د. خالد فوزي حمزة يكتب: الزكاة.. ومسائل مهمة

  • أحمد عبد الله
  • الجمعة 15 مايو 2020, 8:38 مساءً
  • 1488
أرشيفية

أرشيفية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..

أما بعد.. فيكثر هذه الأيام الكلام على بعض المسائل في الزكاة، ومنها الحديث عن تعجيل الزكاة قبل وجوبها، وحكم إعطائها مواداً غذائية، وحكم إعطائها للأقارب، ونحو ذلك من المسائل.

& تعجيل الزكاة:

 يجوز عند جمهور الفقهاء التعجيل بإخراج الزكاة قبل الحول في الجملة، وذلك لما ورد عن علي: (أن العباس سأل النبي في تعجيل صدقته قبل أن تَحِل؟ فرخَّص له في ذلك) [رواه أبو داود، وصححه ابن الجارود والحاكم والذهبي، وحسنه الألباني]، وفي الصحيحين أن النبي قال: (وأما العباس ابن عبد المطلب فعم رسول الله فهي عليه صدقة ومثلها معها) أي ثابتة مستحقة سيتصدق بها. ومثلها معها: لأن النبي أخذ منه صدقة عامين. والزكاة حق مالي جعل له أجل للرفق، فجاز تعجيله قبل أجله، كالدين؛ وقد وجب بسببين، وهما: النصاب، والحول: فجاز تقديمه على أحدهما، كتقديم كفارة اليمين على الحنث. وبعض العلماء خالف في ذلك، ولذا نص الحنفية والمالكية والحنابلة: على أن تركه أفضل، خروجا من الخلاف. لكن مع أحوال الناس الآن والحاجة الملحة للزكاة مع وباء كورونا، فقد يكون التعجيل أولى، والله أعلم.

وقد اختلف الفقهاء في المدة التي يجوز تعجيل الزكاة فيها: فمن نظر إلى أن سبب الوجوب ملك النصاب النامي، أجاز تعجيل الزكاة لسنين، وهو مذهب الحنفية، ومقابله، قال المالكية: بعدم جواز تعجيل الزكاة لأكثر من شهر قبل الحول وتكره بشهر، وتوسط الافعية والحنابلة، فقال الشافعية بجواز تعجيل الزكاة لعام واحد، ومنعوا لأكثر منه، لأن زكاة غير العام الأول لم ينعقد حولها، والتعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز، كالتعجيل قبل كمال النصاب في الزكاة العينية. وأما الحنابلة فأجازو التعجيل لحولين فقط، اقتصارا على ما ورد، ولعله أقرب من حيث النص، فإن الزكاة وعاء حولي، وورد النص بجواز التعجيل لسنتين فيقتصر عليه، والله أعلم.

& زكاة الديون، لا يجوز في الزكاة أداء الدين عن العين كجعله ما في ذمة مديونه زكاة لماله الحاضر، وكثيراً ما يسأل عن هذا، فيقول أحدهم، عندي زكاة، وأطالب فلاناً بالديون، فهل أسقطها من الزكاة، فيقال لا يجزئ ذلك، لكن يمكن أن يعطي الفقير زكاته، ثم يأخذها عن دينه، إذا لم يتواطآ عليه يعني لا يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه لأن من شرطها كونها تمليكا صحيحا، فإذا شرط الرجوع لم يوجد ذلك التمليك، ويجوز للفقير أن يوكل الإنسان في قبض الزكاة عنه، وإسقاط من دينه بقدرها، فتكون الوكالة صحيحة ههنا، فيقبض الإنسان الزكاة من غيره، أو تكون زكاة نفسه، ويسقط من دين الفقير مقابلها.

وكذلك التمليك شرط في مصارفها فلا تصرف إلى بناء مسجد أو القناطر وإصلاح الطرقات والحج والتكفين وكل ما لا تمليك فيه؛ لكن يصح أن يتصدق بها على الفقير ثم يصرفها الفقير إليها.

& دفع الزكاة للأقارب:

ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى أصله كالآباء والأمهات، وإن علا كالأجداد والجدات، ولا إلى فرعه كالأبناء والبنات، وإن سفل كأولاد الأولاد، وإن كانوا معسرين، وذلك لأن منافع الأملاك بينهم متصلة، أما سائر الأقارب، ويقال لهم الحواشي كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وأولادهم، فلا يمتنع إعطاؤهم زكاته، لقول النبي : إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة، [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني]

والنزاع بين الفقهاء هو في الصدقة على الأقارب الذين تلزمه نفقتهم، والأقرب أنه لا يجوز أن يعطيهم من الزكاة، وهم الأصول والفروع، ممن يرث، واستثنى المالكية الجد والجدة، وأولاد الابن والبنت، وقالوا: اللازم نفقة الابن ما دام في حد الصغر، والبنت إلى أن تتزوج ويدخل بها زوجها. واستثنى الحنفية من فرض له القاضي النفقة على المزكي، فلا يجزئ إعطاؤه الزكاة، لأنه أداء واجب في واجب آخر، على أنهم نصوا على أن يجوز أن يدفعها إلى زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوج ابنته.

