د. خالد فوزي حمزة يكتب: صاع زكاة الفطر

  • أحمد عبد الله
  • الأحد 17 مايو 2020, 7:47 مساءً
  • 1798

صاع زكاة الفطر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..

أما بعد .. فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب).

والأقط؛ يعرفه أهل البادية، ويقال له (المضير)، وقد ذكروا لي طريقة صنعه، وهي بغلي اللبن المخيض "الرائب" حتى يتبخر كثير من ماءه، ثم يوضع على نحو البلاط في الأسطح لتجففه آشعة الشمس، وربما بصموا عليه بأصابعهم ليسرع له الجفاف.

فهذه الأصناف الخمسة المنصوصة تبقى عند الفقير الأشهر فتكون طعامه وقوته، وهي التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اقتصر عليها بعض العلماء، وأجاز أكثر العلماء إخراج ما في معناها أي ما كان من قوت البلد، وبعضهم أجاز القيمة.

ولا أفضل من أن يخرج الإنسان المنصوص.

والصاع مكيال، أي وحدة قياس حجم، وليس وزناً، فلا يصح القول هو كذا كيلو جراماً، إلا إذا حددنا أنه من نوع كذا.

فيبقى أن نعرف قدر الصاع، فهو الذي ينبغي تحديده، ولايزال العلماء يجتهدون في تحديده بحسب مكاييل عصورهم، فقال أبو داود: "وسمعت أحمد بن حنبل يقول الصاع خمسة أرطال وهو صاع ابن أبي ذئب وهو صاع النبي صلى الله عليه وسلم"، أي بتقريبه فقد ثبت عنه في مسائل ابنه عبد الله (1/170 ـ م641) قوله: قال خمسة ارطال وثلث دقيق وخمسة ارطال وثلث تمر وكذلك من كل شيء، وسأله عبد الله عن الصاع كم رطل هو؟، قال قدرناه خمسة أرطال وثلث حنطة.

وذكر النووي في المجموع شرح المهذب (2/189) أن الصاع أربعة أمداد بلا خلاف والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي بالاتفاق، وذكر ابن قدامة في المغني (1/254) أنه خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وقدروه بالدراهم بالرطل الدمشقي وزنه ستمائة درهم. وفي الاقناع في حل ألفاظ أبى شجاع (5/374): "والصاع بالكيل المصري قدحان".

فالصاع أربعة أمداد اتفاقاً، ولذلك إشارة في حديث أنس في الصحيحين قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل أو كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد".

وهذا الذي قاله أهل اللغة، ففي لسان العرب (8/214): "والصاعُ مِكيالٌ لأَهل المدينة يأُخذ أَربعة أَمدادٍ".

وقد يسر الله لي فحصلت على إسناد المد النبوي من شيخي علي عامر عقلان الأسدي رحمه الله تعالى حيث عدلت مدي على مده، وهو عدله على مد شيخه، بالإسناد إلى مد زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقد حزرته بالمكيال المعاصر بمخبار مدرج كل مائة سنتيمتر مكعب، فبلغ بين التسعمائة إلى الألف (أي الليتر)، فيكون الصاع قريب أربعة ليترات.

ومد زيد بن ثابت قدروه أيضاً بالحفنات، ففي مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل (3/257): "وأحسن ما أخذناه عن المشايخ أن قدر مد النبي صلى الله عليه وسلم [لعله الصاع] الذي لا يختلف ولا يعدم في سائر الأمصار أربع حفنات بحفنة الرجل الوسط لا بالطويل جدا ولا بالقصير جدا ليست بالمبسوطة الأصابع جدا ولا بمقبوضتها جدا لأنها إن بسطت فلا تحمل إلا قليلا وإن قبضت فكذلك قال الرجراجي وقد عارضنا ذلك بما يوجد اليوم بأيدي الناس مما يزعمون أنه مد النبي صلى الله عليه وسلم فوجدناه صحيحا لا شك فيه وكان عند سيدنا وقدوتنا شيخ الطريقة وإمام الحقيقة أبي محمد صالح الدكالي مد عبر بمد زيد بن ثابت رضي الله عنه بسند صحيح مكتوب عنده فعايرناه على هذا التعبير فكان ملؤه ذلك القدر"ا.هـ.

وفي المجموع (6/129): "وقال جماعة من العلماء الصاع أربع حفنات بكفى رجل معتدل الكفين"، وقال في القاموس المحيط (1/955): "قال الداوُودِيُّ : مِعْيارُه الذي لا يَخْتَلِفُ: أربعُ حَفَناتٍ بكَفَّيِ الرَّجُلِ الذي ليس بعَظيمِ الكَفَّيْنِ ولا صَغيرِهِما إذْ ليس كُلُّ مَكانٍ يوجَدُ فيه صاعُ النبِي انْتَهَى. وجَرَّبْت ذلك فَوَجَدْتُه صحيحاً. اهـ.

لكن لم يذكروا الحفات من ماذا؟، ومعلوم أن حفنات التمر ليست كحفنات البر، وليست كحفنات الزبيب، وهكذا.

وإذا عرفنا أن الصحابة في العهد النبوي كان غالب قوتهم إنما كان من التمر، لحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: "إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار . قال لها عروة: يا خالة ما كان يعيشكم ؟ قالت الأسودان التمر والماء"، ويستأنس له أيضاً بحديث مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله أو جاع أهله) قالها مرتين أو ثلاثا.

وقد اشتريت ماعوناً مدرجاً بالليترات، وحثوت فيه أربعة حفنات من التمر ذي التمرات المتوسطة الحجم بكفي، وأنا معتدل الكفين، فبلغ فعلاً قريب أربعة ليترات.

وعليه فمن أراد أن يحدد قدر زكاة الفطر فليعمد إلى وعاء ويضع فيه أربعة ليترات من الماء إلا يسيراً (3.8 ليتراً) ويحدد مكان ذلك بعلامة، ثم يملأ بالأرز أو التمر أو ما سوف يخرجه إلى هذه العلامة، فهذا هو الصاع، والله أعلم وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


وكتبه....

أ. د. خالد بن فوزي حمزة

أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى ودار الحديث الخيرية سابقًا

تعليقات