سعيد صادق يكتب: سليمان الحلبي البطل المفترى عليه

  • جداريات 2
  • الأحد 14 يونيو 2020, 03:52 صباحا
  • 1299
الحلبي يطعن كليبر

الحلبي يطعن كليبر

في ذكرى طعنه لكليبر.. لماذا كان الحلبي فدائيا وليس أجيرا كما يزعم البعض؟


لم يكن الشاب الثائر لأمته وكرامتها المهدورة سليمان الحلبي يكتفي بتوجيه ضربة واحدة إلى كليبر قائد الحملة الفرنسية بالنيابة عن نابليون في مصر، بل بعد الطعنة الأولى عاد مرة أخرى ليسدد ثلاث طعنات قاضية لكليبر، لم تكن طعنات انتقامية أو لتسوية حساب شخصي مع كليبرن بل هي طعنات باسم الأمة وباسم الكرامة المصرية والعربية التي أهدرها الاحتلال الفرنسي، وردا على المجازر التي ارتكبها كليبر في ثورة القاهرة الثانية.

 

كان هذا الحادث في مثل هذا اليوم من عام 1800 وينقل الجبرتي واقعة الطعن، قائلا، إن «كليبر» كان يسير مع كبير المهندسين داخل البستان فى داره بالأزبكية، فدخل عليه شخص حلبى وقصده، فأشار إليه بالرجوع، وقال له: «مافيش»، وكررها، فلم يرجع وأوهمه أن له حاجة وهو مضطر فى قضائها، فلما دنا منه مد إليه يده اليسرى وكأنه يريد تقبيل يده، فمد إليه الآخر يده، فقبض عليه وضربه بخنجر كان أعده فى يده اليمنى أربع ضربات متوالية، فشق بطنه وسقط إلى الأرض صارخا.

 

يؤكد عبد الرحمن الرافعي في كتابه "تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر" أن سليمان الحلبي وقتها كان شابا يبلغ من العمر 24 سنة، «وهو طالب علم من حلب عمره أربع وعشرون سنة، أبوه تاجر من حلب اسمه الحاج محمد أمين وغادر بلدته سوريا وذهب إلى بيت المقدس ثم حضر إلى القاهرة خصيصا لقتل الجنرال كليبر وقضي بها واحد وثلاثين يوما».


عندما فتشوا عنه حتى عثروا عليه منزويا فى البستان المجاور لبيت كليبر بجانب حائط مهدوم، وفي اليوم التالي مع بدء عهد الجنرال جاك مينو فى يوم 15 يونيو أصدر أمرا بتأليف محكمة عسكرية لمحاكمة قتلة كليبر، وتكونت هيئة المحكمة من تسعة من كبار رجال الجيش وأكد «الحلبى» أنه قدم إلى مصر على ظهر جمل ضمن قافلة محملة بالصابون والدخان، وأن تلك القافلة مخافة الحضور مباشرة إلى القاهرة ذهبت من فورها إلى بلدة العياط، ومن هناك ركب حمارا للحضور إلى القاهرة، وأستأجر ذلك الحمار من فلاح لا يعرفه، وأنه كلف بقتل الجنرال كليبر من أحمد أغا ويس أغا من الانكشارية (العثمانية) بمدينة حلب، وأن هذين الأغاوين حذراه من الإفضاء بمشروعه إلى أى إنسان لعظم ما له من الدقة، وأوفد لهذه المأمورية لأنه يعرف القاهرة معرفة جيدة إذ سبق له أن أقام بها ثلاث سنوات، وقيل له أن يذهب إلى الجامع الكبير ويحتاط لنفسه من حيث الوقت وكيفية العمل حتى لا يخطئ قتل الجنرال، وبدأ الحملة إلى مصر في رحلة التى استغرقت ستة أيام للوصول إلى مصر.

  

سئل «الحلبى» بعد القبض عليه عن الخنجر الذى استخدمه، وهل هو الوحيد الذى كلف بهذه المأمورية، وما هى الطريقة التى كان سيعرف بها «الأغاوان» مقتل كليبر؟ وأجاب على كل ذلك، ثم وقع على أقواله أمام المحكمة التى واصلت أعمالها بمناقشة الذين تحدث عن «سليمان» والشهود الذين رأوا الحادث، وواصلت المحكمة جلساتها يوم الاثنين 16 يونيو 1800.

لم يكن ليتم اعتراف الحلبي بالطبع إلا تحت تعذيب شديد، وكان الحكم قاسيا جدا إذ قضت المحكمة بحرق يد سليمان الحلبي ثم إعدامه على خازوق.

 

يورد حمي النمنم في كتابه الأزهر الشيخ والمشيخة تعليقا: حين قام سليمان الحلبي بطعن كليبر في حديقة قصره لم يكن مفاجئا لقيادة الحملة أن يكون سليمان أزهريا أحد المجاورين برواق الشوام... مؤكدا ان الفرنسيين كانوا يتوجسون شرا من الأزهر، خصوصا بعد ثورة القاهرة الأولى ويبدو ان ظهور سليمان الحلبي حقق وأكد مخاوفهم وفي التحقيقات مع الحلبي كان المتهمون متهتمين بأمرين:

الأولى: هل كان كبار العلماء على  علم بالعملية، هل هم الذين حرضوا ووجهوا سليمان للقيام بها؟

الثانية: هل هناك عمليات أخرى من هذ النوع، يجري التخطيط لهاوبصياغة أخرى؟ هل هناك خلايا أخرى داخل الأزهر على غرار خلية سليمان الحلبي ورفاقه؟

 اليوم وبعد مرور أكثر من 200 عام على الواقعة يحلو للبعض التقليل من شأن ما قام به سليمان الحلبي بل وينظرون له على أنه جريمة من قاتل مأجور، معتمدين على روايات موتورة من هنا وهناك ومن مؤرخين عليهم علامات استفهام. وكذلك يشطح البعض ويرى أن الجريمة التي قام بها الفرنسيون بحق سليمان وقلته بهذه الصورة الوحشيةـ حرق يده وصلبه على خازوق-  هي العقاب العادل له وأنها نموذج للتمدن الغربي وقتها، لأن الحكم صدر من محكمة؟ لكن السؤال أي محكمة تلك التي يشكلها قائد الحملة الفرنسية وقتها؟ وتصدر الحكم بأوامره، وإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نعتبر كل أبطال التاريخ الذين حكم عليها بالإعدام أو نالوا ما نالهم من المحتل مجرمين وعلى هذا يكون عمر المختار قاتلا ومجرما ومحاكمته عادلة لأن محكمة إيطالية أدانته، وتكون المناضل الجزائرية جميلة بوحيرد تستحق ما حدث لها في سجون الاحتلال الفرنسي لبلادها في منتصف القرن الماضي لأنه جاء بناء على حكم محكمة.

وهنا نقول لأشياع التغريب الأعمى تمهلوا في قراءة التاريخ، واستقوه من مصادر متعددة ثم فندوا توجهات كل مؤرخ وملابسات ما يكتب ومدى صدقه ثم احكموا على الأمور.

تعليقات