د. زينب أبو سنة تكتب: إطلالةٌ نقديةٌ على قصةِ «وردةُ المشاعر» للكاتبِ السعودي سلطان الصبحي

  • جداريات 2
  • الأربعاء 27 مايو 2020, 00:18 صباحا
  • 1341
الدكتورة زينب أبو سنة

الدكتورة زينب أبو سنة

قصةُ «وردةُ المشاعرِ» هي قصةٌ قصيرةٌ تجسدُ الفلسفةَ المثاليةَ في أبهى وأسمى معانيها، التي احترمت العقلَ وأعطتْه مركزيةً على باقي مكوناتِ الإنسانِ الأخرى.

باعتبارِ أن الإنسانَ عبارةً عن جسدٍ ينتمي إلى «العالمِ المحسوسِ)  يتحللُ ويفنى، (وروحٍ) أبديةٍ تنتمي إلى (عالمِ المُثلِ)  بقِيَمِه التي تحوي (الحقَ) الذي يفضي إلى "العلمِ والمعرفةِ و(الخيرَ» الذي يعبرُ عن الطريقةِ الخيرةِ للإنسانِ و(الجمالَ )الذي يعبرُ عن الفنونِ بأنواعها.

 وتعتَبَرُ القيمُ  وسيلةٌ للرقي إلى عالمِ المُثلِ وهي التي تُحَدِدُ الأخلاقَ ،فالقيمُ ثابتةٌ لاتتغير ، لأنها ليست من صنعِ الإنسانِ فهي جزءٌ من الكونِ ومصدرُ ( المعرفةِ) التي أساسُها السماءِ(العالمُ المثاليٍّ) وهو عالمُ الروحِ ..

فالروحُ  هي الأساسُ وهي أعلى درجاتِ الفلسفةِ المثاليةِ التي (تسودُ كلَّ شيٍّء وتستغرقُ كلَّ شيٍّء وهي كلُّ شيٍّء)

ومن هنا ركَّز الكاتبُ في قصتِه على  (المعرفةِ) التي لا تدْرَكُ بالحواسِ بل  بالعقلِ والانتقالِ من المحسوسِ الى المعقولِ.. فكلما جاءتْ مجردةً  من الإدراكاتِ الحسيةِ سَمَتْ وارتقتْ وكانت أكثرَ يقينيةً و ثباتًا.. فالمعرفةُ حقائقٌ ثابتةٌ لا يمكن تغيرُها ..لا تقبلُ التجزئةَ.. قائمةً بذاتِها، أبديةً، وُجِدَتْ قبل أن يوجدَ الواقعُ بل هي أساسُ الواقعِ. وأقِفُ عند تسميةِ القصة بـ(وردةِ المشاعرِ).. فالمشاعرُ أو الشعورُ Emotion هي تجربةٌ واعيةٌ تتميزُ بالنشاطِ العقلي الشديدِ وبدرجةٍ معينةٍ من المتعةِ أو المعاناةِ.وغالبا ما تتشابكُ العواطفُ مع الحالةِ النفسيةِ والمِزاجِيةِ، والتوجيهيةِ،والدَّافعيةِ، لذا يُعتبرُ( الإدراكُ) جانبًا مهمًا من جوانبِ( المشاعرِ)وغالبًا ما تكونُ هي القوةُ المحركةُ وراءَ الدافعِ إيجابيًا وسلبيًا.

ونستنتج من ذلكَ أن (مشاعرَ وردةٍ) أو( وردةَ المشاعرِ ) كما أسماها الكاتبُ ما هي إلا ردودُ أفعالٍ للوردَةِ على أحداثٍ داخليةٍ وخارجيةٍ كبيرةٍ تأثرتْ بها فأخرجتْ  شُعُورَها. وقد أكد لنا الكاتبُ من خلالِ سردِه  أن الحبَّ بمشاعِرِه الثلاثةِ يصنعُ المعجزاتِ، له تأثيرُ السحرِ في الكائنِ أيّاً كان.. وقد لاحظْتُ  استخدام الكاتبِ لكلمةِ المشاعرِ، في أكثرِ من موضعٍ في نصِه القصصيِّ.. أسرِدُها لكم في نقاطٍ عدة، فاسم القصِة ..1/(وردةُ المشاعرِ).. 2 / أقطف لك وردةً من (شجرةِ المشاعر)..3/ مليئةٌ بأعجبِ و(أرقِ مشاعرٍ)..4/ وأعرفُ أنكَ (شاعرٌ) ..4/ لديكَ( شعورُ) هذه الوردةُ...6/لا أُهديها إلا( لشاعرٍ)..كررَ القاصُ كلِمةَ (المشاعرِ) في  ستة مواضعٍ، مما يؤكد لنا أن الإدراكَ  جانبٌ مهمٌ من جوانبِ المشاعرِ، وأن الحبَّ بمشاعِره الساميةِ يعززُ النموَ الروحيَّ لدى الإنسانِ، ويُوَلِدُ الجمالَ خارجَ نفسِه وهو الذي ينطوي على علاقاتِ الحبِّ  بين الحبيبِ والمحبوبِ

