عاطف محمد عبد المجيد يكتب : الجميع آمن بالألوهية وقدس المعبود

  • جداريات Ahmed
  • الخميس 04 يونيو 2020, 6:06 مساءً
  • 1151
عاطف محمد عبد المجيد

عاطف محمد عبد المجيد

لقد تنوعت العقائد واختلفت باختلاف أصحابها ومن تابعوهم، من حضارات الشرق القديم وحتى الآن.لكن بقى العامل المشترك أن الجميع آمن بالألوهية وقدّس المعبود الذي ارتضاه، ومارس الشعائر التي تؤكد هذه العبادة وتؤكد تلك القداسة، فكل عقيدة دينية لها مؤسس أو نبي، ولها أتباع اتبعوا هذا المؤسس أو النبي، ولها معبود تعبده هو إلهها، أو ربما آلهتها المتعددة المعبودة، كما أن لها شعائرها المقدسة.       

  هذا ما يقوله مصطفى النشار  في الطبعة الثانية من كتابه ” مدخل جديد إلى فلسفة الدين “ الصادر عن الدار المصرية اللبنانية.                             

              النشار، الذي يُهدي كتابه إلى كل الباحثين عن الحقيقة فيما وراء هذا الوجود الفاني، يُقسّمه إلى سبعة فصول، يتحدث في الأول منها عن مفهوم الدين وتصنيف الأديان، وفي الثاني عن الدين وفلسفته، وفي الثالث عن فلسفة الدين في العصر الحديث، وفي الرابع عن الألوهية وأدلة وجود الله، وفي الخامس عن مشكلة الشر في العالم، وفي السادس عن الوحي والنبوة والمعجزات، وفي الأخير يتحدث النشار عن النفس والبعث ومصيرها الأخروي.

دين واحد حقيقي

النشار يرى أنه ينبغي أن نحمد لكانط قوله ” ليس هناك سوى دين واحد حقيقي، ولكن من الممكن أن تكون هناك أشكال متعددة من العقائد الدينية “، وتبعًا لذلك قد يكون الأدنى إلى الصواب أن نقول عن فرد إنه ينتمي إلى العقيدة اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية، بدلًا من أن نقول إنه ينتمي إلى هذا الدين أو ذاك.        النشار يقول إنه إذا كان ذلك عن الدين، فإن فلسفة الدين هي تلك النظرية التأملية التي قدمها الفلاسفة حول الدين وقضاياه المختلفة، ويعتقد أن فلسفة الدين قد ظهرت منذ ظهور أول عقيدة دينية لدى البشر، ولم تظهر على يد كانط وهيجل كما يميل البعض إلى ذلك.كما يرى أن الفلاسفة نجحوا منذ زمن بعيد في تنقية العقائد الدينية الأسطورية لتصبح ديانات روحية تسمو بالنفس وتنقّي الروح، فمنذ الديانات الفيثاغورثية التي جعلت من العلم والتأمل أداة للتطهر والاتحاد بالله إلى رؤى سقراط وأفلاطون وأرسطو التوحيدية، ثم كانت رؤى أفلوطين الصوفية، وهي تلك الرؤى التي أبهرت فلاسفة الأديان السماوية من اليهود إلى المسيحيين والمسلمين، وجعلتهم ينظرون إلى هؤلاء الفلاسفة على أنهم فلاسفة إلهيون.                      النشار يكتب قائلًا إن الدين، تلك الكلمة الساحرة، الغامضة، الآثرة ذات البريق الذي لا يخفت والمنبع الذي يفيض خيرًا وعبقًا لم ينقطعا منذ فجر التاريخ.                إنه واحة الراحة والاستقرار والسكينة للإنسان الهائم في الطبيعة.                   

إنه يؤكد هنا على أن الدين كان من اختراع الإنسان حينما أَلَّهَ كل الظواهر الطبيعية التي خاف منها أو اعتبرها مصدرًا للخير والمنافع، مثلما أَلَّهَ معظم الحيوانات صاحبة الفضل عليه، والتي أنِس بجوارها وآنسته في وحدته وعاونته في حياته.

