا جازت المقارنة ــ بين حضارة ورقي وأخلاق مجتمع
الإسلام وبين دعاة الحضارة الغربية على مدار تاريخها العنصري البغيض !
بل إن انبهاره وإيمانه تحول ليقين لا يتزعزع
عندما أدرك أن الإسلام لا يساوى فقط بين الناس بغض النظر عن ألوانهم أو أحسابهم بل
إن الإسلام اعتبر التفاخر بالأنساب والأموال وغيرها من نواقض الإيمان حيث نص النبي
عليه السلام أن مثل هذا التفاخر والتمايز هو من قبيل الجاهلية المحضة التى ما جاء
الإسلام إلا لدحضها
تلك العنصرية التى سمعنا ونسمع من دعاة
التغريب منذ قرن كامل عن مميزاتها وعلوها دون أن يخبرنا واحد منهم عن حقيقة هذا
التاريخ , وإذا ظهر من يتحدث عن أصول حضارتنا ويدعو للعودة إليها , وجد أمامه
الخطاب السابق التجهيز وهو المتاجرة بقضية قبول الآخر ! , وكأننا نحن المسلمين من
نحتاج لخطاب لقبول الآخر , بينما من ساروا إلينا عبر القرون بحملاتهم وجيوشهم
ومفكريهم لا يحتاجون لمن يوجه إليهم هذا الخطاب الإنسانى
هذه هى تجربة مالكوم إكس وهو واحد من آلاف مؤلفة عبر القرون دخلت
الإسلام من بوابته الرئيسية وهى بوابة الحرية الحقيقية المتمثلة فى الخلاص من كافة
أنواع استعباد البشر للبشر وإفراد الخضوع لله وحده
وهى كما قلت تجربة تمثل حجة على دعاة اليوم أيضا , فهذا الرجل
الإفريقي المؤمن حقا عندما نادى بالحرية ورزقه الله بالإخلاص كانت تجربته نبراسا
يُحكى فى التجرد من كل غرض شخصي , ولهذا سبب انقلابا وصداعا غير مسبوق للغطرسة
الأمريكية وتبعته الملايين ولم يجد النظام الأمريكى مفرا من اغتياله , رغم أنهم
قاموا بتلبية مطالب تعديل القوانين لتهدئة المتظاهرين , وهذه سياسة معروفة فى
الحكم حيث أن النظام الغربي إذا وجد نفسه مضطرا للإستجابة لضغوط تخالف نظامه فالحل
عندهم هو الإستجابة الفعلية لها ولكن مع القضاء المبرم على من تسبب فى تلك المطالب
كى يعطوا لجماهيرهم درسا فى أن النظام ـــ وإن استجاب للضغط ـــ لكنه لن يسمح لمن
يفجره أن يظل حيا , كى يتخذه الآخرون قدوة , وبالتالى تعلم الجماهير أن قيادة
الثورة على الظلم لها ثمن فادح فلا يجرؤ عليها أحد بعد ذلك إلا من كان داعية مخلصا
بالفعل لدعوته
ومصيبتنا فى دعاتنا اليوم أو أغلبهم هو انكسار التجرد بالأغراض
الشخصية والحزبية المختلفة والتى ربطت ربطا مقيتا بين الدين والأشخاص وبين أهداف
الدعوة التى يلزمها التجرد التام وبين المزج بين مطالب الدعوة وبين المصالح
الفردية وهى الأمور التى منحت الخصوم جواز المرور للطعن فى ثوابت الدين عن طريق
الطعن فى أشخاص المتجرين بالإسلام طمعا فى الحكم والنفوذ أو الأموال
وقد تأملت فى إمكانيات من يتصدون للدعوة اليوم , وأنا هنا لن
أتحدث عن الإمكانيات المتوافرة فى عموم أرضنا وتذهب فى الملذات , بل سيكون حديثي
عن الجانب الخيّر فينا
وعدد الدعاة والعلماء عندنا يكاد يتفوق على مجموع سكان بعض دول
إفريقيا ! , وعدد مواقع الإنترنت والمنتديات وطلبة العلم والجامعات يكفي لتغذية
تعليم المليار مسلم حول العالم
ومع هذا فالجهل والرياء والشرك والتكفير والتخوين هو المحصلة الكبري
والأعظم لكل هذه الجهود !
فأين الخلل ؟!
تأملتُ بعض الإحصائيات حول الأموال التى يتبرع بها المسلمون كزكوات
وصدقات ودعم فى سبيل الله فأخذتنى الدهشة والذهول حقيقة !
فانظروا لأرض العرب أرضنا كلها , , يوجد عندنا
آلاف المؤسسات الخيرية لها تبرعات فى مجموعها تكاد أن تكوّن ميزانية دولة
عظمى , وهناك حتما من بين هذه المؤسسات من يعمل بالفعل فى سبيل الله وإنقاذ وإعانة
المحتاجين , ولكن هل كافة من يتاجرون بالتبرعات ويطلبونها عبر إعلانات مصطنعة
يفعلون ذلك بالفعل ؟!
