باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
أ.د خالد فوزي حمزة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه....
أما بعد..
فقد تقدم في المقال السابق أن الوباء أعم من الطاعون، وأن الذي يموت بالطاعون يكون شهيداً للنص الوارد، فهل يحتمل أيضاً أن يكون الصابر على الوباء العام شهيداً، وإن لم نقل إنه طاعون؟
الظاهر: أنه يكون شهيداً وإن لم يكن الوباء طاعوناً لما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله) وفي الموطأ والمسند وغيرهما [وصححه الألباني]: (الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله؛ المقتول في سبيل الله شهيد؛ والمطعون شهيد؛ والغريق شهيد؛ وصاحب ذات الجنب شهيد؛ والمبطون شهيد؛ وصاحب الحريق شهيد؛ والذي يموت تحت الهدم شهيد؛ والمرأة تموت بجمع شهيدة).
فوباء كرونا - إن شاء الله - لا يخرج عن هذه الأنواع؛ فالمسلم المبتلى به إن لم يدخل في المطعون؛ فهو يدخل في (المبطون)، لأن المراد به من اشتكى بطنه للإسهال، ويدخل فيه كذلك من مات بشيء في بطنه. وقد يدخل (كورونا) أيضاً في مرض (ذات الجنب)، فإن الأطباء يذكرون أنه التهاب الجنبة (pleurisy)، وأنه بسبب التهاب فيروسي، وقد ذكر ابن القيم وغيره أنه (يلزم ذاتَ الجنب الحقيقي خمسةُ أعراض، وهى: الحُمَّى، والسعال، والوجع الناخس، وضيق النَّفَس، والنبضُ المنشاري)، وهي من أعراض كرونا كوفيد 19، مع زيادة ذات الجنب احتمال وجود سوائل مما يستدعي البذل من الجنب، بل قد يكون في الدواء النبوي لذات الجنب الأمل في شفاء كرونا والله أعلم، فقد قال النبي لأم قيس ـا (عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب).
لكن نبه العلماء على أن كل ما ورد في الوصف بالشهادة فهو في الفضل دون شهيد المعركة، إلا ما ورد في الطاعون خاصة فإنه يساويه، ويدل عليه كما قال العلماء: ما روى النسائي [وصححه الألباني] عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول الشهداء إخواننا قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون على فرشهم إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا فيقول ربنا انظروا إلى جراحهم فإن أشبه جراحهم جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم).
كما من أراد بلوغ أجر الشهيد لابد يصبر ويحتسب، ففي الصحيحين عن عائشة ـا قالت: (سألت رسول الله عن الطاعون فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان مثل أجر شهيد)، وقد جاء في المسند بلفظ: (في بيته) لكن رواية (في بلده) أصح.
بقي أن نتكلم عن الوقاية، فقد ذكرت منظمة الصحة أن من أهم أسباب الوقاية النظافة، ومنها تكرار غسل الأيدي بالماء والصابون، وأخذ الثوب في العطاس ونحو ذلك، ولا يخفى أن الإسلام جاء بهذه وزيادة، ففي الكتاب العزيز {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
وفي السنة كذلك؛ ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان)، وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)، وفي سنن أبي داود [وصححه الألباني] قال : (من نام وفي يده غَمَر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)؛ والغَمَر: بالتحريك الدسم والزهومة من اللحم، وفي سنن النسائي [وصححه الألباني] عن عائشة ـا قالت: (كان رسول الله إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت غسل يديه ثم يأكل أو يشرب)، وحيث لم يكن ثمة صابون، فقد ورد مسح اليدين بالتراب أو الجدار؛ ففي صحيح البخاري عن ميمونة ـا قالت: (وضعت لرسول الله غسلا وسترته فصب على يده فغسلهما مرة أو مرتين ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل فرجه ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه ثم صب على جسده ثم تنحى فغسل قدمه).
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه وغض بها صوته) [وصححه الألباني]، وفي الطبراني وغيره [وصححه الألباني]: (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها). وفي الصحيحين عن أبي هريرة رواية: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب)، ولمسلم عن عائشة قال رسول الله : (عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء، قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة)، ومعنى انتقاص الماء يعني الاستنجاء، والبراجم: جمع برجمة وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها.
وعليه؛ فإن ما تطلبه منظمة الصحة الآن، هو من هدي الإسلام.
ثم إن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، ففي الكتاب العزيز:
{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، وقال
تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، وفي
الترمذي [وحسنه الألباني]: (قال رجل يا رسول الله أعقلها
وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال اعقلها وتوكل).
وبالله التوفيق.
كتبه
أ. د.
خالد بن فوزي حمزة