سعيد صادق يكتب: أيمن عبدالعاطى في «حسام الدين لاجين"

  • جداريات 2
  • الثلاثاء 28 أبريل 2020, 00:55 صباحا
  • 5074
الروائي أيمن عبد العاطي

الروائي أيمن عبد العاطي

الغلاف‪-‬ كعتبة نصية خارجية موازية فى رواية "حسام الدين لاجين" لأيمن عبد العاطى‪-‬ يطالع قارئه بصورة غير مكتملة لشخص يعتمر عمامة فى زى غير دال على طبقة بعينها، يكاد يكون بين الرسمى والعادى، وأسفله صورة لنفس الشخص فى بزّة حربية كاملة، وفوق رأسه خوذة حربية سلطانية، يشرع سيفا بيمناه ويمتطى فرسا مطهمًا، لتوقفنا لوحة الغلاف على وظيفتها بما تنبئنا من حالات التحول التى تسيطر على الرواية وبطلها، من شخص يرتقى من منزلة أقل إلى منزلة أعلى فى هيئة سلطانية أو من حاكم إلى محكوم والعكس. هذه الوظيفة يكملها ويجلّيها العنوان الذى سك فاصلا بين الصورتين − وتأويليا− كفاصل بين منزلتين "حسام الدين لاجين" بالبنط الكبير الأصفر بما يضفيه هذا اللون دلالات تشيع جو الخوف والتربص فى الرواية، ويلازم حالات التبدل من العلو إلى الارتفاع أو العكس التى قد تكون سببها الغيرة أو حب الثراء والتملك، وهما أيضا من دلالات اللون الأصفر، التى نقف عليها مع الإيغال فى المتن الروائى باعتباره− أى المتن− خبرا للعنوان− بحسب أحد النقاد− والعنوان مختزلا له، ليكون الغلاف بذلك أدى معبرا عما وملخصا ما تحبل به الرواية من أحداث.

ثم تأتى اللفظة الإعلامية المحددة للنوع "رواية" لتقيد ما نطالعه بين غلافى هذا الكتاب بما يميز هذا الجنس الأدبى من "وصف وسرد وحوار وتقنيات فنية"، عن أى جنس أدبى آخر كالشعر أو المسرح.

مسار التأويل الذى نميل إليه بعد الانتهاء من الرواية هى أن أيمن عبدالعاطى كان يبحث عن الديمقراطية بديلا للعنف والانقلابات وقانون الغاب الذى ساد فترة حكم المماليك وبينهم بالطبع "حسام الدين لاجين" وما يتشابه أو يتقارب مع هذا الشكل من الحكم.

 المفتتح الروائى أيضا أدى وظيفة اختزالية لما بين دفتى الرواية "اقترب وقت المغيب، وكذلك الركب من أطراف المدينة، والقاهرة تلوح من بعيد، لم يتبق على غروب الشمس الكثير، عندما أضفت لونها الذهبى فوق المآذن والبيوت قبل أن تأخذ طريقها للرحيل" فالمعجم اللغوى المستخدم "المغيب − غروب الشمس − الرحيل" يشيع جوا من التقبض الذى يطالع القارئ بما يحمله المغيب من دلالته الكونية بخصوصيتها التى تنتقل إلى دلالة أوسع وأعم تشمل الشخصيات والمحسوسات الأخرى، إضافة إلى غروب الشمس وقرب سدول الظلام ومجىء الليل المحمل بالتدبير والمكر الذي يدخل مرحلة الفعل نفسه من انقلاب سلطان على أمير أو أمراء على سلطان فى تناوب مفزع نقف عليه داخل المتن الروائى.

أما النهاية التى اختارها أيمن عبد العاطى فإنها نهاية مخاتلة نسبيا، فقد توحى بأنها نهاية مغلقة، لكنها− بانفتاح طاقات التأويل− يتبدى أنها ليست أبدا كذلك، بل مفتوحة تترك للقارئ آفاقا للتوقع، لوضع نهاية أو نهايات أخرى.

"وطلع إلى القلعة وجلس على سرير الملك والناس يهتفون بحياته خارج القلعة حتى سمعت أصواتهم من داخل القلعة مدوية لا يميز من بين كل هتافاتهم سوى كلمات "ناصر ناصر ناصر ناصر ناصر ناصر".

تنتهى الرواية بهذا المقطع، لكن أفق التوقع لم ينتهِ، بل يطرح سؤالا عريضا: وماذا بعد؟ هل يبقى ناصر على سرير الملك إلى الأبد بقرار من أمراء المماليك؟ وأليس من المستبعد أن الذين يهتفون له اليوم ربما يهتفون ضده غدا، ليُعزل أو يُقتل،  لتستمر حلقات الزمن دائرية أكروباتية باسطة ثنائيات العزل والتولية، والموت والبقاء التي تغذيها متوالية السفك والدم والتناحر؟ ولربما تبقى الإجابة العريضة التى ينشدها أيمن عبد العاطى أن الديمقراطية، وآلياتها المدنية القائمة على أساس تشاركى جمهورى هى المخرج من كل ذلك. 

ويبقى السؤال الذى جعلناه منتهى وكان حقه المفتتح: لماذا لجأ أيمن عبدالعاطى إلى التاريخ للتعبير عن هذه الرؤية؟ 

فى تقديمه للرواية يجيب الدكتور حسام عقل، أستاذ الأدب الحديث بكلية التربية جامعة عين شمس، «أن النزوح للتاريخ لم يكن نزوة طارئة أو جنوحا عابرا لابس المزاج السردى بعد الخامس والعشرين من يناير وإنما غدا هذا الجنوح نسقا مهيمنا مطردا، يأنس فيه القاص مراحا رحيبا للاستبصار بحقائق التاريخ ومعادلاته المتكررة أو لاختبار صلابة الأرض التى يقف فوقها، من حيث ركونها إلى جذر تاريخى متماسك متغلغل أو لالتماس مشابهات ملحوظة تصل الماضى بالحاضر وتوثق ما بينهما من الوشيجة اللاحمة».



تعليقات