هل رأيت حشرة سرعوف الورقة الميْتة؟
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
محمد فريد
لم يكن الزعيم الوطني محمد فريد الذي قضى حياته مناضلا ومدافعا عن القضية المصرية الوطنية ومطالبا باستقلال وطنه يتخيل يوما أن يموت بعيدا عن هذا الوطن أو يدفن خارجه، لذلك عند أيقن دنو أجله وهو في ألمانيا أوصى من حوله أن يضعوا رفاته في صندوق حتى يتم نقله إلى مصر ودفنه فيها عندما تسنح الفرصة.
وبعد ما يقرب من عام و6 أشهر من وفاة محمد فريد، المتوفى في 15 فبراير 1919 عاد بالفعل جثمانه إلى مصر حيث قام تصدى لهذا الأمر
الحاج خليل عفيفى أحد تجار مدينة الزقازيق على نفقته الخاصة ويؤكد عبد الرحمن
الرافعي في كتابه "محمد فريد - رمز الإخلاص والتضحية" أن الحاج خليل
تطوع لهذه المهمة من تلقاء نفسه تلقاء نفسه، غير متأثر بإيعاز أحد، أو ملبيا دعوة
أحد، بل لبى دعوة ضميره، فبعد أن حصل على ترخيص من الحكومة المصرية بنقل الرفات
إلى مصر، أبحر إلى فرنسا قاصدا برلين يوم 5 مارس 1920، لكنه ظل فى باريس فترة بسبب
نشوب ثورة الدكتور “فون كاب” فى برلين، ولما استقرت الأحوال واصل رحلة سفره حتى
وصل إلى العاصمة الألمانية يوم 28 إبريل 1920.
وهناك فى برلين انضم إلى
الحاج خليل ثلاثة مصريين مقيمين فى ألمانيا هم الدكتور عبد العزيز عمران، وإسماعيل
بك لبيب، والتاجر محمد أفندى سليمان، واصطدموا بقرار الحكومة الألمانية فى إبريل
1920 بعدم نقل جثث المتوفين فى ألمانيا إلى بلاد أخرى، لكنهم استغلوا فرصة منح
الحكومة موافقة لفرنسا على نقل جثمان ضابط فرنسى ،وطالبوا بمساواتهم بالاستثناء الفرنسى،
وبالفعل تمت الموافقة ليتم نقل الرفات يوم الجمعة 21 مايو إلى محطة قطار برلين فى
جنازة سار فيها المصريون المقيمين بالمدينة، ثم شحنها فى الباخرة
"حلوان" التى أبحرت يوم 3 يونيو 1920، وبالفعل وصل الجثمان يوم 8
يونيو1920 .
ولد محمد فريد عام 1866
لأبوين مصريين من أصول تركية، وتدرج في مراحل التعليم حتى التحق بمدرسة الحقوق، ثم
عمل محاميًا بجانب دوره كمؤرخ حيث صدرت له مجموعة من المؤلفات غلب عليها الجانب
التاريخي الذي اختاره فريد في مشواره ليكون رفيقه مع المحاماة.
كان فريد ينتمي لأسرة
ثرية، حصل منها على ثروة معقولة، دأب منذ انضم للحراك السياسي للتحرر الوطني على
إنفاق هذه الثروة على حراك الوفود المصرية في المؤتمرات الدولية للمطالبة بحق مصر
في الاستقلال، وقد كان لتلك المساهمات الثرية أثر كبير في استقرار الحراك بشكل
عام، ونجاحه في التغلب على مصاعب الأزمات المالية والتضييق السياسي الذي واجهته
الوفود المصرية..
نجح فريد في أن يُحدث
طفرات هامة في الحراك السياسي والمجتمعي في مصر، خلال فترة مشاركته في العمل
العام، حيث كان فريد أول من أنشأ نقابة للعمال في مصر عام 1909، وكما جاء في كتاب
«مذكرات محمد فريد- المجلد الأول رؤوف عباس» الصادر عام 1975 أسس فريد أول نقابة
للعمال في ذلك العام، وأنشأ معها أول اتحاد تجاري، ودعا لوضع مجموعة من القواعد
القانونية لحقوق العمال، وقد كانت «نقابة عمال الصنائع اليدوية» هي النواة التي
بدأ منها التاريخ النقابي في مصر وكان مقرها بولاق، وبلغ عدد أعضائها 800 عضو،
لتكون تلك باكورة العمل النقابي المطالب بحقوق العمال في تاريخ مصر الحديث، وفي
السياق نفسه كان فريد مهتمًا بالجانب المجتمعي من الأزمة المصرية إبان الاحتلال
الإنجليزي، وهي أزمة التعليم، فعمل على إنشاء مدارس تعليم ليلية في مختلف الأقاليم
المصرية وكذلك الأحياء الشعبية، وذلك لنشر العلم بين الفئات الأكثر فقرًا آنذاك
بالمجان، وعلى نفقته الخاصة.
على الجانب السياسي كانت
له مشاركة هامة في تسيير المظاهرات المطالبة بالجلاء الإنجليزي عن مصر، لكنها كانت
عن بُعد فتعرض محمد فريد للسجن بسبب ديوان الشعر وخروجه من مصر لم يمنعه من كتابة
المقالات المطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر، بجانب المؤتمرات التي عقدها في لندن
وباريس، ومجادلاته المستمرة مع القيادات الحزبية والسياسية في أوروبا.
ويعد محمد فريد من أوائل
من عملوا على وضع صيغة موحدة للدستور المصري، تخدم المصريين في المقام الأول وتنزع
قدرة الامتيازات الأجنبية المسيطرة على الأوضاع في مصر، وجمع عليها آلاف
التوقيعات، والتي وصلت إلى أكثر من 45 ألف توقيع، لترُسل بشكل رسمي إلى الخديوي،
وقد كان الخديوي عباس حلمي الثاني هو من تسلم الصيغة وقتها.
وكان البُعد القومي
بالنسبة لمحمد فريد، متمثلاً في الانتماء لمصر، مرتبطًا بشكل كبير ببعد عقائدي لدى
محمد فريد، باعتباره قائدًا سياسيًا ومحاميًا ومؤرخًا متشعبًا في أزقة التاريخ،
فكان البعد العقائدي لدى محمد فريد قائمًا بشكل كبير على خلق حالة من الهوية
الإسلامية لدى المنتمين لحراك التحرر من الاستعمار الإنجليزي، وقد ظهر ذلك في عدة
ملامح، مثل محاولته العمل على إنشاء الجامعة الإسلامية، وذُكر في كتاب ذكريات
ومذكرات كيف كان يشارك في المؤتمرات التي تنظمها الحركة الإسلامية في أوروبا، كما
ظهر في كتابه «تاريخ الدولة العثمانية العلية» والذي اتخذ منه فريد مدخلاً هامًا
لتقديم نموذج الحكم الإسلامي كنموذج بديل للحكم.
عموما بعد حياة حافلة بالنضال
السياسي تم سجن محمد فريد 6 أشهر ليخرج بعدها متجها إلى ألمانيا حتى أصابه مرض قاتل
في الكبد وتوفي هناك وعا رفاته إلى مصر في مثل هذا اليوم.