حقائق الإيمان وأوهام الإلحاد.. ندوة في كلية أصول الدين بالقاهرة (سجل الآن)
- السبت 23 نوفمبر 2024
الشاعر المصري الكبير عبد الستار سليم في قصيدته :
" الذوبان على الورق "
اعترافات عاشق أزلي
ومع أننا قد نقف أمام الكثير من الصور الملموسة لتلك القصائد ، نجدنا ونحن نتلو قصيدة الشاعر الكبير عبد الستار سليم ، أمام قصيدة تم إنشاؤها من خلال تفاصيل ملموسة تحفز قارئها بالتركيز عليها بدلاً من فكرتها ، واستعادة مشاعر الشاعر وهو يخوض بتفاصيلها التي منحتني غواية التعرف على لغتها وصورها الابداعية ، تشبيهاتها الخاصة واستعاراتها ، جميعها توقفتُ أمام أول أصواتها تلك التي بثها الشاعر في مفتتح القصيدة :
أحُثّ ُ إليكِ الخُطَا
وألوذُ بِباحةِ
دِفئكْ
فأنتِ مرافِيءُ أيامِىَ
الجانِحَة ْ
وأنتِ النّمارِق ُ مصفوفَة ً ،
والزّرابِىّ ُ مبْـثــوثة ً ،
والطيورُ المُصفِّــقةُ الأجنِحَة ْ
وأنتِ
هوَى اليوْم ِ ،
والغَدِ ،
والبارِ حَةْ
هنا يقف الشاعر ليؤرخ عواطفه – قد لا يكون بالضرورة هو المقصود – مع أن الشعراء هم مؤرخو احتفالاتنا على كل الأصعدة بما فيها العواطف ، وهم الذين يقدمون لنا العزاء أيضاً ، هم مرآة مجتمعاتهم ، فالأبيات العشرة الأولى لقصيدة سليم هي لواعج مبثوثة ، حرارتها تُلهبُ الروح بقصدية معانيها ، وبلغتها وإيقاعاتها التي تنتهي ب – تاء – التأنيث ، وكأن الشاعر وهو يطرح مغازلته تلك أشار بصوت عال إليها ليُسمعها صوته ،
أما أبياته الأخرى ، فهي منوعة النغمات تنقل مشاعر الشاعر بقوة حين يقسم ، بالخبز والملح والحب والجرح ، وهم عقد الوئام الأبدي :
وأُقسِمُ بالخُبْزِ والمِلْح ِ ،
أُقسمُ بالحُبِّ والجُرْحِ ،
أنّ الطموحَ إلى
غيرِ عيْنيْكِ
لَهْوٌ
ومَضْيَعَةٌ للزمانْ
وأنّ عيونَكِ شَطْر ُ الأمان ْ
عيونُكِ
ليْسَتْ كَكُلّ ِ العيون ِ ،
وليس كمِثلِكِ
كُلّ ُ الـنّســاء ْ
لننظر كيف تعامل الشاعر مع تقنيات كتابة قصيدة النثر الحداثوية بروح تجريبية بالكامل ، وبحد أدنى من التكثيف اللغوي ، وغالباً ما تضمنت مسارات صوتية أو رسومات أو أحداث ، هذه التوليفات التي استخدمها الشاعر برأيي قوضت الرتابة الشعرية التي اشتهر بها الكثير ممن يكتبون القصيدة الحديثة وزادت من وعي الشاعر وهو ينتقل بنا إلى بقية القصيدة :
وحين اصْطفاكِ الفؤادُ
اصْطفَى
الشّجَنَ المُـرّ َ ،
والسّهَرَ المتطاوِلَ ،
والنّقْـــشَ
فوقَ جــدارِ المساء ْ
فيا امرأةً مِن عبيرٍ ،
ويا امرأةً مِن حرير ٍ،
وياامرأةً مِن
ذهبْ
ويا امرأةً مِن سُهاد ٍ
ويا امرأةً مِن بِعاد ٍ
ويا امرأةً من
تَعَب ْ
يُحاصرُنى صَوتُكِ العذْبُ ،
سُلطانُكِ الــــرّ َحْبُ ،
ضِحكَــتُــكِ المرْيَمِـــيّة ْ
فأُهزَمُ قبلَ شُــروعِىَ فى
هِجْــرتى المَوْسِمِيّة
في هذه الأبيات خلق الشاعر حالة معينة ، تباين بين حالتين محددتين باستخدامه لغة واضحة غير ملغزة ، ودقيقة تم اختيارها لتأثيرها ودلالتها وصوتها ، وتكرار لصورة قوية في القصيدة هي صورة – المناداة – في وسط أبياتها – فيا امرأة ، ويا امرأة ، ويا زهرة العمر ، يا وقدة الجمر ، يا سفر الحلم – :
ويا زَهــرَةَ العُــمْـرِ
يا وَقْدَةَ الجمْر ِ ،
يا سَفَرَ الحُلْم ِ
فوق َ
لهيبِ الـــشّجَـــنْ
نهارُ الأسَى زمَنٌ
لا يُقاسُ بِمِزْوَلَةِ الوقتِ
مِثْــلَ الزّمَنْ
