رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

رمضان والسرد (1).. مقتطف من رواية «عروس الحجلة» لشعبان القاص

  • جداريات 2
  • الإثنين 04 مايو 2020, 1:19 مساءً
  • 1251
الروائي شعبان القاص

الروائي شعبان القاص

فى أول  ليلة من ليالى رمضان هذا العام ، قرر سيد أن يسهر ولا ينام ، حتى يقوم فيتسحر ، قبل الفجر فوجئوا به يجلس بينهم ، فأكل وشرب وسط فرحة الوالدين بالصائم الجديد ، لكن ما أن حل الضحى حتى شعر سيد بآلام الجوع، وما إن حل الظهر حتى كاد العطش يقطع حلقه، رأته أمه يكافح ألا يبدو عليه شىء، أمرته أن يفطر، لكنه ذهب إلى المسجد،  بعد صلاة الظهر كان كبار السن يبللون مناديلهم بالماء، ثم يضعونها على وجوههم ثم ينامون على الحصر مستقبلين النسائم البحرية التى تستقبلها نوافذ المسجد الكبيرة، نام سيد بجوارهم يبحلق فى سقف المسجد المصنوع من جذوع النخل وجريده، يتبع ببصره أشعة النور التي تتسلل من الثقوب، يأبى الجوع أن يدعه ينام مثل الجميع، يفكر فى الرجوع إلى البيت ليفطر ، لكن شيئا ما يمنعه، شىء ما يخترق قلبه مع هذه الأشعة النورانية، ورغم أنه يتلوى من ألم الجوع، والظمأ حبل يلتف حول عنقه، يشعر بالحياء، ينظر إلى السقف، يستشعر أن الله ينظر إليه، ترى ماذا سيقول عنه ربه إذا هو ضعف وأفطر؟ هل سيغضب؟ أم أنه سيرحم ضعفه؟

قبل صلاة العصر أبصر من هم أكبر منه سناً، محمود زكريا وحسنين فوزي وغيرهم يذهبون إلى "الميضة" ويعودون أكثر من مرة يمضمضون أفواههم وينضحون وجوههم بالماء، يتهم بعضهم بعضا أنهم شربوا بعض الماء، فى آخر مرة ذهبوا للميضة  ذهبوا ولم يعودوا، بينما مكث هو ينتظر صلاة العصر، وقف فى الصف يتحامل على نفسه، لمحه والده الحاج زكريا، أمره أن يعود إلى البيت ليفطر لكنه أبى، ألح عليه أبوه فقاطعة الشيخ هاشم: سيبه يعنى هو راح يموت.

ـ ما هو بيطلع فى الروح آهه    ...        

ـ يا شيخ أحسن الظن بالله.

فى البيت ومن بعد صلاة العصر حتى الغروب تركت الأم طبيخها وراحت تتحايل على وليدها أن يفطر وهو يأبى تقول:

-  يا ولدي ربنا غفور رحيم وأنت صغير دا اللي أكبر منك مصطفى ورمضان اولاد الجيران فطروا.

سيد يأبى أن يفطر وبينما أمه تحاول معه. سمعا صراخ فتحية عند الموقد، النار فوق إناء الطعام وتشرئب لتمسك بالأخشاب الجافة بجوار الفرن وسقف الغرفة المغطى بالبوص الجاف، صرخت الأم. لم تستطع النهوض لتطفئ النار ،بينما طار سيد مثل عصفور، وراح يطفئ النار بالتراب، كما لو كان عملاقا ينزع عن الأرض ترابها، يومها أفطرت الأسرة كلها على التمر والماء فقط.

 

 

 

تعليقات