والأرجح أن هذا الإعطاء الممنوع مختص بسهم الفقراء والمساكين، أما لو أعطى والده أو ولده من سهم العاملين أو المكاتبين أو الغارمين أو الغزاة فلا بأس. وقالوا أيضا: إن كان لا يلزمه نفقته جاز إعطاؤه. وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه (إن كان القريب الذي يجوز دفعها إليه حاجته مثل حاجة الأجنبي إليها فالقريب أولى. وإن كان البعيد أحوج لم يحاب بها القريب. قال أحمد عن سفيان بن عيينة كانوا يقولون: لا يحابي بها قريبا ولا يدفع بها مذمة ولا يقي بها ماله) ولما سئل عن دفعها إلى والديه وولده الذين لا تلزمه نفقتهم هل يجوز أم لا؟ فأجاب: (الذين يأخذون الزكاة صنفان: صنف يأخذ لحاجته. كالفقير والغارم لمصلحة نفسه. وصنف يأخذها لحاجة المسلمين: كالمجاهد والغارم في إصلاح ذات البين فهؤلاء يجوز دفعها إليهم وإن كانوا من أقاربه. وأما دفعها إلى الوالدين: إذا كانوا غارمين أو مكاتبين: ففيها وجهان. والأظهر جواز ذلك. وأما إن كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم فالأقوى جواز دفعها إليهم في هذه الحال؛ لأن المقتضي موجود والمانع مفقود فوجب العمل بالمقتضي السالم عن المعارض المقاوم). وفي فتاوى الأزهر: (أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر فيها الدافع إليهم على الإنفاق عليهم، لأنه إذا وجبت النفقة عليه يكون دفع الزكاة إليهم إغناء لهم عن النفقة فيعود النفع إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه، فلم تجز كما لو قضى بها دينه ولأن مال الولد مال لوالديه، لحديث (أنت ومالك لأبيك) وكذلك لا يجوز دفع الزكاة للأولاد لأنهم جزء الأب، والدفع منه إليهم يكون كالدفع لنفسه. وأيضا الزوجة لأن نفقتها واجبة عليه، وما يدفع للأخ أو الأخت يجوز أن يكون من الزكاة إذا كانت نفقتهما لا تلزم الدافع شرعا إذ أن من وجبت نفقته على قريبه لم يجز دفع زكاته إليه عند أكثر العلماء، والتبرع لمساعدة المحتاج يجوز احتسابها من الزكاة إذا كانت النية وقت التبرع منعقدة لاحتسابها من الزكاة، ولا تجزىء النية اللاحقة).

& إعطاء الزكاة مواداً غذائية:

فيكثر جداً السؤال عن شراء سلع للفقراء بأموال الزكاة بدلا من إعطائهم نقوداً، ويعلل أحياناً بأنهم لو أعطوا نقودا فقد ينفقونها في غير منفعة، أو ينفقونها في معصية.

وهذا لا يجوز لأن الأصل أن تؤخذ الزكاة من المال الذي تجب فيه الزكاة، وتعطى للفقراء هكذا. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل عليه زكاة، هل يجوز له أن يعطيها لأقاربه المحتاجين أو أن يشتري لهم منها ثياباً أو حبوباً؟ فأجاب: (الحمد لله، يجوز أن يصرف الزكاة إلى من يستحقها، وإن كانوا من أقاربه الذين ليسوا في عياله، لكن يعطيهم من ماله، وهم يأذنون لمن يشتري لهم بها ما يريدون). وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة عن شراء كتب شرعية من مال الزكاة وتوزيعها؟ فأجابت: " لا يجوز شراء كتب بمال الزكاة وإهداؤها، بل تدفع عينا لمستحقيها الذين ذكرهم الله في كتابه فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ... [التوبة: 60]، وإذا كان من يستحق الزكاة عاصياً، ويخشى منه استعمال شيء من المال في المعصية، فإننا نعطي الزكاة لمن ينفق عليه، أو نطب منه أن يوكلنا في شراء ما يحتاج.

وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هذا الذي ابتلي بشرب الدخان إذا كان فقيراً، فإنه من الممكن أن نعطي الزكاة لامرأته وتشتري هي بنفسها حوائج تكمل بها البيت، ومن الممكن أن نقول له: إن عندنا زكاة، فهل تريد أن نشتري لك كذا وكذا من حوائجه الضرورية؟ ونطلب منه أن يوكِّلنا في شراء هذه الأشياء، وبذلك يحصل المقصود، ويزول المحظور – وهو مساعدته على الإثم - فإن من أعطى شخصاً دراهم يشتري بها دخاناً يشربه فقد أعانه على الإثم، ودخل فيما نهى الله عنه في قوله: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). وسئل أيضاً: هل يجوز إخراج زكاة المال في صورة سلع استهلاكية وملابس إذا علم أن بعض الأسر الفقيرة من الأصلح لها شراء هذه الأشياء بحيث يخشى أنه لو أعطيت النقود فسوف يتصرفون فيها فيما لا فائدة منه؟ فأجاب: "هذه المسألة مهمة يحتاج الناس إليها إذا كان أهل هذا البيت فقراء، ولو أعطيناهم الدراهم لأفسدوها بشراء الكماليات والأشياء التي لا تفيد، فإذا اشترينا لهم الحاجات الضرورية ودفعناها لهم، فهل هذا جائز؟ فمعروف عند أهل العلم أن هذا لا يجوز، أي لا يجوز للإنسان أن يشتري بزكاته أشياء عينية يدفعها بدلاً عن الدراهم، قالوا: لأن الدراهم أنفع للفقير، فإن الدراهم يتصرف فيها كيف يشاء بخلاف الأموال العينية فإنه قد لا يكون له فيها حاجة، وحينئذ يبيعها بنقص. ولكن هناك طريقة إذا خفت لو أعطيت الزكاة لأهل هذا البيت صرفوها في غير الحاجات الضرورية، فقل: لرب البيت سواء كان الأب، أو الأم، أو الأخ، أو العم، قل له: عندي زكاة، فما هي الأشياء التي تحتاجونها لأشتريها لكم وأرسلها لكم، فإذا سلك هذه الطريقة، كان هذا جائزاً، وكانت الزكاة واقعة موقعها".

& توزيع الزكاة شهريّاً:

يسأل كثير عن فرض مرتبات شهرية للفقراء طوال العام من الزكاة، فهل يجوز ذلك، أو لا؛ والأصل أنه إذا وجبت الزكاة في المال فالواجب إخراجها فوراً، ولا يجوز تأخيرها. قال ابن قدامة في المغني: (إن أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة، أو ذي حاجة شديدة، فإن كان شيئاً يسيراً: فلا بأس، وإن كان كثيراً لم يجز)، وجمهور العلماء إلى أنه إن أخر الزكاة بعد الحول مع التمكن من الإخراج فتلف بعض المال أو كله فإنه ضامن لها، فإن الله تعالى أمر بإيتاء الزكاة ، ومتى تحقق وجوبها توجه الأمر على المكلف بها، ولأن حاجة الفقراء ناجزة، وحقهم في الزكاة ثابت، فيكون تأخيرها منعا لحقهم في وقته. وسئل أحمد: إذا ابتدأ في إخراجها فجعل يخرجها أولا فأولا؟ قال: لا، بل يخرجها كلها إذا حال الحول. وقال: لا يجري على أقاربه من الزكاة كل شهر، أي مع التأخير.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن من مات وعليه زكاة لم يؤدها فإنها لا تسقط عنه بالموت كسائر حقوق الله تعالى المالية، ومنها الحج والكفارات، ويجب إخراجها من ماله سواء أوصى بها أو لم يوص، بل ويقدم دين الله لحديث دين الله أحق أن يقضى، وعند الحنفية لا يجب إخراجها من تركته، إلا إن كان قد أوصى بها.

وسئل علماء اللجنة الدائمة بالمملكة عن جمعية تقوم بجمع الزكاة من الأغنياء ثم تؤخر صرفها لمدة تصل إلى عام، وذلك بحجة أن يكون هناك إعانة لربيع وإعانة لرمضان وهكذا، فما الحكم في هذا التأخير حيث إن أصحاب الأموال قد أخرجوها من ذمتهم وحملونا إياها؟ فأجابوا: (يجب على الجمعية صرف الزكوات في مستحقيها وعدم تأجيلها إذا وجد المستحق).

ولكن قد تكون المصلحة أحياناً في عدم دفع الزكاة للفقير دفعة واحدة، حتى لا ينفقها جميعها ويبقى لا مال له، بل تدفع له على دفعات كل شهر. فيمكن العمل في هذا بجمع الزكاة معجلة، وهكذا، ثم تقسط للفقراء على دفعات شهريا، أو تأخذونها من الأغنياء معجلة على دفعات، وتعطى للفقراء شهريا، فلا تكون قد تأخر إخراجها بعد وجوبها. والمصلحة في ذلك.

قال ابن قدامة في المغني: (قَالَ أَحْمَدُ: لا يُجَزِّئُ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، يَعْنِي لا يُؤَخِّرُ إخْرَاجَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ مُتَفَرِّقَةً, فِي كُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا, فَأَمَّا إنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ, أَوْ إلَى غَيْرِهِمْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً, جَازَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا). وفي سؤال وجه إلى اللجنة الدائمة بالمملكة، قال السائل: هل يجوز لي إخراج زكاة المال مقدمة طول السنة، في شكل رواتب للأسر الفقيرة، في كل شهر؟ فأجابوا: (لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنة أو سنتين إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً). فالحاصل أن من أراد أن يعطي الزكاة شهرياً فتكون من المعجل منها، وليس من الزكاة الحالّة، لأنها بحلولها تعلقت بذمة الإنسان، والأصل أن الإنسان يعمل على إبراء ذمته سريعاً، فإن الآجال مكتوبة. {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38]

والله أعلم وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 


كتبه:

أ.د. خالد فوزي عبد الحميد حمزة

تعليقات