باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه....
أما بعد..
فقد تناولت في المقال السابق بعض ما مر على الأمة الإسلامية من أوبية، على مر التاريخ، ومنها ما أدى إلى تعطيل الصلوات في المساجد أو الصلاة في البيوت سراً، ونحو ذلك.
لكن هل يمكن إقامة الجمعة في البيوت عند تعذرها في المساجد؟ هذا مما اختلف فيه، وكثير ممن كتب في ذلك من المعاصرين نجده يستدل بعمومات، أو بما كان على حال ليست مطابقة للحال القائمة.
فمن رأى جواز إقامة الجمعة في البيوت حال إذا تعذرت الجمعة في المسجد:
استدل بحديث جابر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) [متفق عليه]، فإنه إذا صحت الصلوات المفروضة في غير مسجد، صحت الجمعة كذاك، يجامع الفرضية في كل، ولأن الصحيح أن الجمعة تنعقد بما تنعقد به الجماعة - اثنين أو ثلاثة، فأكثر - واشتراط غير ذلك من العدد لم يثبت اشتراطه في الجمعة، ولأن عدم اشتراط الجمعة في المسجد قال به الشافعية، والإمام أحمد في رواية، كما أن الجمهور لا يشترطون إذن الإمام لإقامة الجمعة، لأنها من فروض الأعيان، كالصلوات الخمس، فالحق فيها متمحض لله، وبما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) [أخرجه مسلم] ، وهذا عام فتستوي فيه الجمعة وغيرها.
وبما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة
إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية" [رواه أبو داود وحسنه الألباني]، والصلاة عامة تشمل الجمعة
وغيرها، ولقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع). و(الذين) في الآية: اسم
موصول، وهو من صيغ العموم، فيشمل المقيم والمسافر، والصحيح والمريض، والذكر
والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد، والعاقل والمجنون، ويخص من الوجوب:
الصغير، والأنثى، والمسافر، والعبد، والمريض الذي يتضرر بحضوره من المرض،
والمجنون، بالأدلة التي دلت على عدم وجوبها عليهم.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة مسافراً، لا يعني عدم صحتها لمن صلاها من المسافرين. وعليه فإن كانوا في بيت ولا سبيل لإقامتها في مسجد كما حال النازلة، فإنها تلزمهم، فإن حال النازلة ليس كحال الاختيار.
ومن منع من إقامة الجمعة بالبيوت، اعتل لذلك بأنه يخالف جملة من الشروط التي اشترطها الفقهاء في الجمعة كاشتراط المالكية أن تكون في مسجد جامع، واشتراط الحنفية إذن السلطان، واشتراط الشافعية والحنابلة عدد الأربعين، فالقول بالتلفيق محدث، وإقامة الجمعة افتئات على الإمام، وهذا كله ضعيف، عند التحقيق، فإن أول جمعة جمعت كانت بغير إشهار، كما سبق في حديث كعب أن أسعد بن زرارة، جمع بهم في (هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع، يقال له: نقيع الخضمات، قلت: كم أنتم يومئذ، قال: أربعون) [رواه أبو داود وحسنه الألباني]، فلم يكن ذلك في مسجد، وصلى علي الجمعة لما حصر عثمان [رواه البيهقي وغيره وصححه النووي]، وقال عثمان رضي الله عنه لما قيل له: إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج؟ فقال الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم [رواه البخاري]. وعلي رضي الله عنه لا يقال له إمام فتنة؛ وأيضاً فقد قال المالكية إنه لو استؤذن إمام في الجمعة فمنع، وأمنوا غائلته فيقيمونها هم.
ثم القول بأنه محدث لا يصح أيضاً فكل المذاهب فيها معظم تلك الأقوال، والحجة إنما تكون في الأدلة، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، وشيخ الإسلام ابن تيمية، كان يفتي بأن الطلاق الثلاث هي واحدة، مع أنه مخالف لمذهب الأئمة الأربعة بل جل فقهاء السلف، على ما قاله ابن عبد البر وغيره، على أن هذا القول هو المفتى به والمعمول به في المحاكم في مصر وغيرها.
وليس ثمة افتئات على الإمام في صلاتها بالبيوت، فإن الدولة
منعت الاجتماعات، خوفاً من الوباء، لا يمنع أهل البيت
الواحد المجتمعين فيه من إقامتها إذا كانوا جمعاً، لانتفاء علة المنع بعدم انتشار
الوباء بينهم، ولا علاقة للحاكم باختيارات الناس الفقهية، ولاسيما أن
المتغلب تجب له الطاعة الظاهرة دون الباطنة، وفي مختصر الفتاوى المصرية لابن
تيمية: (وَلَيْسَ لوَلِيّ الْأَمر أَن
يحمل النَّاس عَليّ مذْهبه فِي منع مُعَاملَة لَا يَرَاهَا وَلَا للْعَالم والمفتي
أَن يلزما النَّاس باتباعهما فِي مسَائِل الِاجْتِهَاد بَين الْأَئِمَّة بل قَالَ
الْعلمَاء: إِجْمَاعهم قَاطِعَة؛ وَاخْتِلَافهمْ رَحْمَة وَاسِعَة)، فإذا خطب
الرجل بأهل بيته ممن تلزمهم الجمعة، وصلاها بهم، فليس ثمة افتئات محرم في ذلك، وهو
فعل صحيح.
وهذا ينظر بحال السفر
أيضاً، فإن سقوط وجوب الجمعة عن المسافرين، لا يعني سقوطها عن المقيمين، فسقوطها
في المساجد لغلقها لا يسقطها عمن بالبيوت. وأما ما يتعلل به من حال أهل البوادي،
فلأنهم قديما كانوا لا يجتمعون غالباً، أو لعدم وجود من يخطب بهم، أو نحو ذلك من
الأعذار، وعند عدم استطاعة إقامة الجمعة في البيوت، أو كان في ذلك مشقة عليهم غير
معتادة تسقط الجمعة للعذر، وتتعين عليهم ظهراً. لكن لا يجب السعي لها لأنه يلزم
منها الاجتماع، وقد يتضرر من ذلك، ولا يلزم أن يطلب من أحد الحضور للصلاة معه
لأنها مسألة، وتلزمه فيها منَّة، فمن لم يجد اثنين يصليانها معه، فإنه يصليها
ظهراً.
وبالله التوفيق.
كتبه:
أ.د. خالد بن فوزي حمزة