 وهو اللقاءُ المُتَبادَلُ بينَ كلٍّ منهما.. والعواطفُ العميقةُ النبيلةُ التي يَشعُرُ بها شخصٌ ما تجاهَ غيرِه.فبالمودةِ والحنانِ والعطفِ والرعايةِ والشعورِ تجاهَ أحتياجاتِ الآخرين وبالتبادُلِ المستمرِ الصادقِ للمشاعرِ وبتقديمِ الاهتمامِ والمساعداتِ لتطلعاتِ الأحبابِ، وإدخالُ السعادةِ عليهِم والسرورِ بحسنِ معاملاتِهم  والحنوِ عليهم والشعورِ بهم الذي يتجاوزُ أيَّ أنانيةٍ من جانبِ الأحباءِ ...-ومن كل ما سبق- يؤثرُ الحبُ على احترامِ الذاتِ، فيكونُ ردودَ أفعالِ الطرفِ الآخرِ على أحداثٍ داخليةٍ وخارجيةٍ كبيرةٍ،قد أثارَتْهُ وهيأتْهُ للتجلي والظهورِ  في أبهى صِوَرِه الجماليةِ والنفسيةِ التي تنعكسُ على الآخرين إيجابيًا. فالمشاعِرُ ما هي إلا حالاتٌ من الشعورِ الذي يؤدي  إلى التغيراتِ الجسديةِ  والنفسيةِ التي تؤثرُ على السلوكِ فترتبطُ (فسيولوجيا) المشاعرِ ارتباطًا وثيقًا بإثارةِ الجهازِ العصبيٍّ مع اختلافِ حالاتِ وقوةِ الإثارةِ المرتَبِطَةِ بعواطفٍ معينةٍ.

فعلى قدرِ العطاءِ الوجدانيٍّ والمشاعرِ الفياضةِ النابضةِ بالحبِ السامي تأتي النتائجُ مذهلةً راقيةً ترفرفُ مزهوةً بما وصلتْ إليه في عالمِ الروحِ المثاليِّ.(والعكسُ صحيحٌ).

نعودُ معًا إلى الحوارِ بين الصديقينِ في قصةِ (وردةُ المشاعرِ) فعندما استوقفَ الصديقُ صديقَه ليهْدِيَهُ وردةً أثناءَ انصرافِه من منزلِه قائلاً له: هذه الشجرةُ لا تَجِدُها في كلِ مكانٍ.. أبنائي يقطفونَ وردَها كلَّ صباحٍ ..ويقولونَ أنها تنبِضُ بالحياةِ..مليئةٌ.. بأعجبِ وأرقِ مشاعرٍ...أتمنى أن تكونَ الشجرةُ سعيدةً لأنها عجيبةٌ....يومًا تجِدُها مليئةً بالوردِ والفراشاتِ ترقصُ حوْلَها...

ولكنه وجدَها  هذه المرةُ مسكينةً ..حزينةً ..منكسرةً... فأخذَ يبحث له عن وردةٍ مختبئةٍ بين الأغصانِ...فوجدَ وردةً ذابلةً حزينةً .. حَنَتْ رأسهَا نحو الأرضِ..ليست مكسوفةً ولكنها محطمةٌ..أما سائرُ الوردِ فقد جفتْ أوراقُهُ وتساقطتْ.. لكن عبيرَ شذاها يعطرُ المكانَ.

قَطَفَها برفقٍ رغم حيائها ورغم خجِلها ؛ فانتعشت حينما شَعَرتْ بحنانٍ دافيٍء سرى في كيانِها...فأهدها لصديقِه  لكونِه شاعرٌ قائلا له: اِلمس نبضَها وعانِقْ انفَاسها الذائبةَ...فقلتُ لنفسي: غريبةٌ هذه  الوردةُ كالمرأةِ بعواطفِها..بحزنِها وفرحِها..إذا انتعشت اِنتعشَ كلُّ مَنْ حولَها..وإذا شَعَرتْ بالحزنِ تموتُ وتنطفئُ لذةُ الحياةِ فيها...تناولها صديقُه برفقٍ  ووضعَها على راحتِه ونظرَ إليه وهمَّ بالخروجِ.

فالوردةُ إذن يشبِّهُهُا الكاتبُ بالمرأةِ بكلِ مشاعِرها حزنًا أو فرحًا...وتأثيرُ كلٍ منهما عليها..تنتعشُ مع الفرحِ وتزبلُ مع الحزنِ ..وبعد وقتٍ قصيرٍ من انتزاعِها من غصنِها، لم تدمْ فرحَةُ الوردة طويلاً، زَبُلتْ وتساقطتْ أوراقُها مفتتةً، جثةً هامدةً لا حياةَ فيها..  غير أنَّ  روحَ عبيرِها مازالَ يملأُ المكانَ.


تعليقات