حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
د. زين العابدين كامل - مؤرخ إسلامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،
لا شك أن تمسك الأمة المسلمة بدينها وثوابتها من أهم عوامل النصر والتمكين
والنهضة ، ومن تتبع صفحات التاريخ الإسلامي، يرى أنه فى فترة يسيرة فى حساب القرون
والأزمنة ،ظهر الإسلام وامتدت رقعته حتى حدود الصين والهند وأقصى الأندلس وقلب
إفريقية ،وأنشأ حضارة متكاملة ،وكان المرجو والمعقول أن تستمر هذة الحضارة ،ولكن
الذى حدث أن منحنى التقدم توقف لفترة ثم بدأ بعد ذلك فى الهبوط الحاد ،وذلك يعود
إلى عدة أسباب منها:
تفريط المسلمين فى دينهم ومنهجهم وثوابتهم ، ثم الحملات الصليبية المتتابعة ،وهذة الحملات أحدثت دويا هائلا أدى إلى تراجع ملحوظ فى حضارة المسلمين وقوتهم.
ثم حركة التغريب فى الوطن العربي، ولقد سعى الاستعمار إلى إيقاف شمس حضارة الإسلام التى ظلت مشرقة لعدة قرون متتابعة ، وقد ظهر ذلك جليًا فى أواخر عهد الدولة العثمانية ،فلقد نجح أعداء الأمة آنذاك فى استئصال كل الكفاءات المتواجدة على الساحة الإسلامية والعربية ،وذلك في ظل ضراوة الصراع القائم فى حينها ،وأصبح العالم ينظر إلى دولة المسلمين على أنها (تركة الرجل المريض) والكل ينتظر متى ينتهي أجله، وبدأت عمليات التغريب التى استمرت إلى وقتنا هذا.
ومن هنا نقول أنه لا تعارض بين الأصالة والمعاصرة ، فإن الأصالة مصطلح يعنى به الرجوع إلى الأصول، والتي تعني عند أمة الإسلام الوحي المتمثل في الكتاب والسنة، لأنهما مصدرا التشريع الإسلامي، وهى الميراث الديني والثقافي والحضارى وأما المعاصرة فهى تعنى مواكبة العصر ومعايشته فلكل عصر عصريته ، والحداثة أو المعاصرة تعني عملية التغيير التي بمقتضاها تحصل المجتمعات المختلفة على الصفات المشتركة التي تتميز بها المجتمعات المتقدمة.
والعصرية مصطلح يطلق على المجتمع إذا اتصف بها، و هى تعني مجموعة الخصائص البنائية التي تميز المجتمع العصري ، وهذا التقدم والتطور فى الحياة المعاصرة ليس فيه حرج بشرط ،ألا يتعارض مع نصوص الوحى ،أو يتعارض مع ثوابت الدين ،أما أن تكون المعاصرة هى محاولة تغريب العالم الإسلامي؛ وطمس هويته الإسلامية، وصبغها بالصبغة الغربية فهذا هو المحذور ، فلا مانع من التأثر بالثقافات الأخرى، فالتأثير والتأثر من خصائص أي حضارة، ولكن يجب أن تكون هناك معايير لهذا التأثر، بحيث يكون ما نتأثر به قائمًا على المصلحة التى لا تتعارض مع الثوابت أو تؤثر على العقيدة و أحكام الشريعة ،و لقد حقق الاستعمار الأوروبي هدفه في الاستفادة من المنشآت والاصلاحات المادية التي قام بها و التى أحدثت قدرًا كبيرًا من التغريب فى مصر، وذلك عن طريق العلوم والمناهج التى تٌدرس فى بعض المدارس،كتدريس الرسم والموسيقى وغيرهما.
وها نحن الأن فى مجتمعاتنا نرى قدرًا قد انتشر من مظاهر التغريب ،كالتبرج والعرى والسفور وإعطاء أسماء أجنبية للمحال التجارية وللأبناء أيضا وتقليد سلوكيات الغرب وعاداتهم و الاحتفال بالأعياد التي ليست من الإسلام، فهذة هى مظاهر التغريب المذمومة، فعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم، شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟"!! متفق عليه.
ومع ذلك فإننا نؤكد على أن شمس الإسلام ما زالت مشرقة ،فإذا غربت فى مكان فإنها تشرق فى مكان آخر، أمتٌنا أمةٌ منصورة ظاهرة إلى قيام الساعة.لا تضعف فى ناحية إلا وتقوى وتنتصر فى ناحية أخرى ،فعندما ضعفت الدولة العباسية ظهر السلاجقة وحموا الأمة من الدولة البويهية الشيعية ،ثم ظهر نور الدين فى الأراضى الشامية ،ولما ضعف الإسلام فى الديار المغربية والمصرية ظهر صلاح بالدولة الأيوبية ،ولما استعصت على الأمويين والعباسيين القسطنطينية استسلمت للدولة العثمانية وتحققت البشارة النبوية ، لتفتحن القسطنطينية، ولما خرج المسلمون من الأندلس انتشر الإسلام وسط افريقيا والجزائر الأندونيسية، فهذة الأمة محفوظة بحفظ الله لها ،وهو الذي يدبر لها أمرها و مِن تقدير الله -تعالى- أنه في عام 656هـ، ولد "عثمان أرطغرُل" مؤسس الدولة العثمانية، وهي السَّنة التي غزا فيها المغول بلاد المسلمين بقيادة "هولاكو"، وأسقطوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، لقد كان الخطب عظيمًا والحدث جللاً، والمصيبة كبرى؛ جاء التتار فهتكوا الأعراض، وسفكوا الدماء، وقتلوا الأنفس، ونهبوا الأموال، وخرَّبوا الديار، في تلك الظروف الصعبة وُلد عثمان مؤسس الدولة العثمانية.
فبداية التمكين هي أقصى نقطة مِن الضعف، وتلك هي بداية الصعود نحو العزة والنصر والتمكين، والله المستعان.