رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

عاطف محمد عبد المجيد يكتب:فارق كبير بين الفكر السياسي الأوروبي والإسلامي

  • جداريات Ahmed
  • الأحد 10 مايو 2020, 9:43 مساءً
  • 1184
عاطف محمد عبد المجيد

عاطف محمد عبد المجيد

في مقدمته التي تجاوزت الثلاثين صفحة لكتاب " الغرب والإسلام..الدين والفكر السياسي في التاريخ العالمي " لمؤلفه  أنتوني بلاك، والصادر عن سلسلة عالم المعرفة، يقول المترجم د. فؤاد عبد المطلب إنه من المعروف تاريخياً أن (الدولة) المَدَنية التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم قامت على أسس ومباديء عامة تنبع من روح القرآن الكريم ومن بعض آياته التي تنص على إقامة العدل وعلى رعاية المجتمع الإسلامي وحمايته.               

                                        كذلك يضيف عبد المطلب أن الخلافة الإسلامية لم تتأسس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على نَصٍّ ديني يحدد طريقة انتقال السلطة أو يبين اسم من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم, ما يعني أن هذا الأمر كان متروكاً للأمة تختار الطريقة المناسبة التي تحقق مبدأ الشورى وتقيم العدل ضمن السياق الإسلامي.                                                                                          

  أما المؤلف  أنتوني بلاك وهو أستاذ فخري لتاريخ الفكر السياسي في جامعة دندي بأسكتلندا فيستهل كتابه هذا قائلاً عنه إنه تاريخ مقارن للفكر السياسي يراقب فيه ثلاث منظومات منفصلة للفكر السياسي " الغربي والإسلامي والبيزنطي " جنبًا إلى جنب، ليكتشف بأي نواح ومتى ولماذا اختلفت أو تشابهت فيما بينها؟                                                 

     يريد أنتوني بلاك  في كتابه هذا أن يدرس العوامل المشتركة لدى المنهجين الغربي والإسلامي تجاه السياسة وأين اختلفا في أصليهما وفي الطرق التي تطورا فيها مع الوقت.             وهذا، كما يرى بلاك، سيساعد في تفسير سبب كون العالم كما هو عليه الآن بقدر ما يتعلق الأمر بالأيديولوجيا، مضيفًا أن هناك تفسيرات أخرى تستند إلى الاقتصاد وسياسة القوة ومن دون الحاجة إلى ذكر التغافل الإنساني.                                                        

ومُقدِّمًا لكتابه يقول بلاك إن هذا الكتاب يدور مبدئيًا حول الغرب والإسلام ويناقش الفكر السياسي البيزنطي بصورة أقل شمولية لأنه ينتمي إلى العائلة الموسعة نفسها، وبعض الاختلافات والتشابهات بين أوروبا وبيزنطة مميزة تقريبًا كالتي بين أوروبا والإسلام ولا حاجة كثيرًا إلى التفسير.                                                                         

  وحجة الكتاب هذا، والقول لبلاك، أولًا هي أنه حتى العام 1050 الميلادي تقريبًا كان لأوروبا المسيحية والإسلام والعالم البيزنطي قواسم مشتركة أكثر مما يُظن عادةً.                      

وثانيًا إن ما ميزها على نحو حاسم كان الثورة البابوية في أواخر القرن الحادي عشر التي تلتها نهضة أوروبا في القرن الثاني عشر.

ثلاث مناطق ثقافية

ويكمل بلاك قائلًا إن الإمبراطورية البيزنطية والغرب والعالم الإسلامي قد شكلوا ثلاث مناطق ثقافية منفصلة لكنها متجاورة تتاخم كل منها الأخرييْن.كان الإسلام هو الثورة التي نجحت وآخر الحركات المحورية.لقد انفتح على العالم بطاقةِ وعي ذاتي جماعي جديد.        

   وباعتباره حضارة فهو يمتد على جانبي الحافة التاريخية بين الحكومات الملكية القديمة وتفكيك الدولة في عالمنا ما بعد الحديث.هذا وقد أصبح الغرب متميزًا بشكل تدريجي في الثقافة والمنظومة الدينية السياسية عن الإمبراطورية الرومانية الشرقية بعد نقل العاصمة إلى القسطنطينية في العام 330 الميلادي.ثم بعد ذلك فقدت المنطقة الثقافية المسيحية البيزنطية أو الشرقية مصر وسوريا وفلسطين لمصلحة العرب.                                         

        يبدو أن بلاك يحاول في كتابه هذا أن يحيط، في آن واحد، بجميع أنواع الفكر السياسي في الغرب والعالم الإسلامي وفترة امتدادها، قائلًا إنه في أوروبا والعالم الإسلامي وبيزنطة كانت غالبية مظاهر الفكر والممارسة السياسيين متأثرة بالمعتقدات الدينية وكانت المعايير الدينية مهيمنة نظريًا ولو أن ذلك كان نادرًا عمليًا.   

 وبينما كان لدى جميع المجتمعات قبل الحديثة كهنة أو رجال دين من نوع ما، كان المعينون للاعتناء بالأمور الدينية في المعتقدات الإبراهيمية أوصياء على وحي منزه عن الخطأ من الله  الحقيقي الواحد، منزلًا بشكل مكتوب.وهذا جعل الأمر وكأنهم يقفون خارجًا وفوق بقية المجتمع وأن لهم منزلة مستقلة ومتفوقة كامنة.ثم يضيف بلاك أنه كان الأكثر أصالة والأكثر تأثيرًا في التاريخ العالمي ومساهمةً في الفكر السياسي هو اعتبار الكنيسة مجتمعًا منظمًا مقدسًا منفصلًا عن الدولة.   