مع هذه الإمكانيات وقيمة التبرعات تكاد تتخيل أنه لا يوجد فقير أو
صاحب حاجة , فإذا تأملت الواقع وجدت الفقراء يزيدون فقرا ويزدادون عددا !!!
فأين الخلل ؟!
وهناك ــ للطامة الكبري ــ قسم كبير من هذه الملايين لا يعلم أصحابها
أن أموالهم تذهب لتغذية وتمويل العمليات الإرهابية تحت زعم الجهاد فى سبيل الله !
تلك العمليات التى يذهب ضحيتها المسلمون وهى ترفع شعار تحرير القدس
ومحاربة اليهود بينما التمويل والسلاح لا يأتى لدعاة الإرهاب إلا برعاية اليهود
والغرب ! ([2])
وفى المقابل ..
رجل واحد مثل الداعية الكويتى عبد الرحمن السميط بدأ بلا إمكانيات من
أى نوع وقام باستغلال كل فلس فى التبرعات المحدودة التى جمعها , ثم ترك بلده
المترف وهاجر لإفريقيا أربعين عاما تحمّل فيها الأمراض والمعيشة الضنك فى سبيل
الدعوة للإسلام ومحاربة التنصير ..
فماذا كانت النتيجة يا ترى ؟!!
والله لو أنى ذكرت إنجاز هذا الرجل أمام أى مؤسسة منصفة ولو كانت لا
تؤمن بدين لدخلوا الإسلام لفرط التأثر بالإنجاز وحده
رجلٌ واحد يا عباد الله , أخلص فقط فى النية وانطلق وليس معه إلا حب
الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فأسلم على يديه 11 مليون شخص !
وأسس آلاف الجامعات والمعاهد الإسلامية والدعوية وآلاف المساجد فضلا
على آلاف الجمعيات الخيرية التى تربط الدعوة بالتنمية
ورغم كل ما فعله إلا أنه ما ضُبط متلبسا بالدعوة إلى نفسه , ولا
استغل أتباعه فى معركة سياسية أو منفعة شخصية أو دعم حاكم , بل إنه أصلا لم يسمح
بأن يتكون له أنصار وأتباع يهتفون باسمه أو يتسمون بهذا الإسم , أو يسيرون على
منهج خاص يحدده لهم بل كان كل ما فعله أنه قدم لهم دعوة الإسلام والسنة , وقدم دعم
المعيشة بدون أدنى مقابل حتى كلمة الشكر !!"[3]"
وهذه الإنجازات أيها السادة أقول لكم ــ وأنا المصري من بلد الأزهر
ـــ أن مؤسسة الأزهر الدعوية بأكملها وبكل إمكانياتها الضخمة احتاجت عشرين عاما
لتحقق إنجازا مماثلا لما حققه السميط بمفرده !!
وأحمد ديدات ــــ وما أدراك ما أحمد ديدات ـــ ففي الوقت الذى
كــنـّــا فيه نحن العرب غارقون فى تكفير بعضنا البعض , كانت جبهة التنصير تنفق
مليون دولار يوميا لنشر التنصير فى إفريقيا فجاء هذا الرجل وحده وعكف على الدراسة
فى العقيدة بلا أى مؤهلات ولم يكن معه إلا الإبتدائية فتعلم العقيدة الصافية من
القرآن والسنة رأسا , ثم جلب كافة الأناجيل وكتب القساوسة والمبشرين ودرسها ومحصها
, وانطلق للدعوة ...
فماذا كانت النتيجة ؟!
النتيجة لا يمكننى أن أحتويها بمقال أيها السادة إنما يكفي أن أقول
لكم أنه أذل ناصية الفاتيكان بأسره وكان كالشوكة فى حلوقهم وحتى عندما مات
رحمه الله وضع مكانه تلميذه ذاكر نايك الذى يماثله إبداعا وعلما وبلغ من
تأثيرهم الرهيب أن ندواتهم على مواقع الإنترنت يدخل الناس بسببها للإسلام يوميا ,
أى أنهم تسببوا فى دخول الناس لدين أفواجا حتى بغير دعوة مباشرة !
وأتحدى أى شخص سواء كان مسلما أو غير مسلم أن يدلنى على فائدة شخصية
أو نفع شخصى مادى أو معنوى حصل عليه أحمد ديدات أو ذاكر نايك واللافت للنظر أنهم
رفضوا حتى المكسب الحلال الزلال وقاموا بتوزيع كتبهم ومحاضراتهم بالمجان ودون أى
حقوق محفوظة بل أتاحوها للمسلمين فى أقطار الأرض , رغم أنهم بذلوا من أقواتهم
لخدمة مسار الدعوة
بل على العكس رحل أحمد ديدات مثل عبد الرحمن السميط بعد رحلة مع
الأمراض بسبب النشاط الغير طبيعى , ورفضوا مبدأ الراحة وظلوا حتى آخر نفس على نفس
خطى طريق الأنبياء , فأسأل الله عز وجل أن يرفع ذكرهم فى الدنيا والآخرة بحق ما
ضربوا لنا الأمثلة وحفزوا المسلمين على اتباعهم
فماذا فعلنا نحن يا ترى ؟!
