عاطف محمد عبد المجيد يكتب : إذا أمْضيْتَ وقتكَ في صراعِ الماضي فمِنْ أيْنَ سيأْتي المستقبل؟

  • جداريات Ahmed
  • الأحد 17 مايو 2020, 03:29 صباحا
  • 1719
عاطف محمد عبد المجيد

عاطف محمد عبد المجيد

حينما نتحدث عن حوار الحضارات لا نفترض فقط تَسَاوي تلك الحضارات من حيث المبدأ، لكننا نفترض أيضًا تساوي أهمية الثقافات المندرجة وغير المندرجة تحتها.      

  ربما من الأفضل أن نتحدث عن حوار الحضارات والثقافات، في هذه الحالة سوف نستطيع بالفعل أن نحيط بالتنوع والغِنى الذي يحمله العالَم من حولنا.                                   

هذا ما جاء على لسان رحيم زاده ومهدي أميروف مؤلفيّ كتاب " الشرق والغرب..صِدام أم انسجام؟ "، وقام بترجمته أنور محمد إبراهيم.

أول ما تقع عليه عينا القاريء في هذا الكتاب هو مقولة الفيلسوف الإسلامي أبو حامد الغزالي والتي تقول: إن عادة الخلط بين الاعتقادات والمعرفة هي آفة هذا الزمان.        

وهذه المقولة ليست بعيدة عن مضمون هذا الكتاب، بل هي تتماس وتتقاطع معه، بل وتتطابق. يستهل المؤلفان كتابهما هذا قائليْن: جاءت نظرية المفكر الأمريكي صامويل هانتنجتون لتصبح أكثر النظريات نقاشاً وجدلاً في الأوساط الأكاديمية.فقد استبدل هانتنجتون بنظرية الثنائية القطبية للعالم نظرية صِدام الحضارات.وقد بدا هذا التحليل راديكالياً وصادماً درجة أنه أعطى انطباع القنبلة المتفجرة، ولفت أنظار الباحثين لقضية صِدام الحضارات بصرف النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم مع فكرة الصِّدام في حد ذاتها.وقد اعترف الجميع بأن الفكرة أثارت اهتمام وقلق النخبة الثقافية والسياسية.وبناءً على تحليل هانتنجتون أصبح الشرق والغرب قطبا الصراع الجديد.

ثم يستطردان قائليْن: وعلى الرغم من أن العالم من حولنا يتميز اليوم بتعقيده وتناقضه وصِدامه إلا أنه ما زال هناك عدد كبير من الناس يعتبرون أن حلقة جديدة من تطور الصدام أمر غير مقبول، حيث يتمثل موقفهم في رفض إمكانية صِدام الحضارات على كوكب الأرض.كما أن زيادة التوتر الحضاري والذي يُعد عملية موضوعية ودرامية يعكس مشكلات أخرى للتطور العالمي.مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ومشكلات أخرى، حيث يجب الاعتراف بأن الصدام لا يمكن تجنبه حتى ذلك الحين الذي تتمكن فيه كل حضارة موجودة على كوكبنا اليوم من امتلاك إمكانية طرح وشرح الإجابات والدعوات للمعاصرة المبنية على التقاليد العريقة وحكمة القرون.

بعد ذلك يتعرض المؤلفان للتهديدات التي تهدد الإنسان وتهدد مقدرته على الحياة وأول مستوياتها تلك التي تنشأ عن ضغط الحضارة الإنسانية المتسارع والكارثي على البيئة المحيطة ويرتبط ذلك بالزيادة السكانية مع أنها ليست السبب الوحيد.أما ثانيها فهو نقص الموارد الطبيعية غير القابلة للتعويض، وأهمها الماء والغابات بجانب المعادن والمستخرجات الثمينة.  ثم هناك مستوى آخر للتهديدات وهو يرتبط بالعولمة المتسارعة والتي تساعد على انتشار التكنولويا الحديثة في كل بقاع الأرض بدءاً من تكنولويا الآلات والإدارة وانتهاءً بتكنولويا العناية بصحة الإنسان.لكن يجب ألا نغفل نتائج العولمة التي تُعمِّق الأزمات سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية.كذلك ثمة تهديد آخر للاستقرار والنظام العالمييْن وهو مرتبط بالنزوح الجماعي الذي أصبح حجمه يذكّرنا بالهجرة الكبرى للشعوب وهي مشكلة ازدادت حدتها خاصة بالنسبة للدول المتقدمة التي نزحت إليها أعداد هائلة من شعوب الدول الفقيرة والأقل حظاً من التقدم في آسيا وأفريقيا، وذلك في ثلث القرن العشرين الأخير.       

