باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
مسجد مغلق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه....
أما بعد..
فقد جاء كما تقدم في ثنايا أحاديث الطاعون، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا
وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه) [متفق عليه]،
وأخذ منه العلماء أحكام الحجر الصحي النبوي، فالإنسان لا يقدم على موضع فيه
الوباء، وإذا وقع الوباء في موضع هو فيه، فلا يخرج فراراً منه.
وحيث إن انتشار فيروس كرونا أسرع من غيره من الميكروبات بأضعاف مضاعفة، فلذا اتخذت دول العالم الإجراءات الصحية الشديدة، وبدأت نظريات المؤامرة تظهر على كل الصعدة، فمن مؤكد أنه لعبة أمريكية، والمقصود منها ضرب اقتصاد المخالفين لها، ولاسيما الصين، ومن قائل بل الصين أخرجت الفيروس، وعندها العلاج، لكنها لا تظهره، فلما انتشر عندها نزلت أسهم شركاتها التكنولوجية العظمى فباعتها دول أمريكا وأوروبا واشترتها الصين بأبخس الأثمان، فإذا أظهرت العلاج ربحت قيمة العلاج وارتفعت قيمة الأسهم، ومن قائل بل هي جائحة وليست لعبة، والعجب أن هذه الأقوال تتبناها دول وحكومات؛ فضلا عن أفراد من المحللين.
ونحن لا يعنينا كثيراً أي النظريات صحيح، لأنه لا ينبني عليه
عمل في قضية الصبر على الوباء أو الفرار منه، لكن انبنى على وجود الوباء قضية منع
التجمعات بما في ذلك منع إقامة الجمع والجماعات في المساجد، فهذه التي أحب تناولها
ههنا، فقد كتب فيها كثيرون من مؤيد ومخالف، والأدلة من الطرفين قد لا تلاقي حقيقة
المسألة.
فمن أدلة من يرى
أن يتم إقفالها: المنع من دخول الأرض الموبوءة، وأحاديث التحرز من
العدوى: (لا يوردن ممرض على مصح)، (فر من المجذوم)، (قد بايعناك فارجع)، ونهي عمر
للمجذومة عن الطواف، وغير ذلك، وكذا حديث (إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب
أن تؤتى عزائمه) [أخرجه
أحمد وغيره وصححه الألباني]،
وأنه منع في الشرع أصحاب الروائح من دخول المسجد بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو قال فليعتزل مسجدنا وليقعد في
بيته) [متفق عليه]، فكيف بمن هو حامل للوباء، وأنه أبيح الإقفال والنداء
(صلوا في بيوتكم) خوف البرد أو المطر أو الوحل، فكيف بالوباء أيضاً.
ولأنه من المتفق عليه قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، وهي منصوص
حديث صحيح أخرجه ابن ماجة وغيره، وأن ذلك من باب الضرورات التي تبيح المحظورات، بل
إن من أفتى باستمرار فتح المساجد مع زيادة انتشار الوباء هو في الحقيقة يسهم في
إصابة أو وفاة المزيد من المسلمين، وفي سنن أبي داود [وحسنه الألباني]
عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا في سفر، فأصاب رجلا منا حجرُ فشجه في رأسه، ثم احتلم
فسأل أصحابه فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر
على الماء؛ فاغتسل فمات؛ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما
شفاء العي السؤال)، ونحو ذلك من الأدلة.
ثم من صلى في بيته ملجأ؛ أخذ أجره كاملاً لما روى البخاري عن
أبي موسى قال النبي : (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا).
ومن أدلة من يمنع
إقفال المساجد: الأدلة العامة في التحذير من تعطيل المساجد، كقوله
تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا
إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ} [البقرة: 114]، وأنها من الشعائر الظاهرة، فكيف تقفل؟ وكذا قول النبي : (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم
الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية)، [رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني]، ونحو: حديث: (من ترك ثلاث جمع
تهاونا بها طبع الله على قلبه) [رواه
ابو داود وغيره وقال الألباني: حسن صحيح].
وأحاديث نفي العدوى مما سبق، وكان من أعظم استدلال الذي يمنع الإغلاق هو أن
الطواعين كانت أيام الصحابة، فمن بعدهم، وما أقفلت المساجد، وأن أدلة من يرى
الإقفال إنما هي منع إما لأشخاص، وليست للإغلاق التام، أو هي لو فرض لإغلاق فريضة
أو ثنتين.
وأن المعلن من الوباء أن يفتك بكبار السن ممن لهم مناعة
ضعيفة، فهلا اقتصر المنع عليهم، وأن نسبة الوفيات قليلة جداً (1%) وقد تصل إلى
(5%) فهو رقم قليل، بل إنما يموت من الأمراض الأخرى أضعاف هذا الرقم، ثم التجمعات
في وسائل المواصلات أكثر وأطول مدة من مدد الصلوات الخمسة مجتمعة، كما لا تزال بعض
الشوارع والمحلات وفي البنوك والمصالح الحكومية، بها أعداد أكثر من المصلين في
المساجد.
والظاهر أن حرف المسألة أن يتفق الجميع على أن هذه نازلة
أسوأ مما كان قبل ذلك، فإن وجود الطائرات والسفن السريعة والسيارات وغيرها، أدى
إلى انتشار الفيروس بصورة اسرع بكثير مما كان سابقاً، ففي غضون أسابيع قليلة تضاعف
عدد المصابين بالفيروس إلى أن وصل آخر رجب 1441هـ إلى نحو ثلث مليون حالة إصابة،
وعشرات الآلاف من الوفيات، ومليار محتجز، وبكونه يزيد في صورة متوالية هندسية،
فيتوقع إذا قدر الله استمراره على هذا المنوال، أن يصل إلى مليار مصاب في غضون
شهرين، وحيث عدد الوفيات يكون في متوسط (3%)، فتكون عدد الوفيات حينئذ قد تصل إلى
ثلاثين مليوناً، وهو أكبر من الوفيات في الحروب العالمية أو أي وباء سبق.
وبالتالي فلابد من وضع الاحتياطات التامة والتي توازي حجم
الوباء المنتشر، ويجتهد الفقهاء في تكييف النازلة، وإصدار الفتاوى المناسبة لها،
والله أعلم، وبالله التوفيق.