   ويستطرد فيقول إن المسيحيين الأوائل يرون في الحقيقة أن (هذا العالم) حالة ميئوس منها. وعندما لم يُظهر مسيحهم المنتظر أي إشارة إلى العودة فقط بدأوا التفكير حول كيف سيبدو المجتمع العادل.بينما فكر المسلمون من ناحية أخرى منذ البداية بأن لديهم مجموعة مُنزلة إلهيًا من المؤسسات الحكومية والاجتماعية والاقتصادية.ونتيجة ذلك كان للكهنة المسيحيين والعلماء المسلمين مهام مختلفة إلى حد ما.كان هؤلاء المفكرون على السواء يدعون إلى العقيدة الدينية والمباديء الأخلاقية.ولكن بالإضافة إلى هذا كان بعض أفراد من العلماء يعملون بصفة قضاة دينيين ومنظمين للسوق.هذه الوظائف لم يكن لها نظير في أوروبا أو بيزنطة.              

قدم الإسلام نظامه القانوني الخاص، وفي حين تقبّل المسيحيون من ناحية أخرى السلطة القضائية للقانون الروماني، وكان لهم فعلًا محاكمهم الكنسية الخاصة للتعامل مع الأمور الدينية.هذا ويضيف أنه مع مرور الزمن تلاقت إلى حد ما وجهتا النظر المسيحية والإسلامية حول السلطة السياسية.لقد تغيرت وجهات النظر المسيحية حول العلاقة بين الدين والسياسة والدولة والكنيسة بعد أن بدأ الأباطرة الرومان بدعم المسيحية في القرن الرابع.               وفي موضع آخر يقول بلاك إنه مع أوائل القرن التاسع استولى العلماء بنجاح على السلطة التي حظى بها بعض الخلفاء الأوائل ليقرروا ما هي أو ما ليست هي العقيدة الصحيحة وليفسروا الشريعة.ومنذ هذا الوقت فصاعدًا كان العلماء هم الذين يمكن تسميتهم بالسلطات الدينية في الإسلام.

الإمبراطور ورجال الدين

وعن الفصل بين الكنيسة والدولة في الغرب يقول بلاك إن العلاقة بين الإمبراطور ورجال الدين ظلت في العالم المسيحي الشرقي من دون تغيير حتى سقوط القسطنطينية وقد تكرر هذا لاحقًا في روسيا المقدسة، الوريث الروحي لبيزنطة.وفي العالم المسيحي الغربي كانت العلاقة بين المجالات الدينية والسياسية وبين السلطة الكنسية للبابا والأساقفة ورجال الدين من ناحية والسلطة العلمانية للإمبراطور والملوك من ناحية أخرى هي بؤرة الخلاف.                   ويقر بلاك بأنه ثمة اختلاف بين الفكر السياسي الغربي والإسلامي أو البيزنطي " أو في الحقيقة فكر الثقافات ما قبل الحديثة الأخرى " وهو التنوع الواسع للآراء المُعبَّر عنها.        وكان الحد بين الكنيسة والدولة موضع خلاف دائم تقريبًا: مَنْ يجب أن تكون له الكلمة الأخيرة حول هذه المواضيع؟

ولقد بدأ الفكر السياسي في أوروبا وبيزنطة يتباعد أكثر بكثير على نحو ملحوظ منذ أواخر القرن الحادي عشر.حصل هذا حين ميزت أوروبا نفسها عن كل من ماضيها والثقافات الأخرى.ويكمل مضيفًا: تتجلى إحدى طرق تحديد العلاقة بين الدين والدولة في موقف الحكومة تجاه المنشقين الدينيين.لقد مرت وجهات النظر المسيحية هنا بتغييرين كبيرين بينما ظلت وجهات النظر الإسلامية من دون تعديل حتى قام بعض المفكرين في القرنين التاسع عشر والعشرين التاليين تحت التأثير الغربي بالدفاع عن حرية التعبير والتسامح مع المعتقدات الأخرى ومساواة الحقوق المدنية والسياسية لغير المسلمين.                                     وكذلك يضيف بلاك أنه في كل من أوروبا والعالم الإسلامي كان المجتمع الديني الشامل – الكنيسة أو الشعب – نظريًا هو المجتمع الإنساني الأهم.كان يعتقد أن كلًا من المسيحيين والمسلمين هم أفراد في مجتمع ديني شامل.

هذا ويتحدث بلاك في كتابه هذا عن مناهج الفكر السياسي والتغييرات في الدين والسياسة وعن أصول الفكر السياسي الغربي.وأختتم هذه الجولة العابرة في هذا الكتاب بما يقوله أنتوني بلاك: ثمة فارق كبير بين الفكر السياسي الأوروبي والإسلامي، وربما يكون الأكثر لفتًا للانتباه ذلك الذي يتعلق بأساس العدالة والأخلاق.وبطبيعة الحال على المرء القول إنه لا أحد يتعامل عمليًّا مع جميع البشر بشكل متساو.

تعليقات