بغض النظر عن أننا فرّقنا مجتمعاتنا نفسها , فضلا على بقية العالم ,
إلا أننا لم نتدبر فى أفعال وتجارب هؤلاء الدعاة ..
كعادتنا الأثيرة طبعا , افتخرنا بهؤلاء الدعاة واستخدمناهم فى إغاظة
المخالفين وكأننا أصحاب الإنجاز ! , وهذا ليس غريبا علينا , ألسنا نحن أيضا من ظل
يفتخر بحضارة الإسلام ورجاله دون أن يكلف نفسه إحياء فضيلة واحدة من فضائلها ,
ألسنا نحن من نحفظ القرآن والسنة عن ظهر قلب , ونكاد لا نطبق منهما إلا الأساسيات
على مضض !
أما البلية الكبري وشر البلية ما يضحك ..
فهى أننى استغرقت فى الضحك عندما جاء دعاة آسيا وأوربا لبلادنا فإذا
ببعض السائلين يسألهم إلى أى فرقة أو مذهب ينتمون ؟!!!
خيبة الله عليكم وعلى من قصّر فى تربيتكم حتى أصبحتم لا ترون الدين
إلا من خلال الأشخاص , وحتى عندما رأيتم المثال النموذجى للمسلم الحق , فإذا بكم
تريدون دفعه دفعا ليصبح مثلكم , وكان من الطبيعى أن يشعر الدعاة مثل أحمد ديدات
وذاكر نايك ويوسف استس وغيرهم بالدهشة وهم يواجهون هذه الأسئلة , لكنهم أجابوا
بإجابة لو كان السامعون لها يملكون ذرة خجل لجلدوا أنفسهم بالسياط , ذلك أنهم
أجابوا فى بساطة بأنهم مسلمون على القرآن والسنة يحترمون كل العلماء لكنهم لا
يتعصبون ولا يتسمون بأسمائهم فهكذا أمر القرآن وهكذا أمرت السنة !!
فيا ليت أجيالنا المعاصرة من الشباب تتخذ من هؤلاء العمالقة أمثلة
ورموزا .. فهم الأجدر بأن يكونوا أبناء الصحابة , بل هم بالفعل أبناء الصحابة ,
فالإسلام والعلم رحمٌ بين أهله
استحضروا تجارب هؤلاء الدعاة من الأعجميين وكيف جندوا أنفسهم للدعوة
بالعمل لا بالعلم وحده بضرب نموذج الأخلاق لا بالحديث عنها وفقط , فصار وجودهم فى
حد ذاته هاديا لمجتمعاتهم
بالذات فى عصرنا
الحالى بعد أن أصبح اليوم فرض عين على كل مسلم أن يكون داعية للإسلام والسُنة بعد
أن يتسلح ــ بعد النية الخالصة ــ بالحد الأدنى من ثوابت العلم والكثير من أدبيات
المنطق الحوارى , لأن الهجمة هذه المرة جاءت من عدة جبهات فلا يصلح لها العلماء
والدعاة وحدهم بل يجب أن تشمل الجميع وكلٌ فى نطاق أسرته ومجتمعه , حتى لا يجد
المرء نفسه وأهله قد انقسموا بين دعاة للإرهاب باسم الدين , وبين دعاة للإلحاد
باسم رفض الإرهاب
ولهذا السبب
خرج هذا الكتاب كمحاولة أسأل الله تعالى أن يفيد بها ولو بمثقال ذرة )
[1] ــ رجاء مراجعة كتاب سفراء جهنم ــ الجزء الأول للكاتب ــ مكتبة
صيد الفوائد
[2] ـ لم يعد هذا الأمر سرا , فالعديد من عمالقة الفكر الغربي كشفوا
هذه اللعبة , وبالذات مفكرى بريطانيا منذ العهد الإمبراطورى ولعل أبرز كتاب ظهر
ليفضح تلك المخططات كتاب ( تاريخ بريطانيا السري
مع الجماعات الأصولية ) لكاتبه المحقق مارك كورتيز وقد تمت ترجمته بالمركز
القومى للترجمة بمصر ــ عام 2013
[3] ــ قارنوا هذا بالله عليكم بما فعلته التيارات الإسلامية على خلاف
توجهاتها , ماذا فعلوا بأتباعهم وماذا فعلوا بالإسلام ؟!