شعبان القاص يكتب: المعرفة والمنهج العلمي في القرآن الكريم

  • جداريات 2
  • الجمعة 15 مايو 2020, 04:54 صباحا
  • 1879
الكاتب شعبان القاص

الكاتب شعبان القاص

إن أي باحث منصف يقرأ القرآن الكريم سيضع يده على أعظم نظرية فى المعرفة وسيجد أهم خطوات المنهج العلمي الصحيح، فقد قدم القرآن نظرية متكاملة في المعرفة تعتمد على المنهج العلمي التجريبي، فبدأ بدعوة الناس إلى أول خطوة من خطوات المنهج العلمي وهى الملاحظة أو المشاهدة والتسجيل قال الله: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت» الغاشية 17-20 .

وقال تعالى: «فلينظر الإنسان مما خلق  خلق  من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب» الطارق 5-7 .

ويلفت نظر الإنسان إلى المقارنة بين الظواهر فقال تعالى: «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى».

ويدعوه إلى الملاحظة مع التأمل فيقول الله تعالى: «أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج , والأرض مددناها والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصره وذكرى لكل عبد منيب» ق 7-9 .

وكذلك يدعو الله الإنسان للبحث وتقصي الظواهر والآثار: «قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين» الأنعام :11..وقوله تعالى: «فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شي قدير » الروم: 50.

وقال أيضا: «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخره إن الله على كل شئ قدير » العنكبوت :202 . وفعلا نجح العلماء اليوم في تحديد عمر الصخور والمخلوقات المتحجرة في باطن الأرض وفقا لما ذكرته الآية (كيف بدأ الخلق) .

ويقرر القرآن أن التجربة هي مصدر العلم اليقيني فنرى الله سبحانه يأمر إبراهيم عليه السلام للقيام بتجربة ليريه كيف يحيى الله الموتى وعندما شك رجل من بني إسرائيل في حقيقة البعث أثبت الله له بالتجربة ما شك فيه كما في قوله: «أو كالذي مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنـّى يحيى هذه  الله بعد موتها فأماته الله مائه عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك  وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير» البقرة 259 .. فقد استخدم الله التجربة في الإقناع, ليعلم الإنسان هذا المنهج ودعاه لممارستها كما فى قوله تعالى : (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير)) الملك 4 .. فهو يدعو الإنسان لتكرار التجربة والملاحظة حتى يتأكد من صدق النتائج.

ونلاحظ أن الله في دعوته للإنسان إلى هذا المنهج تدرج به من ملاحظة الظواهر البسيطة إلى ملاحظة الظواهر الأكثر تعقيدا وتركيبا فالقرآن أخذ يوجه العقل البشرى لرصد مختلف الكائنات والمخلوقات وما تنطوي عليه كلها من سر واحد عظيم هو سر وجودها وكينونتها وكيف أن هذا السر العظيم لا يقل في النملة الصغيرة عنه في الشمس والكواكب والنجوم, سر ينطق بأن هذا الكون يقوم على نظام ويهدف إلى غاية ولابد أن يكون وراء ذلك قوه منظمة وهادفة  لا شك انها قوة الله الخالق سبحانه وتعالى.

 فعندما طلب الله من العرب أن ينظروا إلى الإبل كيف خلقت؟  يعلم أن أدوات الملاحظة عندهم هي العين المجردة، وبملاحظة العين المجردة للإبل يستطيع الإنسان أن يلمح عددا من الخصائص التي زود الله بها الإبل لتساعدها على الحياة في الصحراء كدليل على عناية الله وقدرته - مثل الأرجل الطويلة التي تقطع المسافات البعيدة والخف الصلب الكبير الذي يمنع الرجل من الغوص في الرمال وقدرة الإبل على احتمال العطش وكذلك تستطيع الإبل أن تشرب جميع أنواع المياه سواء عذبة أو آسنة دون أن يطرأ عليها أى عرض مرضى، ولكن الأمر الرباني بملاحظة الإبل استثار علماء العصر الحديث أيضا فقد لاحظ العلماء أن الجهاز الهضمي عند الإبل يحول المخلفات النيتروجينية إلى بروتينات بعكس الحيوانات المجترة الأخرى التي تطرحها في البول وهذه خاصية تنفرد بها الإبل  لتعوضها علن قلة الطعام في الصحراء.

ولاحظ العلماء وجود الطبقة الدهنية الرقيقة في جلودها والتي تمنعها من التعرق فيساعدها ذلك على الاحتفاظ بالماء ولاحظ العلماء أيضا أن الإبل تتحكم في حرارة أجسامها فعندما تكون درجة الحرارة 50 درجة تستطيع أن تجعل درجة الحرارة داخل أجسامها 38درجة مئوية وبنفس الطريقه ترتفع درجة حرارة أجسامها أثناء الليل لتستطيع التغلب على جو الصحراء المتقلب ولا يزال العلم يكتشف بأجهزته الحديثه الكثير من المعلومات ليعطى  دلاله واضحة أن القرآن الكريم يلفت نظر الإنسان إلى ظواهر مليئة بالأسرار التي ما إن يكتشفها الإنسان حتى يهتف بقدرة الله وعظمته وعنايته بهذا العالم.

وكما طالب القرآن العربي القديم بالنظر إلى الإبل طالبه بالنظر إلى السماء بالعين المجردة ليستثير قوى التأمل والتفكير في عقله ولكن عندما يقول الله في القرآن : «وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون» الأنبياء: 32.. تشعر أن هذه الآية رسالة خاصة إلى علماء العصر الحديث لأن العربي القديم  لم تكن له أدوات الملاحظة التي تمكنه من اكتشاف هذا السقف ولا تمكنه من ملاحظة.

الثقوب أو الفتحات التي يمكن أن تحدث في السماء، كما في قوله : «أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج» ق 7 .

وقد يستغرب الإنسان من قول ربنا للناس ساعة نزول القرآن: «وهم عن آياتها معرضون». فكيف يعرض الإنسان عن شيء لا يستطيع  أن يراه أصلا ولكن الاستغراب يزول عندما نعلم أن العلماء في عام 1970 لاحظوا وجود  طبقة الأوزون التي تعتبر سقفا للسماء يحيط بالأرض ليحميها من الأشعة فوق البنفسجية الخطيرة، وبالرغم من معرفه هذا الأمر لم تكف الدول الصناعيه الكبرى عن أنشطتها التى تتسبب فى إحداث ثقوب فى هذه الطبقه  ويعرضون عن نصائح العلماء حبا فى الثراء والمكسب كما أن هؤلاء معرضون عن الاعتراف بأن القرآن كلام الله ولا يسألون أنفسهم من الذى أخبر محمدا بهذا السقف وهذه الثقوب التى جعل الله عدم وجودها دليل على عظمة السماء التى بناها.         لقد وجه القرآن الإنسان إلى ملاحظة هذه الظواهر بغض النظر عن وجود أدوات الملاحظة وأجهزتها في زمن نزول القرآن لأن القرآن - كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «لا تنقضي عجائبه» ولأنه جاء ليخاطب الناس وخاصة العلماء فى كل العصور.

تعليقات