رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

زهرة العَبَّاد.. قصة قصيرة لمنى العطار

  • جداريات 2
  • الثلاثاء 05 مايو 2020, 1:00 مساءً
  • 1660
الكاتبة منى العطار

الكاتبة منى العطار

يسمونها عباد الشمس، فهي حيثما تدور الشمس تلتف لتراها في إصرار كما التمسك بالحياة، تبتسم لها في الصباح، يتصل حبلها السري بها، تستقي الحياة، يعتري الزهرة الدفء فتميل كل الميل للشمس، ولِم لا فكل ما تحتاج إليه تجده يتسلل، شعاع شمس تلو الآخر، يسير الهوينا يلملم دفئه ليُبَدِدَ برودة ظُلْمَة الليل التي عاثت في الزهور رجفةً، ويتزايد قدوم رُسل الشمس إلى الأرض، ينحسِرُ الظلام مصاحباً معه ضباباً كان يَغْشى كل شيء، وابتسمت زهرة عباد الشمس في دلال المحب الواثق من عودة حبيبه إليه، فقد استشعرت الدفء قبل أن تنفرج أوراقها، اعتادت التدلل، أخذت تستمتع بالدفء وتسرى الحياة في أوصالها مفعمة بفرحة اليقين، لقد وصل حبيبها، ها هو يتلمس جبينها بقبلة صباحية خاصة، يربت على وجنتيه، فتتهدل أوراقها الصفراء فى غنج عروس صبيحة عُرسها، يرقص فرحاً باللقاء ثانية. 

يتراقص بخطوات رشيقة على أوراقها مدوناً بطرفه المسنون المُتَأجج: أُحِبُكِ. 

ويتخضب قلبها البنى بالحياة فتنهار كآبة الليل وتُردد فى وَجَلٍ: لم أعرف معناها، لم أتفوه بها من قبل، فقط أعلم أنني أحيا بك. 

يقترب الشعاع أكثر فأكثر، مُشعلا لونها الأصفر ببريقِ نورِه، ويُصِرُ على انتزاع حقَهَ: لن أتنازل عن كلمة الحب، هي لي، هي لي. 

تهمس للشمس في وجل: أتعلمين، لقد أدرك الجميعُ حالي، أصبحوا يدعونني (عبّاد الشمس) 

ألا يكفي؟! 

 لا يكفي، املئيني بأنشودة حب خاصة منك، صريحة الحرف، زاهية الحُسن. 

تُلملم وريقاتها في حيرة، لقد حان موعد غروب الشمس، لكن اليوم غير أي يوم، أحست بالإرهاق التام، فلقد دارت الشمس كثيرا، واختبأت خلف غيوم وغيوم، وفي كل حال كانت الزهرة تركض وراء الشمس في لهفة العاشق المتبتل، صرخت في خوف كمن يضع آخر رهاناته: أحبك. 

ولا تنتظر رجع الصدى فلقد حان المغيب، تُكَرِر فى لهفٍ ثَكِلٍ: أحبك. 

وما عاد حتى هناك رجع لصدى، انشق قلبها ألماً، فما كانت تتوقع للشمس أن تغيب في مثل هكذا يوم، يومهما الخاص؛ كيف تسنّى لكِ أن ترحلي؟! 

حدثت نفسها في ذهول متهدل وظلت تُتَمْتِم: كيف ترحل شمس عن دوارِها ذاك الذي أضحى يُسمى عَبّادها؟!!، هل هو اليقين في استعباده؟! أم ستذهب الشمس لتسطع في كون آخر على زهرة أُخرى؟! 

ما عادت تَحْتَمل سواد الليل الذي كان عادة كُلّ مساء، لابد أن تظل الشمس كل يوم طول اليوم وإن كان مستحيلا، فكل ما يحدث مستحيل، كيف للشمس ألا تعتني بها وهي تعلم شَططها في التعلق بها؟! وأين رسولها اليومي، ألا تعلم الشمس أن هناك آلاف المجرات الأخرى؟! بشموس أُخرى، ألا تخشى على زهرتها من أشعة تقتلها؟! أو شعاع آخر يصرعها؟! أو حتى يبعث فيها دفئه؟! ، لملمت وريقاتها تحتضن الذكرى، فانغلقت على خواء، خَارت على الأرض الباردة مُبللة الساقين منهكة الشقاء، تنتَظِر شمساً لا يُعاوِدها المساء.


تعليقات