حسين السنونة يكتب: رسالة من الصين

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 03 يونيو 2020, 10:53 مساءً
  • 998
الكاتب الصحفي حسين السنونة

الكاتب الصحفي حسين السنونة

رسالة من الصين

 

بعد ثمانية وأربعين شهراً أكتب لك رسالة.. تتهادى ورقتها مع رقصات أوراق الأشجار الطربة لغناء الطيور، إليك رسالة من بكين عاصمة الصين.

أيها الأسمر الشرقي، يا رائحة البحر..يا غضب النخيل..طعنات سعفاتها الخضراء.

أيها الشرقي المجنون بالشعر.. شعر المتنبي وأبي علاء المعري والفرزدق والأخطل وشعراء القرن العشرين نزار والجواهري، العاشق للسفر والمتاحف الأثرية، يا أيها الضائع.. يا ابن العروبة والفتوحات التي قيل فيها ما قيل، يا ابن الأندلس، يا من شبهته بآخر ملوك بني الأحمر.

أتذكر كل صُغرياتك، ولعك بالتنبياكي، ولكم طلبت مني أن أعد لك الرز الصيني المقلي مع البيض، ولا أنسى لحظة من  لحظات فرحك وأنت تصعد جبال شاف المقدسة وهوشان، كلما نظرت إلى بعض صورك بجانب نهر اليانغتس وأنت تقرأ شعرا للشاعر دوفووياي..أفتقد قربك وأتوق إليه.

أقسم لك بكل من تحب وتهوى، أقسم لك بكل كتاب سماوي.. بأسماء العشاق أجمعين.. إني تمنيت – بعدك - أن قدميّ أصيبتا بالشلل قبل أن تخطوا ذلك المكان الذي رأيتك فيه.. وأن أذنيَّ قد أصابهما الصمم قبل أن أسمع حديثك.

سأذكّرك بأحد الأحاديث التي دارت بيننا، وبالأحرى حديثنا  الأول:

-         مساء الخير..لماذا تجلس حزينا أيها الشاب؟! هل أنت عربي؟!

-         نعم وكل قبلاتي عربية، اقتربي مني، سأخبرك كل شيء عن العرب والعروبة، وأسرار القبلة العربية.

-         يبدو أن كلامك يحمل ما تحمله غيوم الشتاء من حياة للأرض، جاذبية في عينيك.. سحر شرقي لحظتُه منذ الوهلة الأولى!

ثمانية وأربعون شهراً كنت فيها أسأل.. أبحث عنك وعن الأشخاص الذين ذكرتهم لي ولو لمرة واحدة،وأسأل عن الأرض التي تحملك، أناشد التاريخ الذي أنت منه وأتيت به، الدين والعقائد التي تؤمن بها.

 وسأذكّركِ أيضاً:

-         أنا من أرض الجزيرة العربية من الإسلام والسلام، أرض الحب والخيرات، أرض حبيب الله وأفضل البشر.

-         وبعد أخبرني أكثر.

-         سأخبرك باسمي، اسمي: محمد سمتني أمي بهذا الاسم حباً بالرسول صاحب الرسالة العالمية، رسالة الحب والسلام, واسم أبي علي.

-         وماذا بعد أرجوك زدني فلقد ملكت قلبي وعقلي

-         هذا يكفي .. يكفي.

-         لا تقل يكفي، عقلي يغالب عاطفتي لأول مرة، أشياء وأشياءغدت تتزاحم في أم رأسي، أرجوك أيها العربي المنتشي بتاريخك..بحرك..نخيلك..وطنك.. زدني.

-         سأخبرك تفصيلاً، ولكن ليس الآن، سأخبرك عن حبي للصلاة.. للكتاب المقدس..للبحر.. حبي للنساء.. سأشرح لك النكبات التي سمعت بها، والتي عشتها، حرب الخليج..احتلال العراق..النكبات التي أنتظرها، الدمار..الدماء.. تكّسر القلم.. تمزّق الورق.. انسكاب الحبر.. سأبوح بأخفى سر انطوت عليه أضلعي:(أكره أنني عربي)!!

-         هل تعلم أيها العربي أنك بعاطفتك استعمرت قلبي، وتلاعبت بكل مشاعري تلاعب الأفيون بشعبي، اغتصبت تفكيري طيلة ثمانية وأربعين شهراً حتى لازلت أسمع صدى صوتك على امتداد سور الصين العظيم، أرى صورتك بعدد بشر الصين، أنت صمت المكان..صمت الزمان، أنت الجنون الذي أسمع وأقرأ عنه واستمتع به..أنت دفء آخر الليل.

 أطلب – إن جاز لي الطلب منك -  أن تكون هناك معاهدة بيننا، على أن لا تكون كتلك المعاهدة المُذلة التي فرضتها بريطانيا على وطني.

بحثتُ- توقا إليك -عن جزيرتك تاروت فعرفت أن البرتغاليين كانوا هناك، قاموا ببناء قلعة.. داخلها كنوز لم تفتح إلى الآن، ومع ذلك وخلسة فإن آثار مدينتك تاروت قد زينت بها أرفف متاحف أوروبا.

كم أنا مشتاقة  لرائحة جسدك..النظر إلى عينيك..التمعن في غضبك.. مشتاقة أنا لصوتك الدافئ.

كم أحار فيك وكم.. كيف استطعت أن تحتل تفكيري!، كيف جعلتني أتمنى حتى لو رؤية طيفك يمر في الحلم.. جسدي يتزلزل لذكراك، أتوق لمرآك..  لجلوسك.. لمشيكَ في شوارع مدينتي.

(كم هو جميل أن تختلط الذكرى بالعطر) إحدى الكلمات التي قلتها لي ذات مرة.. أقول لك: إن الأجمل من ذلك أن يختلط دمي بدمك..تاريخي بتاريخك.. ثقافتك بثقافتي,ذاك هو الأروع.

الأكثر جمالا من الجمال هو أن أمرر أناملي على جسدك المقهور للضيم، أتلمس بجراحات جسدك كلوم فلسطين والعراق والمستقبل الذي تخاف الحديث عنه وفيه.

أجلس هنا حيث اللقاء الأول عند نهر الصين الأصفر أمسح بيدي مكان جلوسك، مكان كل لمسة من أناملك، أناملك الذهبية التي تتحرك ويتحرك قلبي معها عندما تتحدث، ذلك الخاتم الأزرق في يدك اليمنى..  آه لو كنت مكانه.

حتى أكون جزءاً من جسدك.

 

تعليقات