باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
صورة متخيلة لابن الراوندي
يردد الملحدون العرب مقولة جاهزة لا يعملون فيها فكرهم ولا يضعونها تحت مجهر الملاحظة ولا يحضرون الدلائل على صحتها، مؤداها أن الفلاسفة الملحدين هم الذين قامت الحضارة العربية على أكتافهم ومن هؤلاء الفيلسوف ابن الراوندي.
وكلام الملحدين في هذا الإطار يكشف لنا عن ضحالتهم المعرفية أو عن سوء نيتهم وقصدهم تضليل الناس؛ فابن الراوندي هذا ليس له أي نشاط علمي وكتبه التي ألفها لا تخرج عن دائرة التشكيك واللا أدرية وتلك هي سيرة ابن الرواندي باختصار توضح لنا حقيقة هذا الفيلسوف الذي لا نطلق عليه لفظة "فيلسوف" إلا من باب التجاوز.
ولد أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي سنة 210 هـ وينسب إلى "راوند" وهي بلدة تقع بين أصفهان وكاشان في إقليم فارس المعروف حالياً باسم دولة إيران فهو من أبناء القومية الفارسية، وشهدت حياته العجيبة تحولات مذهبية كبيرة وقدراً لا بأس به من الصعلكة؛ فقد كان في بدايات حياته العلمية واحداً من المعتزلة بل من علمائهم المعدودين في القرن الثالث الهجري، لكنه تحول عن الاعتزال وهاجم أصحابه بعنفٍ وشراسة وألف كتابه "فضيحة المعتزلة" رداً على كتاب الجاحظ "فضيلة المعتزلة".
ورأينا ذاك الراوندي يعتنق لفترة مذهب التشيع ويصنف كتاباً يسميه "الإمامة" على أن لقاءه بـ "أبي عيسى الوراق" الذي كان ملحداً أثر عليه بعمق وجعله يرفض الإسلام والأديان عامة ويصبح واحداً من أهم الزنادقة في تاريخ الملة الإسلامية.
وتصانيف ابن الراوندي هلكت جميعاً ولم يبق لها أي أثر غير أن آراءه حفظت بواسطة منتقديه والذين ردوا عليه وهذا هو كتاب "الانتصار" للخياط وهو من علماء المعتزلة يطلعنا على طائفة من آراء ابن الراوندي وبفضل الخياط إن كان هذا فضلاً نستطيع أن نقرأ عدة مقاطع من كتاب الزمرد الذي ألفه ابن الراوندي.
الغريب في الأمر أن ابن الراوندي صنف كتابين في شبابه للدفاع عن الإسلام والتأكيد على صدق انتماءه للدين الحنيف وذلك عندما كان في مدينة الري (تقع حالياً في إطار مدينة طهران عاصمة الدولة الإيرانية) والكتابان هما: "الابتداء والإعادة" و"الأسماء والأحكام"، ثم انتقل إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية وكان ذلك في عهد الخليفة المتوكل وعاش هناك وانضم لفرقة المتكلمين المعتزلة الذين كسر الخليفة شوكتهم وانتصر لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل وأنهى محنته لكن فريق المعتزلة ظل موجوداً وله رواده وعلماءه وبعد قرون زال أثره وانمحى وجوده وأصبح تاريخاً في بطون الكتب، وفي أثناء حياة ابن الراوندي بغداد عمل في نسخ الكتب وفشل تماماً لأنه اتسم بعد الدقة وكان يضيف كلاماً من عنده على الكتب التي يقوم بنسخها!!.
وبعد فشله المدوي ألحد وارتد وترك الاعتزال بعد أن طرده زملاءه في المذهب من حلقتهم واتهموه بالفسق والانحراف، وظل طريداً معدماً ولم يجد فرصة أمامه سوى في تأليف كتاب لرجل يهودي الديانة، وظل ملازماً لهذا اليهودي يأتمر بأمره ولا يحيد عن رغباته لأنه كان يقتات من الفضلات التي كان يتركها له.
ويهودية الراوندي محل اعتبار عند بعض المؤرخين والعلماء فقد قيل أنه كان يهودياً أو ربما كان والده من أتباع الدين اليهودي ثم أسلم لذلك روي أن اليهود قالوا للمسلمين في العراق "احذروا من ابن الراوندي فإنه سوف يخرب عليكم دينكم كما أفسد أبوه ديننا" ! وقد ألف كتاب البصيرة دعايةً لليهود ودفاعاً عنهم بعد أن دفع له يهود مدينة سامراء أربعمائة درهم ثم شرع يكتب رداً على الكتاب الذي ألفه بنفسه فدفع له اليهود مئة درهم إضافية حتى يمتنع!!.
وكتبه ليست كثيرة ولحسن حظنا أنها تلاشت، ومنها كتاب سماه "الإمامة" يغلو في ثنايا عباراته في شخص الإمام علي بن أبي طالب وقد ألفه أثناء تشيعه وله أيضاً من الكتب: الفِرِنْد، والدامق، والزمرد، والتاج، واللؤلؤ، وعبث الحكمة، والقضيب الذهبي، وكتاباً ألفه عن خلق القرآن إبَّان اعتزاله، وله كذلك التعديل والتجوير وكتاباً سماه الزينة.
وكان فقيراً عشوائياً بائساً كما أكد المؤرخون واستماله اليهود فكتب يمدح دينهم وظل في هذا العبث حتى مات وعمره أربعة وثمانين سنة، ولا ندري بعد كل هذا ما هي الإضافة التي منحها ابن الراوندي لتاريخ المسلمين، وهو النساخ الذي لم يعرف الأمانة وكان يشوه الكتب التي ينسخها ويضيف إليها ما ليس منها، ثم يكتب لليهود مقابل ثمنٍ بخس دراهم معدودة ثم يموت وتموت سيرته فيحييها الملحدون العرب.
وقد أوضح لنا الدكتور عبد الرحمن بدوي كل التفاصيل عن هذا الرجل في كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام"، ومن كلام ابن الراوندي " إن أردتم بمثل القرآن في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فسوف نأتيكم بألفٍ مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء بل وما هو أطلق منه ألفاظاً وأبلغ عبارً وأشكل سجعا" وهو كلام لا يحتاج إلى رد ومرجعه إلى الدعوى والمجازفة وهذا هو حال الملحدين.