السعيد عبد الكريم يكتب: قصيدة النثر بين جماليات التشكيل وفوضوية الكتابة

  • جداريات 2
  • الخميس 14 مايو 2020, 1:31 مساءً
  • 2100
الشاعر السعيد عبد الكريم

الشاعر السعيد عبد الكريم

صديقي المبجل المكرم في عيني والناقد الكبير بادرني قائلا: ما كنت أعرف أنك تكره (قصيدة النثر)

فقلت له ردا مقتضبا عن عدم رفضي لأي لون أدبي يحوي جمالا ما، و إن قلَّ فنحن الآن في عصر أحوج ما نكون فيه إلي الجمال . وهو كثير إذا وجدت العين القادرة على التقاطه  قليل إذا قلت . وهناك القبح المحض الذي تقف أمامه العين كليلة مهما بلغت قدرتها .و أهمس إليه بأدب المريد في حضرة شيخه . سيدي الدكتور إني ربما لا أستطيع تحديد ماهية الشعر فقد تباعدت حدوده ولا مذاقاته المتنوعة وجماليات ألوانه ولكنى ربما أعرف بحكم دراستى بـ«دار العلوم» التى أتوق إلي كل لبنة فيها و أجل حصاها. ما ليس بشعر و لقد تعلمت تجاهاتها علي يد من لهم كل التقدير من الأحباء و دمت منهم ، ولموتاهم الفردوس الأعلى ـ أن ما لا يغيرنى أو يدعونى إلى التغير أو ما لا  " يخربش داخلي" أو يقدم لي نوعا من الفرح أو الحزن أو القلق المضاف و يعلمني شيئا عن سبب وجودي على هذه الأرض أو يقتلني  تفاؤلا و حبا للحياة  ليس بشعر . نعم في رأيي الخاص ليس بشعرٍ ما لا يغير شيئا فيّ ولو للحظة واحدة و يتركني أتلمس الطريق ..وذلك انطلاقا من أن الشعر في الاصطلاح : قول تخيلي بليغ التأثير يعتمد علي التركيز و التكثيف في وصفه لعنصر من عناصر الحياة و يتطور في تخليق التخيل و تحريك الأذهان و إنما كان مقصدي من المقال السابق هو كيف تغربت النصوص العربية وأصبحت كفروعٍ تنبت في الهواء بخاصة (قصادة النثر)

وقد ساعد في تغريب هذا اللون الأدبي ـ الترجمات ـ التى دائما تأتى بنتائج عكسية معنا ـ نحن العرب ـ فقد ترجمه الغرب عنا و طمسوا معالمنا في كثير من الكتب وسرق كثير من المترجمين ملامحنا عندما نقلت هذه الملامح الفنية عن طريق صقلية وترجمات باليرمو و منافذ الترجمات العديدة و لكنهم قراء جيدون فعلوا ما يفعل النحل جمعوا كل رحيق أسلافنا و هضموه و أحالوه عسلا صافيا وأضافوا ملامحهم ونحن تنقله الآن دون أدنى قدرة على وضع ملصق يقول إن اليد الناقلة عربية.

و إذا أردنا طمسه في التراث العربي لأضعنا التراث والعسل.

وهذا انموذج من ديوان جميل الطباعة تكلفته عالية الثمن مبهرج مزين كأنه يحتوى على لؤلؤ الشعر كله.

اختار قصيدة بعنوان (عندما تنزل ماءها) لإحدى الشواعر

ما بال الخليلة مالها؟

في كل خطوة تغير أفكارها

من يمينه مفوهة

نحو رفيقه مرفهة

جراحها أربعة

تنزف بلا توقف  اترى ربها أوحى لها.

. في كل مرة

يبدو لها

يعترض سبيلها..

يدرأ عنها النعيم.

ما هذا و هل ينتمى هذا إلى لغة العرب في شئ؟!

أو إلى الشعر بكل صنوفه علي مستوى العالم؟!!

أو إلى أى تعريف وضعه بعض المرتزقة في شعرنا العربي قديما و حديثا؟!

و من العجب أن معظم كَتَبَةِ هذا النوع يعرفون أكثر من لغة و معظمهم يعمل بالترجمة و تبقى بقيه أستطيع أن أقول أنهم بحق أجادوا و طوروا و فهموا أن إرثهم العربي هو الأصيل فتوكأت سواعد أقلامهم عليه و إليك المبدع "محمد عيد إبراهيم" و قد جلست ووضعت بعض أعماله أمامي مثل ..الملاك الأحمر ،_مخلة في فراشة ._عيد النساج ..كل نصٍ جدير بأن يكون أنموذجا. وكذلك فتحي عبد السميع و محمد حربي. فتحي عبدالله..و إبراهيم داوود .. و كمال أبو النور وغيرهم لا أريد أن أعدد أسماء فأنسى، لنأخذ نموذجا بسيطا للشاعر محمد عيد إبراهيم جزء من قصيدة تحت ظل النسر لمحمد عيد إبراهيم

رأيت الناس تمشي تحت ظل النسر

و النسر لاهٍ بجيفته

جلست أكتب عن مستبد عنيف

فتبدى أمامي غيره، مستبد لطيف

بعدما شربت الشاي، قمت من مكاني، فزعا،

كنت أنوي أن أنحني، صاغرا، تحت ظل النسر،

مثلي كغيري، لم لا؟

ثم بعد أن يبين ماهية الطغاة والذين يصفقون دون وعي أو معرفة حتي توهم كثير من الناس أنا الاستثناء هو القاعدة فتسائلوا لماذا لاأنحني كغيري  ويبين هدف الطغاة ومبتغاهم فيقول

فالنسر لا يعوزه أن نعوم في سلام،

بل يتمنطق بندقية.

ثم يفرق بين أنواع الاستبداد ويبين أنه مهما اختلفت طرق المستبد فهو محقق هدفه على جسد كل مسالم طيب . فيقول:

" لا تفكر فالنسر موجود! "

المستبد العنيف من دون وجهٍ ، يتلمسني

كالأعمى السعيد،

لكن المستبد اللطيف ببالي، كالوعي النظيف.

لذلك ياصديقي أنحني إجلالا للجمال أينما وجد  رحم الله الشاعر المترجم محمد عيد إبراهيم.


تعليقات