أما المستوى الثالث من التهديدات فيرتبط بالفهم الخاطيء للعمليات التي تحدث في عالمنا المعاصر والتي تشوهها الاتصالات.في حين يتعلق المستوى الرابع للتهديدات بالجوانب الاجتماعية والثقافية للوجود الإنساني، بداية بمشكلات الصحة العامة والتغذية ومشكلات الماء وتأثير المناخ والبيئة المحيطة واكتظاظ المدن بالسكان ومستوى أماكن المعيشة ومشكلات النظافة ورفاهية العيش.فيما يرى ت.بوكل أن الحضارة وحدة عُرفية ثقافية في الزمن والمكان غير قابلة للتجزئة.فيما يُعرِّفها عالم الأنثروبولويا الإنجليزي  إدوارد تايلور بأنها الموروث الاجتماعي الشامل للبشرية، وبمعنى آخر تعني الحضارة بالنسبة إليه اجتماع المعرفة والثقافة الإنسانية متمثلة في مجتمع أكثر تطوراً في زمان بعينه.أما الباحث الروسي ب.س.يراسون فيطرح تعريفاً علمياً لمصطلح الحضارة يرى فيه أن الحضارة كالمجتمع بكل ما للمجتمع من مكونات كالمدينة، كالشكل المعاصر للهيكل الاجتماعي المُميِّز للدول الغربية المتقدمة والأقاليم الأخرى التي تمتلك قدراً عالياً من التقدم التكنولوﭽـي.ويجد المؤلفان في تطور اليابان عنصراً حضارياً مهماً يتمثل في التجانس الثقافي الكبير، تجانس يفوق جميع الحضارات الأخرى.    ولقد أصبحت الحضارة اليابانية أول الحضارات الآسيوية التي تطبق بنجاح مبدأ الحداثة وذلك لاعتمادها على تراثها التاريخي والاستفادة من خبرة الغرب.ثم يتحدث المؤلفان عن العولمة التي يرفض أنصارها القراءة الحَرْفية لنظرية الحداثة.لكنهم مع ذلك يحافظون على المصطلح ذاته إضافة إلى ذلك فهم في الأغلب الأعم يُساوون بين العولمة وبين نشر الحداثة في جميع أنحاء العالم.إذ تعني العولمة امتصاص المجتمعات الأقل بواسطة المجتمعات الأكبر، الأمر الذي يعني ابتلاع المجتمعات غير الغربية بواسطة الثقافة الغربية من خلال عملية الحداثة.   وفي معرض حديثهما عن وجهة نظر الغرب في المجتمع الإسلامي يوردان ما كتبه ي.رينان من أن المجتمع الإسلامي يُمثّل البربرية الخارجية بالمعنى الكامل للكلمة، وأن على البشرية أن تتخلص منه بوسائل ثقافية وسياسية.وبعد ذلك فقط سيتمكن المجتمع الغربي من إزالة العناصر المهمة للحضارة الإسلامية مثل الدين الإسلامي واللغة العربية، وسيصبح بإمكانه أن يوظف الموارد البشرية والمادية للمجتمعات الشرقية لصالح البشرية كلها بطريقة فعَّالة.                

وفي الوقت نفسه ترى المركزية الأوروبية أن المجتمع المسيحي يتفوق على المجتمع الإسلامي بنفس درجة تفوُّق الحضارة على البربرية.وعلى الرغم من ذلك لا يدعي المؤلفان أن تيار الإيجابيين ومنهم ي.رينان يتحملون المسئولية في ظهور الأصولية الإسلامية ولكنهم غالباً أسهموا في ظهور هذا كرد فعل راديكالي للمجتمع الإسلامي الموجه ضد النفوذ الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين.لقد خلق السرد الغربي الإيجابي إزاء تاريخ الإسلام هذه الآثار الأيديولوية والسياسية حقاً.هذا ويحتوي كتاب " الشرق والغرب..صِدام أم انسجام؟ " في ما بين دفتيه على مسائل أخرى ينبغي قراءتها وتأملها جيداً حتى نقف على كُنْهِ العلاقة فيما بين الشرق والغرب، ومن قبل على نظرة الغرب للمجتمعات الشرقية عامة والعربية الإسلامية خاصة.

 

 

تعليقات