                                                                                                                                                     الإيمان القلبي

هذا ويتوجه النشار إلى قارئ كتابه قائلًا له ما قاله فرنسيس بيكون حينما وجد مَن اتهموا الفلسفة بأنها دعوة إلى الإلحاد، قال لهم : ” إن القليل من الفلسفة قد يؤدي إلى ذلك، بينما الكثير منها يُعمّق الإيمان “.أيضًا يؤكد النشار على أن الإيمان الديني إن لم يستند على قناعة عقلية، فهو إيمان هش لا يثبت أمام أي صورة من صور التشكيك، أما الإيمان القلبي المستنِد على اليقين العقلي، إنما هو الإيمان الحقيقي، وفلسفة الدين هي التي يضيء بها الفلاسفة أمامنا كل ما يتعلق بتلك القضية، كما يرى أنها دعوة إلى فهم أعمق للدين ولقضايا الألوهية، والخير والشر، ولكل ما له علاقة بهاتين القضيتين وغيرهما.هنا يتحدث النشار عن المعنى اللغوي للدين ومعناه الاصطلاحي ونشأته وبواعثه، مثلما يتحدث عن تصنيف الأديان الخاص منها والعام في العالم الحديث.كما يورد مقولة العقاد التي تقول إن القرن العشرين عصر الشك في الإلحاد والإنكار بمقدار ما كان القرن الذي قبله عصر الشك في الإيمان والنظر إلى الغيب المجهول.أما ولتر ستيس فيقول إن الله موجود في القلب، ففي قلب الإنسان يكمن ذلك الشاهد الذي ينطق باسم الله، ويبرهن على وجوده، وليس في أي ظرف خارجي من ظروف العالم الطبيعي.كذلك يتحدث المؤلف عن دور المعجزات في الأديان قائلًا إن هناك فلاسفة يقبلون بها ويرفضها بعضهم، وها هو سبينوزا، فيلسوف اليهودية الأهم في العصر الحديث، يقول وكأنه يعيد عبارات ابن رشد، إننا لا نستطيع بالمعجزات أن نعرف الله ووجوده وعنايته، وإننا نستطيع استنباطها على نحو أفضل بكثير من نظام الطبيعة الثابت الذي لا يتغيّر.إن التصديق بالمعجزة يجعلنا نشك في كل شيء، ويؤدي بنا إلى الإلحاد.

                                                                                                                                                          أيُّنا مصيره أفضل

 وفي معرض حديثه عن آراء الفلاسفة في العصور المختلفة ورؤيتهم للنفس الإنسانية وعلاقتها بالدين الذي تتخذه لتنظم به حياتها، ناشدة السكينة والسعادة فيه، يقول إن المصير السعيد هو فقط مصير النفس التي عاشت وفق قوتها العاقلة، ولم تنغمس في الملذات الجسدية والآثام الخلقية.إذ إن هؤلاء التعساء الذين ينغمسون في الملذات يشبههم الكندي بالخنازير، لأن قوتهم الشهوانية قد طغت عليهم، بينما شبّهَ الذين تغلبت عليهم قوتهم الغضبية بالكلاب، أما الذين تسيطر عليهم القوة العاقلة فهم كالملوك العقلاء الحكماء.أما في الفكر الهندي فقد شكلت مشكلة الموت، في الهند القديمة، بداية للتفلسف وللتفكير الديني الهندي، حيث كانت السعادة القصوى التي يبحث عنها الإنسان الآري الفيدي من خلال القرابين التي يقول بها الدين، هي أن يعثر لروحه على مكان بين الموتى الأبرار في عالم الآباء في قمة السماء.إضافة إلى هذا يُفْرد النشار فصلًا من كتابه للحديث عن مشكلة الشر في العالم، متحدثًا بداية عن أصل الخير والشر في الفكر الشرقي واليوناني القديم، ومشكلة الشر عند فلاسفة الإسكندرية القديمة، ومشكلة الشر في الأديان السماوية، وكذلك مشكلة الشر في الفلسفة الحديثة عند كل من مونتاني، فولتير، كانط، وهيجل.وختامًا يقول النشار إننا إذا ما تساءلنا: لماذا يحتاج الإنسان إلى هذا الكائن الأعظم الذي يتوجب عليه الإيمان به واحترامه؟ فإن كانط يجيبنا بأنه ينبغي للإنسان أن يكون له ما يقدسه حتى لا يتحول وجوده اليومي إلى آليّة كسولة بلا هدف يفتح لها الأفق نحو معنى ما للمستقبل.                             

وأنا أكرر ما قاله سقراط في ختام دفاعه عن نفسه أمام المحكمة :           

        ” والآن أنا إلى الموت وأنتم إلى الحياة، أيُّنا مصيره أفضل !! العلم عند الإله “.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعر وكاتب ومترجم مصري



تعليقات