وقانُون ُ هــذِى المدينةِ
يَسْلُبُنى رَجْفَةَ العِشْقِ ،
يَحــــرِمُنِى لَذّ َةَ النّــُـطْقِ ،
يَقتُلُ فوقَ شِفاهِى الكلامْ
يُعذِّبُنى بالحنينِ
المُؤطّــَـر ِ،
والسّيْرِ
عَــــبْرَ ثُقوبِ المسَام ْ
هنا وبعد – ياء المناداة – ينتقل الشاعر ليفيض بأحزانه وكأنه يضع خاتمة لتاريخ عواطفه ، بتعابير إبداعية داخل لغته الشعرية لأن معظم الأشكال الفنية تقع في واحدة من فئتين :
النثر أو الشعر ، حيث يتضمن النثر قطعاً من الكتابة مثل الروايات والقصص القصيرة والنصوص ، تحتوي هذه الأنواع من الكتابة على نوع اللغة العادية المسموعة في الكلام اليومي ، بينما يشمل الشعر كلمات الأغاني ، وأشكاله الشعرية الأخرى المختلفة والحوار المسرحي ، ومع
ذلك ، فإن النثر والشعر ليسا طبقيين تماماً بحيث لا يمكن لأحد أن يحتوي على عناصر الآخر ، فقصيدة النثر هي صيغة كتابة إبداعية تجمع بين عناصر الشكل الشعري والشكل النثري ، وقبل أن ننتهي من قراءة " الذوبان على الورق " القصيدة ، نتوقف عند اعتراف الشاعر بفيض عواطفه والنزوع بها نحو الحبيب ، حيث تناول كل ذلك بأسلوب غنائي توددي لا يخرج عن مضامين أصول الشعر النثري الحديث * :
وحينَ يَفِــيضُ الهوَى
بالرّ ُؤَى ،
والمَـدامِع ْ
أحُــثّ ُ إليكِ الخُطَا
وأُرَجِّــعُ لَحْنًا
شَجِـــىّ َ المَــقاطِعْ
لَعَـــــلّ َ الفُــؤادَ يُــبَـلّـــلُ
بالإصْطِبارْ
فإنّ تَوَهّـُـجَ قِنْــديلِ
حُبّـِكِ
- فى القلبِ - نور ٌ و نارْ
*
و طَيْفُكِ
آخرُ ما تَشْتهيهِ عــيُو نِـىَ
حينَ أنامْ
و حين يِـــؤَذّنُ فَجْرُ المدينةِ
أرْكُضُ خلْفَ ابتسامِكِ
- رغْمَ الحِصار ِ -
مَسِــيرَةَ عامْ
و حين أراكِ أُصابُ
بِـداءَ يْنِ
داءِ التمَدّ ُدِ فى دِفْءِ
عيْنيْــكِ شَوْقًا
و داءِ تعاطِى الأرَقْ
فأُشطَرُ نِصْفَـــيْنِ
نِصْفًا يَــراكِ
ونِصْفًا يذوبُ على
صفَحاتِ الوَرَقْ ... !!
" الذوبان على الورق " قطعة شعرية مؤطرة بإيقاعية محببة ، إنسابت أبياتها لتشكل – أغنية – يتردد صداها على الورق قبل أن تتلقفها عيون وآذان القارئ ، وهو يعيش حالة رومانسية محببة يفتقد إليها الشعر العاطفي الآن .
* حاشية /
ما هية أصول الشعر النثري ؟
يوجد الشعر النثري في العديد من الثقافات حول العالم ، في اليابان ، يتتبع النثر الشعري جذوره إلى اليابان في القرن السابع عشر ، حيث اخترع ماتسو باشو ، وهو شاعر بارز في فترة إيدو اليابانية ، اختلافاً شعرياً ، خلط عناصر النثر مع عناصر الهايكو التقليدية .
أما في الثقافة الغربية ، فقد قاد سرب من الشعراء الفرنسيين حركة نحو الشعر النثري ، بدءاً بتجميع Gaspard de la Nuit للمؤلف Aloysius Bertrand. في وقت لاحق من القرن التاسع عشر الشعراء ، لتشمل ستيفان مالارمي ، تشارلز بودلير Spleen de Paris و Arthur ، أما على صعيد شعراء اللغة الإنجليزية فقد احتضن الشعر النثري الأيرلندي أوسكار وايلد والشعراء الأمريكيين مثل والت ويتمان وإدغار آلان بو .
أما الإنجليزي تي إس إليوت فقد منتقداً صريحاً للشكل ، على الرغم من أن جيرترود شتاين ، المغترب الأمريكي في باريس ، تمتع بقبول الشعر النثري في الثقافة الفرنسية .
بحلول منتصف القرن العشرين ، تمتع الشعر النثري بإحياءه في الولايات
المتحدة الأمريكية على يد وليام س بوروز وألين جنسبرج .